آخر الأخبارعرب المهجرلقاء

السائق سعيد لأوبينيا تايمز.. تفوق الذات ودونية الآخر وصفة عنصرية تمارسها بعض الشركات الفنلندية عند التوظيف

 

حاوره: لؤي عوض الله

ما بين السؤالِ والجوابِ هناك احتمالين، إما رفضٌ وإما رفض حتمي..ولكي تحيا كلمة ” نعم ” وتتنفس في أجوبتهم، يجب أن يكون هناك توافق مابين الطلب والعرض، ليتنافس المتنافسون حسب خبرتهم.

.. فالمسافة الزمنيةُ للسؤال وجوابه نظرة عنصرية قد تستغرق أقل من الثانية..والمسافة الزمنية بين الأمل بالقبول والحلم بالغد واقع لابد أن تتعايش معه..

ولأننا نعيش في الواقع اللا افتراضي، سنتابع معا الإعلانات للبحث عن وظائف شاغرة أملا بالقبول، وستحلق حينها بخيالك بأنه تمت الموافقة عليك في الوظيفة الحلم، ولكن ستقذفك العنصرية لسابعِ أرض بعد أن تمر بمراحل انتظار عصيبة..

ولأن ضيفي مرَّ بكل هذه المراحل العصيبة..كان لابد لنا أن نلتقيه لنعرف كيف تحصل على وظيفته الحالية..

سعيد؛ هو اسم ضيفي وبالتأكيد لا يزال سعيد سعيدا رغم ما مر به..فسعيد الصومالي كما أحب أن نطلق عليه، سائق درس هذا التخصص في إحدى المدارس المهنية في مدينة كاياني.

وتنقل ضيفي في عمله كسائق لسيارة أجرة في شركة “فيكسو تاكسي” وشاحنة وحافلات متنوعة مابين متوسطة وكبيرة، متعاملا مع عدة فئات مختلفة من الركاب ومن بينهم ذوي الهمم.

كان للسؤال أن يبدأ من هنا: لماذا هذه الانتقالات،وهل هناك سبب وجيه لذلك؟

أولاً..للإجابة على سؤالك لابد أن أعرض المشاكل التي يتعرض لها الطالب في المدارس المهنية، إن أراد التقدم للتدريب في شركات المواصلات العامة والخاصة..

نعم؛ في البدء عملت في شركة للحافلات.. فبعد تخرجي عام 2017، كان لابد لي أن أذهب للتدريب في أي شركة، لأتحصل على شهادة في المهنة التي درستها ولأتمكن من بعدها من ممارسة المهنة بشكل جيد، فذهبت لشركة “نوبينا” طالبا التدرب لديهم، لكنهم رفضوا طلبي بحجة أن التدريب غير متاح حاليا لديهم..هم قالوا ذلك رغم أن هناك إعلاناً منشوراً في صفحتهم على مواقع التواصل الاجتماعي يقول بأنهم في أمس الحاجة إلى 21 سائقا كتدريب أولي وبعد شهرين من التدريب سيتم توظيفهم في الشركة..

ورغم الرفض لم أيأس، فتوجهت إلى مقرات لذات الشركة ولكن في مدن مختلفة مابين هيرتونيمي وفانتا واسبو..وذهبت أنا وشخص أعرفه نيجري الجنسية، وقدم كل منا سيرته الذاتية، وللأسف اعتذروا أيضا، ونفس العذر بقي معلقا في كل مرة..فنحن لا نذهب من تلقاء أنفسنا للتقديم بل بعد قراءتنا للإعلان المنشور من قبلهم..

بعدها ذهبنا لشركة أخرى اسمها “بوهيالان ليكنّي” من أجل التدريب على قيادة الحافلات، كان تعاملهم أفضل من الشركة السابقة، لكن لم يتم قبولنا أيضا..

وحاول صديق لي صومالي الجنسية مساعدتي، لكونه يعمل سائقا منذ عشرين عاما في شركة باصات هلسنكي،فطلب أن أتي في اليوم التالي صباحا، لتقديم طلبي، لأن الشركة في ذلك الوقت كانت بحاجة لأربعين سائقا كتدريب أولي من بعد ذلك سيتم توظيفهم ..وذهبت لهم مع صديقي الباحث عن تدريب..وحاول صديقي الصومالي التوسط لي لدى الشركة لقبولي وإعطائي فرصة..وقدمت السيرة الذاتية لهم، وقالوا سنتصل بك خلال أسبوع وبقيت هنا في هلسنكي لأسبوع كامل متقينا من الموافقة بسبب دعم صديقي حيث امتدحني، وعرض عليهم أن يتكفل هو بتدريبي ومع ذلك لم يتصلوا..فاتصلت أنا بهم وجاء ردهم.. نعتذر منك لا يوجد لدينا مكان شاغر لك..وبعد هذه المحاولات المخيبة للآمال وبعد أن نهشني اليأس عدت لمدينتي كاياني، وأخبرت معلمي المشرف على دراستي، عما حدث معنا في هلسنكي وطمأننا بأنه لا توجد هناك أي مشكلة.

  • العدالة تحددها جنسيتك ولون عيونك

أي أنك كنت تبحث عن فرصة للتدريب والعمل سويا في فترة دراستك؟

نعم ..وبعد مدة تواصلت معي ومع زميلٍ لي مهاجر أيضاً، شركة حافلات في مدينتي..ذهبنا إليهم وبعد أسبوع تحصلنا على الموافقة بتدريبنا في كاياني..ولكن للأسف كان الجو العام لا يشجع، فعندما تذهب للتدريب صباحا مع سائقين فنلنديين، كان التعامل معهم صعب، وكأنهم يدربونك مكرهين حيث لا يردون عليك التحية..في داخلنا كنا نتغاضى عن هذه التصرفات لنكمل التدريب..ومع ذلك لم يكملوا تدريبنا..أي من المفترض أن نتدرب شهرين كاملين لكننا تدربنا 11 يوما فقط، منها خمسة أيام كنا لا نفعل فيها شيئا فقط جالسين، ففعليا تدربنا 12 ساعة وزعت على 6 أيام بمعدل ساعتين في اليوم الواحد..وبعدها أوقفت الشركة تدريبنا..

كيف بعد القبول يتم تدريبكم ساعتين فقط يوميا ولستة أيام..وأعرف أن أوراق التدريب تحدد فيها ساعات التدريب بـ5 ساعات يوميا ولشهرين ؟ ما دور المعلم حينها؟

عللوا سبب عدم إكمالهم تدريبنا لعدم معرفتنا الجيدة باللغة الفنلندية وحتى القيادة، وهذا ما استغربه المعلم فنحن طلبته، وهو يعرفنا جيدا فلقد اجتزنا جميع الامتحانات بنجاح في مدرستنا المهنية ولم يتبقى لنا سوى التدريب العملي لنحصل على الشهادة فقط..

والأنكى من ذلك..رغم رفضهم إكمال تدريبنا..إدعت الشركة أنها أكملت فترة تدريبنا الشهرين، وعليه تم صرف مقابل مادي للشركة من مكتب العمل.

ودور المعلم حينها اعتبرنا بأننا أكملنا التدريب بنجاح طالما أن الشركة هي من أوقفت التدريب، وبعدها تحصلنا على شهادة التخرج.

ولم يتوقف الأمر هنا، فللمدرسة المهنية التي أدرس بها، حافلات تتكفل بإيصال الطلاب من منطقة إلى أخرى، كنا نقود هذه الحافلات خلال شهري التدريب، لتعويض فترة التدريب التي لم تكمل في الشركة السابقة ولنزداد خبرة ..

وبعد إنهائك للمرحلة الدراسية، وبهذه الذاكرة المليئة بالفشل للحصول على تدريب مهني؛ كيف ستبحث عن فرصة عمل؟

بعد إنهائي للدراسة انتقلت للعيش في هلسنكي..وكما تعرف في فترة الصيف أغلب الموظفين يذهبون في إجازات صيفية..في وقتها قرأت إعلانا لوظيفة شاغرة في إحدى الشركات التي رفضت تدريبي سابقا، وكانت مدة عقد العمل ستة أشهر فقط.

حينها تقدم العديد من الباحثين عن عمل من جنسيات مختلفة أوروبية وإفريقية.. تم قبول 4 أشخاص فقط من أصحاب البشرة السمراء بما فيهم أنا، وبقية المقبولين للوظيفة كانوا من لاتفيا واستونيا وليتوانيا، وهؤلاء شكلوا النسبة الأعظم بما يعادل 95 % ممن تم توظيفهم..وهذا ما اكتشفته بعد انخراطي في العمل..وللأسف البعض منهم لم يقدموا اختبار القيادة لاعتبار شهاداتهم معترف بها ، أما نحن فلقد أجرينا امتحانا عمليا ..

وفي يومها حدث موقف لازلت أذكره جيدا، كان هناك متقدمٌ للوظيفة، طلب بأن يكون أول الممتحنين ليغادر بسرعة لوضع ابنه الصحي، الذي يحتاج للرعاية لكنهم رفضوا طلبه، وبالرغم من كونه أفضل منا إتقانا للغة الفنلندية ولقيادة الحافلات، إلا أنه لم ينجح في الامتحان بسبب ماحدث.

فالمحزن في الأمر شعورك بالعنصرية تحديدا تجاه المهاجرين من ذوي البشرة السمراء.

وبرأيك هل كانوا جديرين بفرصة توظيفهم؟ أقصد الذين لم يخضعوا لاختبار؟

للأسف لا، فعلى سبيل المثال ارتكب أحد المقبولين دون امتحان خطأ فادحا بعد يومين فقط من تعيينه، إذ صعدت امرأة كبيرة بالسن للباص الذي يقوده..ومن البديهي أن لا تتحرك الحافلة إلا بعد أن تجلس المرأة في كرسيها..ولكن الموظف بمجرد صعودها للباص وقبل جلوسها تحرك وللأسف السيدة سقطت أرضا، وحدث حادث حينها وتعطلت حركة السير أكثر من ساعة..لحين قدوم سيارة الإسعاف..

  • لون بشرتك أولا وقبل كفاءتك ومؤهلاتك

وفيما يخص القوانين وتطبيقها على الموظفين في الشركة؛ هل هناك عدل ومساواة؟

لا يوجد شيء اسمه عدل بين الموظفين من قبل الإدارة في العمل في فنلندا.

من أين تأتت لك هذه القناعة ؟

القناعة تولدت من مواقف مررت بها في حياتي المهنية هنا، سأعطيك بعضا منها..مثلا لدينا جدول لتقسيم أوقات العمل بين الموظفين، ومن المفترض أن يتم توزيع ساعات العمل بيننا بالعدل..ولكن ما يجري أنهم يعطونني أنا وشخص آخر أسوأ أوقات عمل..كأن يبدأ دوامك مع الساعة الرابعة فجرا، وعليه يجب أن أخرج من بيتي عند الثالثة فجرا لأكون هناك في الموعد..

وبعد أن أمضيتُ شهرين في الوظيفة، أصبح دوامنا يبدأ إما الساعة 12 منتصف الليل أو الساعة 4فجرا..وعند شكوانا لموظف أقدم منا في العمل، أكد لنا بضرورة توزيع فترات العمل بالعدل بين الموظفين، ولكن بإتباعهم لهذا الأسلوب، هذا إن دل فيدل على عدم رغبتهم بإستمرارية الموظف في العمل، بحيث لا يحتمل هذه الضغوطات ويقرر ترك العمل من تلقاء نفسه، فأنا اعتبره أقرب لنظام الاستغلال..

ولكي أضيف لك على الشعر بيتا، أحيانا تحتاج لتحسين دخلك بأن تطلب من إدارة الشركة منحك ساعات عمل إضافية على الساعات المتفق عليها لكنهم لا يعطونك نهائيا، ويعرضون ساعات عمل إضافية على موظف آخر دون أن يطلب..

وكيف عرفت أنهم يعرضون ساعات عمل على موظف، ويهملون طلبك؟

زميلي في العمل مغربي الجنسية، كان يأخذ ساعات عمل إضافية وكانت الشركة تحاسب على الساعة الواحدة في ذلك الوقت بـ 17 يورو..وصديقنا المغربي كان يشعر بظلمنا ويعرض علينا أخذ الساعات الإضافية الممنوحة له، وليتم ذلك بشكل سلس كان يعتذر من الشركة قبل بدء دوامه بساعة ونصف ويخبرهم بأن لديه ظرف طارئ، ويقترح عليهم أسمائنا ليكون أحدنا بديلا عنه..بهذه الطريقة فقط كنا نتحصل على ساعات إضافية لأن الشركة لن تنصفنا ولن تلتفت لنا.

  • شركات في فنلندا تسقط في اختبار الإنسانية

هل نستشف من كلامك بأنك تركت العمل بانتهاء الـستة أشهر أم أن هناك سببا آخر؟

أولا.. لم أشعر بالراحة في العمل..فلقد مورست علينا ضغوطات، وتحملنا كثيرا على أمل أن يتم تقديرنا، لكننا شعرنا بالتفرقة في المعاملة بين الموظفين..كما أنهم يعرفون بأننا مسلمين ونصلي الفجر في مكان العمل كون فترة عملنا تبدأ مع الرابعة فجرا ..حيث كانت هناك صالة مخصصة للموظفين، ومن المفترض أن لا تُقفل لنتمكن نحن الموظفون المسلمون من الصلاة فيها، لكنهم يغلقونها من الساعة 3.30 فجرا حتى 8 صباحا.. وغير ذلك كنا نطلب بأن يعطونا ساعات أكثر في أيام غير يوم الجمعة، لكنهم يملأون يوم الجمعة بساعات عمل أكثر..

ونفس المشاكل تكررت بالنسبة للتاكسي حيث تقدمت للعمل في “فيكسو تاكسي” وتم قبول طلبي، وللأسف 70 % من الموظفين في الشركة وتحديدا الأوروبيين مسار عملهم كان في نطاق العاصمة هلسنكي أي قريبة لسكنهم ، فتم إعطائهم خط المدارس الموجودة في نطاقها، أما أنا وشخص آخر رغم أننا نعيش في هلسنكي قاموا بإعطائنا مهمة نقل طلاب المدارس في مدينة “سيبو” التي تبعد 40 كيلومتر عن العاصمة، إذ يجب أن تكون هناك عند السادسة والنصف صباحا، وعليه يجب أن تغادر بيتك مع الرابعة ونصف صباحا لتصل في الموعد، وتنظف السيارة من الثلج في الشتاء، كنا نشتكي لهم من بعد المسافة، ولكن لا فائدة،ولحاجتي للمال اضطررت لقبول التعب وعدم الشكوى من تصرفاتهم لأنها دون جدوى.. كنت أنتهي من “سيبو” صباحا فأذهب مباشرة “لإسبو” لنقل طلاب لديهم أمراض نفسية عند الساعة 12 أو 1 ظهرا ..فلم يكن لدي وقت كاف لتناول الغداء، لأنه بعد أن تنتهي من نقلهم يجب أن تعود لمدينة “سيبو”..فالوقت كان مضغوطا جدا بالعمل..وطبعا الطلاب تتراوح أعمارهم ما بين 13 و  17عاما، فلقد كانوا مشاغبين ويشتمونني أحيانا وكنت أسمع وأسكت ولا أناقشهم، كان العمل متعبا نفسيا لي، لا أعرف كيف تحملت سنة وثلاث أشهر قبل أن يتم نقلي إلى خط سير هلسنكي من قبل الشركة، التي رأت أنني شخص مواظب ويحترم عمله.

ومع ذلك تبقى العنصرية متفشية في الشركة وأكثر من اللازم..فشركة “فيكسو تاكسي” تعاقدت مع الغسيل الأتوماتيكي لسياراتها، وطبعا كنت أعمل في منطقة ريفية “كسيبو” أي أن السيارة تتسخ بالتراب والوحل، فكانوا يطلبون مني أن أغسل السيارة بنفسي في المرآب، أي بعد أن تنتهي من عملك تذهب لتغسل السيارة بنفسك، وعندما نسألهم لماذا هناك من الموظفين من يغسل سيارته أتوماتيكا ونحن نغسلها يدويا يردون علينا بحجة غير مقنعة الميزانية لا تكفي.

وبحكم عملي في منطقة ريفية، كان من المفترض أن تكون السيارة الممنوحة لي قوية وتتحمل مشقة الطريق، لكنهم يصرفون لمن يعمل في هلسنكي سيارات حديثة، أما نحن فسيارتنا أقدم عمرا ب 9 أو 10 أعوام..

أي أنني عملت كسائق شاحنة ومن تم حافلة متوسطة وبعدها الحافلة الكبيرة والآن تاكسي، حاولت كثيرا بمجالي التقدم لشركات أخرى فتقدمت للعمل 3 مرات لدى “كيربوتوري” لحاجتهم لعمال ولكن رفضت الشركة طلباتي، والرد المعتاد لسنا بحاجة لعمال حاليا وعندما تذهب إلى مكتب العمل، تجد أنهم بحاجة ماسة لعمال في عدة مناطق طبقا للإعلان المنشور من قبلهم ..

وخلال فترة عملك كسائق لحافلة أو تاكسي، هل تعرضت لموقف من راكب أزعجك ..؟

نعم ..تعرضت لمواقف سيئة، أذكر منها أنني ذات مرة، كنت في طريقي من “كيسكوس” “لسور ناين”  مترو تي 1 صعد رجل كبير وكان مهندما، ومن الطبيعي أن يمرر بطاقته على الجهاز لأتمكن من معرفة أن لديه ثمن الرحلة أو حتى اشتراك ..وركب ولم يمرر بطاقته ..طلبت منه أن يمررها لكنه استشاط غضبا وأصبح يشتمني بأعلى صوته..ورفض تمرير بطاقته أمام مرأى الجميع ولم يتدخل أحد ولأنني محكوم بجدول زمني كان لا بد لي التحرك..فأنا لا أستطيع أن أضيع وقتا في مناقشته..تركته يصعد وعند نزوله في محطته بدأ بنعتي بألفاظ نابية..وبعدها أتاني شخص من الركاب كان حاضرا للموقف، وقال لي أخذت صورة للراكب المعتدي عليك إن أردت أن تشتكي عليه ..فنظرت له وقلت لا أريد ..وعاتبته لماذا بقيت صامتا في حينها .

وفي نهاية دوامي طالبت الشركة بمراجعة الكاميرا، وأخبرتهم بأن هناك رجل اعتدى عليا لفظيا ولم يدفع ثمن رحلته، قالوا لي حسنا..وعندما راجعتهم بعد 3 أيام، جاءني الرد الذي صدمني منهم بأن هذا شخص مستهتر ولماذا نضيع وقتنا معه..كما أننا لا نريد الدخول في مهاترات معه خوفا على سمعة الشركة..فمن الطبيعي أن تدافع الشركة عن موظفها وتنصفه لكن للأسف هذا لم يحدث معي، ومن تلك الساعة اقتنعت بأن أسكت حتى لو شُتمت لأنه لن ينصفك أحد..فالشرطي الذي من المفترض أن يحميك ويطبق القانون لم يحميك حينها وكان حاضرا للموقف ..

وتكرر الأمر معي في محطة أخرى، مع امرأة كبيرة في السن، فعند صعودها للحافلة كان لديها تذكرة ولكنها منتهية الصلاحية قبل نصف ساعة، أبلغتها بأن تذكرتها منتهية، وهنا بدأت بالصراخ وتوجيه الشتائم لي..قلت لها بأن تجدد اشتراكها..وطلبت رؤية التذكرة مجددا لكنها رفضت للأسف ودافع عنها راكبان كانوا يجلسون خلفي، ولم يقتصر الأمر على الدفاع عنها بل قاموا بتكذيبي وقالوا بأن اشتراكها ساري وطلبوا مني تركها، وتركتها وبعد ربع ساعة تحديدا صعد للحافلة مفتشون على التذاكر وعند مراجعتهم تذاكر الركاب تبين لهم أن اشتراكها منتهي، ودافعت عن نفسها مدعية أنها عند صعودها كان بحوزتها نقودا 50 يورو وادعت بأنني قلت ليس لدي تصريف …فاستغربت من كذبها وقلت بأن السائق ليس مجبرا بأن يقوم “بفك” الورقة النقدية وإرجاع الباقي للراكب..والذين شهدوا معها غيروا موقفهم..وبالتأكيد لصالحها..وتم تغريمها من قبل المفتشين لعدم إمتلاكها تذكرة صالحة.

وبعد تجاربي المريرة في العمل مع عدة شركات وقناعتي بعدم جدوى العمل معهم، قررت التوجه للعمل الخاص كسائق أجرة على سيارتي الخاصة، ومن هنا بدأ فصل جديد من الأحداث أذكر منها موقفا لن أنساه، إذ ذات مرة أخذت راكبا من هلسنكي إلى مدينة لاهتي، وكان قيمة رحلته تقريبا 212 يورو، وقبل وصولنا للعنوان المستهدف بـ2 كيلومتر، قمت بتأمين الأبواب داخليا وطالبته بالدفع ..قال لي بحدية أوصلني لمكاني وتظاهر بأنه يخرج المال ، وعند الوصول للموقع، طلب فتح الباب له وطبعا في القانون ممنوع غلق الباب لأنه يعتبر احتجاز ..وكررت طلبي عليه بأن يدفع، لكنه طلب بأن افتح الباب في الأول، حينها شعرت بأن هناك شيء ما سيحدث، فأمسكت بهاتفي وقمت بتصويره وتجهزت للاتصال بالشرطة، وحين فتحت الباب هرب الرجل واتصلت بالشرطة على الفور، وأخبرتهم بما حدث ووصفت لهم المكان فطلبوا مني تعقبه وأن لا أحتك به..كان الوقت حينها 12:30 منتصف الليل..تتبعته وعند دخوله لمكان مظلم، توقفت عن ملاحقته لكون المكان مظلما ووجود خطر إمكانية الاعتداء عليّ بالضرب من قبل أشخاص يعرفونه بحكم أنها منطقته، وللأسف أتت الشرطة متأخرة للمكان بربع ساعة، مما أتاح للراكب الهارب فرصة الاختفاء عن الأنظار.

وبرغم أنني سلمت للشرطة صورة للهارب وهاتفه الذي سقط منه عند الهروب، لكنهم حتى الآن لم يعثروا عليه..ولمتابعة القضية طلبت الشرطة في لاهتي أن أقدم بلاغا في مركز شرطة هلسنكي وفي حال استجد شي ما سوف يتواصلون مع شرطة مدينتي..وللأسف في كل مرة أراجع فيها شرطة هلسنكي يقولون لي لا جديد من لاهتي حتى الآن.. لك أن تتخيل منذ شهر 8 السنة الماضية حتى يومنا هذا لم تستطع الشرطة إيجاده، والقبض عليه رغم وجود كاميرات في شوارع تلك المدينة لكنهم لم يراجعوها حتى الآن..

بعد هذا الكم من الأحداث المؤسفة التي حدثت معك، هل فكرت بترك المهنة أو العمل بمجال آخر؟

صدقا فكرت بشكل جدي مغادرة البلاد، بعد الصعوبات التي واجهتها في فنلندا من ناحية العمل والعنصرية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى