الرئيس بايدن يواجه “فخاً قضائياً” أعده ترامب، فما تأثير ذلك على أجندته؟
رغم أن الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب لا زال يرفض الاعتراف بالهزيمة، فإن المنتخب جو بايدن يواجه بالفعل هيمنة قضاة محافظين على مفاصل المحاكم الفيدرالية والعليا، فهل يستطيع تمرير أجندته أم أن “فخ ترامب” أكثر إحكاماً؟
وكالة Bloomberg الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: “أجندة بايدن تواجه هجمات قانونية من الحزب الجمهوري وقضاة ترامب المتشككين”، رصد التعيينات التي قام بها ترامب على مدى أربع سنوات في المحاكم الفيدرالية والمحكمة العليا.
تعيينات بالجملة
يبدو أن الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن سيواجه على الأرجح موجةً من الطعون القضائية التي تعترض أجندته، ومنصةً قضائية امتلأت منذ وقت قريب بمجموعة من القضاة المحافظين.
إذ إن النواب العامين الجمهوريين للولايات، والمجموعات الصناعية، والنشطاء المحافظين، سيلجأون للقضاء إذا لم يحبوا مبادرات بايدن، مثلما فعلوا في ظل إدارة أوباما، ومثلما فعل الديمقراطيون في ظل إدارة دونالد ترامب. ويمكن أن يضع القضاة الذين يستمعون إلى هذه القضايا بعض العقبات الهائلة أمام أجندة الديمقراطيين.
قال جون كولهان، أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق في ديلاويلر التابعة لجامعة وايدنر: “يمكن أن يكون لديك بالفعل قيود شديدة. قد يكون محبطاً للغاية وصعباً للغاية تمرير أي نوع من الإجراءات التقدمية”.
اضطلع ترامب ومجلس الشيوخ بشغل 220 وظيفة شاغرة في القضاء الفيدرالي -وهو إنجاز مبهر، لاسيما بالنسبة إلى رئيس قضى ولاية رئاسية واحدة- ويمكن أن يظل كل هؤلاء المعينين في مناصبهم مدى الحياة. وأشهر هذه التعيينات أن الإدارة استطاعت تعيين ثلاثة قضاة في المحكمة العليا، لتحصل على أغلبية محافظة بواقع 6 قضاة إلى 3 قضاة. لكن الرئيس ملأ كذلك نحو 30% من منصات القضاة في محاكم النقض الفيدرالية، إضافة إلى أن ربع هؤلاء يشغلون مناصب المحاكم الابتدائية في المقاطعات.
التأثير القضائي
قال إليوت مينكبرغ، الزميل البارز في مجموعة الدفاع People for the American Way، التي درست تأثير تعيينات الرئيس: “العدد الضخم من قضاة ترامب في منصات القضاء يرجح أن يكون له تأثير هائل على التشريعات والإجراءات الأخرى التي ستحاول إدارة بايدن تفعيلها”.
قال مينكبرغ إن ترامب بدَّل ثلاثة من أصل 12 محكمة نقض فيدرالية إقليمية، في نيويورك وفيلادلفيا وأتالانتا، فتحولت من محاكم ذات أغلبية من القضاة المعينين عن طريق الديمقراطيين إلى أغلبية من القضاة المعينين عن طريق الجمهوريين.
وأضاف أن الرئيس زاد من هيمنة المحافظين على الدوائر القضائية التي كانت محافظة بالفعل، لاسيما في الدائرة القضائية الخامسة الكائنة في نيو أورلينز. وتجدر الإشارة إلى أن الدائرة الخامسة هي التي حكمت بعدم دستورية قانون الرعاية الصحية الأمريكي المعروف باسم “أوباما كير”، في قضية تُنظر أمام المحكمة الدستورية الآن، وسوف تستمر هذه المحاكم في جذب المجموعات التي ترغب في الحصول على أفضل فرصة لتلقى آذاناً صاغية من القضاة عندما تقاضي بايدن، وذلك حسبما أوضح مينكبرغ.
“قضاة ترامب”
لا يعني ذلك أن ما يطلق عليهم “قضاة ترامب” -وهو مصطلح رفضه جون جلوفر روبرتس، رئيس المحكمة العليا- سيصدرون أحكاماً ضد مبادرات بايدن لمجرد أنهم لا يحبونه، حسبما قال توم فيتون، رئيس المجموعة المحافظة Judicial Watch.
أوضح فيتون: “إذا اتبع القواعد، سيكون قادراً على تغيير السياسة، حتى إذا اختلفوا معه شخصياً. وهذا ما يجعل المحافظين متوترين للغاية بشأن الرئيس بايدن، لأنه سيكون هناك كثير من التغييرات”.
سيُقابل بايدن بكل تأكيد بمعارضة شديدة من جانب النواب العامين الجمهوريين في الولايات، الذين تقدموا بعشرات الطعون ضد إدارة أوباما عندما كان بايدن نائباً للرئيس، وعديد من هذه القضايا لا يزال القضاء ينظر فيها حتى الآن.
ويأتي من بين هذه القضايا قانون القرار المؤجل للواصلين أطفالاً (داكا)، الذي يمنح وضعاً قانونياً مؤقتاً لمئات الآلاف من المهاجرين غير المسجلين الذي جاءوا إلى الولايات المتحدة قبل عمر 16 عاماً.
ما بعد ويليام بار
مع أن عديداً من الأمريكيين سيشاهدون المحكمة العليا وهي تتناول قضايا الإجهاض وحقوق حمل السلاح، ثمة معارك مهمة تنطلق حول قضايا لم يسبق أن سمع عنها الشعب الأمريكي شيئاً.
إحدى هذه المعارك هي ما يطلق عليه المحامون “مراعاة شيفرون”، الذي يطلب من المحاكم أن تقبل بالتفسير المنطقي الذي تقدمه أي هيئة فيدرالية لأي قانون غير واضح فوضه الكونغرس إليها كي تكون مسؤولة عنه، ما يزيد من سلطة الرئيس. كان أحد نقاد هذا القانون القاضي نيل جورسوتش، الذي عينه ترامب في المحكمة الدستورية في 2017.
لا يستطيع بايدن إقالة القضاة الذين عينهم الرئيس ترامب، لكنه يستطيع التأثير على النظام القضائي عبر فرع الحكومة الذي يتحكم فيه. واجهت وزارة العدل في ولاية الوزير الحالي ويليام بار انتقادات بأنها تدين بالفضل لترامب، وهي انتقادات وصفها بار بأنها تخلو من أي أساس. بعد توليه المنصب رسمياً في يناير/كانون الثاني، يستطيع بايدن استبدال خياراته للمناصب السياسية بالشخصيات التي عينها ترامب.
فضلاً عن أن عديداً من آلاف المدعين العامين المتدرجين في وزارة العدل يتوقون إلى العودة لإنفاذ القانون بأقل قدر من التدخل السياسي، حسبما قال جريج براور، الذي شغل منصب المدعي العام في نيفادا وكان مسؤولاً كبيراً في مكتب التحقيقات الفيدرالية. ويعد براور، الذي يعمل الآن في القطاع الخاص، واحداً من مجموعة من المدعين العامين المعينين عن طريق الرؤساء الجمهوريين السابقين الذين يؤيدون بايدن.
قال بن ويدلانسكي، وهو مدعٍ عام فيدرالي سابق في ميامي يعمل الآن في القطاع الخاص، إنه رغم تأثير ترامب المستمر على القضاء، فإن القضاة الذين عينهم لا يزالون أقلية. وأضاف أن عديداً من القضاة الأكبر قد يختارون تولي مناصب أعلى بمجرد وصول بايدن إلى المنصب. يسمح ذلك لهم بالاستمرار في نظر القضايا، وفي الوقت ذاته يفتحون الطريق أمام أماكن شاغرة في المحكمة يمكن أن يملأها الرئيس المنتخب الجديد.
أما بالنسبة للقضاة المعينين مدى الحياة، فإنها خطوة تقطع الطريق من الناحيتين؛ إذ ترسخ الإرث القضائي للإدارة لكنها في الوقت ذاته تجعل القضاة مستقلين عن الرؤساء الذين عيّنوهم. ومن المؤكد أننا سنشهد بعض الأحكام المفاجئة.