الديمقراطي لا ينخدع من ترامب مرتين.. سر توتر أنصار بايدن رغم تقدمه في استطلاعات الرأي
المرشح الديمقراطي جو بايدن يتقدم السباق الانتخابي بفارق مريح للغاية قبل نحو ثلاثة أسابيع فقط من خط النهاية، لكن المرشح الجمهوري دونالد ترامب يبدو واثقاً تماماً من الفوز، والسبب تجربة هيلاري كلينتون.
أين وصل السباق الأكثر شراسة؟
تُظهر جميع استطلاعات الرأي تقدم جو بايدن عن دونالد ترامب بفارق نقاط يتراوح بين 10 و16 نقطة على المستوى القومي للولايات المتحدة، لكن ربما تكون الأخبار الجيدة أكثر هي تلك القادمة من الولايات الأهم في السباق أو ولايات الحسم، حيث تبدو بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسون شبه مضمونة لبايدن، كما أن ولايات مثل فلوريدا وأيوا التي كانت الاستطلاعات فيها لصالح ترامب بفارق مريح أصبحت أقرب لبايدن، والأهم أن ولايات مثل تكساس وجورجيا وهي معاقل جمهورية بامتياز أصبح السباق فيها متقارباً بشدة.
هذه الأرقام لا تصدر فقط عن مؤسسات استطلاع رأي أو حتى قنوات تليفزيونية تقف ضد ترامب، مثل شبكة CNN، لكن استطلاعات رأي تجريها شبكة Fox News اليمينية الداعمة لترامب تظهر أيضاً تقدم بايدن على المستوى الوطني، وإن كان فارق التقدم هنا 10 نقاط بينما يصل إلى 16 نقطة في استطلاعات أخرى، وهو ما يعني أن بايدن يبدو في موقف ممتاز لتحقيق الفوز قبل ثلاثة أسابيع فقط من يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني أو اليوم الأخير للتصويت الشعبي.
وهناك عاملان رئيسيان وراء اتساع الفارق في استطلاعات الرأي لصالح المرشح الديمقراطي، بحسب المحللين؛ أولهما المناظرة الرئاسية التي أجريت بين ترامب وبايدن قبل أسبوعين. فعلى الرغم من أنها وصفت بالمناظرة الأسوأ على الإطلاق وشهدت مقاطعات وتلاسناً بصورة متكررة، فإن استطلاعات الرأي أظهرت خسارة ترامب لكثير من أصوات المستقلين لصالح بادين الذي بدا أقل عدوانية وأكثر التزاماً بالحقائق عكس الرئيس.
أما العامل الثاني الذي أسهم في اتساع الفارق لصالح بايدن فهو الإعلان عن إصابة ترامب بعدوى كوفيد-19 يوم الجمعة 2 أكتوبر/تشرين الأول وما تبع ذلك من تصرفات وتصريحات صدرت عن الرئيس كاشفة عن استهانته بالوباء الذي قتل أكثر من 215 ألف أمريكي ولا زال يمثل خطراً داهماً في البلاد وحول العالم.
لماذا يسود التوتر أجواء الديمقراطيين؟
من الطبيعي إذن، في ظل هذا التفوق الكاسح، أن يسود التفاؤل والثقة في الفوز أوساط الديمقراطيين، لكن الواقع يعكس أجواء مختلفة تماماً، وقد نشرت شبكة CNN تقريراً بعنوان “بايدن متقدم، لكن الديمقراطيين يشعرون بالتوتر”، تناول الأجواء السائدة بين أوساط الديمقراطيين من كبار المسؤولين وحتى الناخب العادي، حيث تزداد حالة القلق والتوتر مع كل جرعة جديدة من الأخبار الجيدة.
والسبب الرئيسي هو الجرح الغائر الذي لا يزال حاضراً في وجدان الديمقراطيين بعد صدمة الهزيمة المفاجئة التي تلقتها هيلاري كلينتون أمام دونالد ترامب قبل أربع سنوات، فعندما أظهرت استطلاعات الرأي هذا الأسبوع اتساع الفارق لصالح بايدن، جاء رد الفعل الجمعي بين الليبراليين بشكل عام وبين المؤثرين من الديمقراطيين على منصات التواصل الاجتماعي بصفة خاصة متراوحاً بين الحذر وعدم التصديق والدعوة لعدم الاستسلام مبكراً لحالة النشوة.
وترجع ردود الفعل المتوترة إلى الرغبة التي تأصلت في نفوس الديمقراطيين لحماية ناخبيهم من خطر الاطمئنان للفوز ومن ثم عدم الخروج بكثافة للتصويت على أساس أن النتيجة باتت مضمونة، والسبب هنا نابع من التشابه الكبير بين موقف بايدن الآن وموقف هيلاري قبل أربع سنوات.
ففي نفس الفترة من عام 2016، كانت استطلاعات الرأي من الهيئات المتخصصة تظهر تفوقاً كاسحاً لهيلاري على ترامب، بينما كانت هيئات استطلاع الرأي المستقلة تتوقع فوز ترامب، وهو ما تجاهله الديمقراطيون تماماً لتأتي النتيجة بمثابة الصدمة المتكاملة الأركان.
وهذا ما يفسر رد الفعل المختلف تماماً هذه المرة، حيث يرفع الديمقراطيون شعار “تجاهلوا استطلاعات الرأي” أو “لا تنخدعوا واخرجوا للتصويت”، ووصل الأمر ببعض المحللين والخبراء من الديمقراطيين أن وصفوا حماس بعض مسانديهم واحتفالاتهم المبكرة بأنها “خدعة لصالح ترامب”.
“لن ننخدع مرة أخرى”
هذه النقطة تبدو واضحة لدرجة أن صحيفة الغارديان البريطانية نشرت تقريراً بعنوان “بايدن يبدو في وضع جيد لكن القلق من استطلاعات الرأي يعني أن الديمقراطيين حذرون”، ألقى الضوء على ما يكشف عنه الحذر الديمقراطي والتوتر رغم تقدم مرشحهم.
لورا هوبكا رئيس حملة الديمقراطيين في مقاطعة هاوارد بولاية أيوا عبَّرت عن اليأس الذي شعرت به عندما فاز بايدن بترشيح الحزب لمنافسة ترامب، على أساس أن مهمتها كانت ستكون أسهل في حالة اختيار الحزب لمرشح أصغر سناً وأكثر حيوية من نائب باراك أوباما الذي يبلغ من العمر 77 عاماً ويبدو في خريف مسيرته السياسية، لكن الشعور باليأس تحوَّل بشكل كبير مع مرور الوقت وأصبح بايدن متقدماً للسباق بفارق يزداد اتساعاً ويبدو أنه في طريقه للفوز بالفعل، بحسب استطلاعات الرأي.
ورغم ذلك، عبَّرت هوبكا للغارديان عن عدم ثقتها في استطلاعات الرأي: “أنا لا أصدق أياً منها ولا أريد أن يصدقها أحد. لا أريد أن يبقى ناخب واحد في بيته يوم التصويت حتى لا يتكرر ما حدث عندما أظهرت استطلاعات الرأي تقدمها بـ15 نقطة على ترامب قبل أربع سنوات. أعتقد أن عدد مناصري ترامب في المقاطعة أصبحوا أقل بسبب خجلهم من تصرفاته وربما يصوّت بعضهم لجو بايدن، لكن من خلال مكاني هنا لا أعتقد أن بايدن متقدم بـ14 أو 15 نقطة، لا أظن أنه متقدم بتلك النسبة”.
وعلى الرغم من إصابة ترامب بالعدوى كان من المتوقع أن تثير التعاطف مع الرئيس على مستوى البلاد، إلا أن استطلاعات الرأي أظهرت تراجعاً كبيراً في شعبيته التي انخفضت إلى 34% فقط مقابل 55% لبايدن على مستوى البلاد ككل، وذلك خلال الأسبوع الماضي، كما أن بايدن متقدم 12 نقطة على منافسه بين الناخبين المستقلين الذين يمثلون عامل الحسم.
لكن المحلل السياسي لاري ساباتو يعتقد أن هوبكا محقة تماماً في حذرها، حيث يرى أن موقف بايدن يبدو قوياً فقط بسبب أفعال ترامب وتصريحاته الفوضوية والكارثية أحياناً ولولا ذلك لكان موقف المرشح الديمقراطي ضعيفاً للغاية، وبالتالي يعتقد ساباتو أنه من المستحيل أن يكون بايدن متقدماً بفارق 14 أو 16 نقطة: “مستحيل. الاستقطاب والانقسام في البلاد لا يسمحان بفارق بهذا الحجم. ما حدث هو أن كثيراً من أنصار ترامب فقدوا حماسهم بعد دخوله المستشفى وبالتالي لا يشاركون في استطلاعات الرأي”.
ويرى ساباتو أن هذا الموقف حدث من قبل – مع هيلاري كلينتون – لكنه يستدرك أن “بايدن الأقرب للفوز وربما يفوز بفارق مريح، لكن ليس بتلك الأرقام التي تظهرها استطلاعات الرأي”.
كورونا والاقتصاد وليس استطلاعات الرأي
مجلة The National Interest ألقت الضوء على جانب آخر من نفس القصة في تقرير بعنوان “استطلاعات الرأي لن تقرر الفائز، القول الفصل لكورونا والاقتصاد”، رصد طبيعة استطلاعات الرأي التي تشبه لقطة سريعة قد تتغير بسرعة وخصوصاً في أوقات الأزمة، وبما أن البلاد تمر بأزمات مركبة، فإن من الوارد جداً أن يغيِّر الناخب رأيه في أي لحظة.
وعلى الرغم من توقعات خبراء الانتخابات – المبنية بالأساس على نتائج استطلاعات الرأي – تعطي الفوز لبايدن بنسبة 85%، يظل على هؤلاء الخبراء أن يأخذوا في الاعتبار ما حدث في الانتخابات السابقة من جهة، وطبيعة الموقف الآن الذي يحكمه استقطاب غير مسبوق من جهة أخرى.
وفي ظل أزمة الجائحة تصبح الأمور سائلة إلى حد كبير وقابلة للتغيير حتى آخر لحظة، يمكن أن يؤدي طرح لقاح لفيروس كورونا عشية التصويت – رغم أن ذلك لا يبدو وارداً من الناحية العلمية إلا أن إعلان ترامب المتكرر عن هذا الاحتمال يجعله وارداً – وهو ما قد يؤدي إلى تغيير نسبة من الناخبين المستقلين لوجهة تصويتهم بصورة قد تقلب الأمور لصالح الرئيس الحالي.
والأمر نفسه ينطبق على الاقتصاد، فالإعلان عن توفر مزيد من الوظائف في الأسابيع الثلاثة القادمة أو تمرير حزمة تحفيز اقتصادي ضخمة بالاتفاق مع الكونغرس قد يحسِّن من موقف ترامب بصورة غير متوقعة، وفي كلا الملفين الحاسمين لا يبدو أن هناك أي شيء بيد بايدن من ناحية القرارات التنفيذية، وهي ميزة في يد ترامب، يظل السؤال هل يستغلها في اللحظة الحاسمة؟
هذه المؤشرات جميعاً تجعل قلق وحذر الديمقراطيين مبرَّراً تماماً رغم الأرقام التي تُظهرها استطلاعات الرأي، ويعتقد كثير من المراقبين المستقلين أن تمسك الديمقراطيين بالحذر وعدم الانسياق وراء تلك الأرقام ربما يمثل أبرز وأهم نقاط قوة حملة بايدن حتى الآن والاختلاف الأبرز عن حملة هيلاري كلينتون، لكن يظل الإجماع قائماً بشأن النهاية الدرامية لتلك الانتخابات في كل الأحوال.