إصلاح الأمم المتحدة..معلق على شرط موافقة دول” الفيتو”! (1)
سليم يونس
فيما يؤكد رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ74 على ضرورة إجراء إصلاحات في هيكلية مجلس الأمن الدولي، بحث رئيس الدبلوماسية الايطالية لويجي دي مايو مع عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني، وانغ يي، موضوع إصلاح نظام مجلس الأمن، سعيا لـ“مجلس أمن أكثر ديمقراطية ومسؤولية وشفافية وفاعلية”،(1) وللتذكير فقط ،فإن النصر الذي حققه الحلفاء في ذلك الحين، كان على حساب اليابان وإيطاليا.
وموضوع إصلاح الأمم المتحدة أي مجلس الأمن تبنته العديد من الدول بُعيد إنشاء الأمم المتحدة عام 1945 ، أولا: جراء عدم المساواة بين الدول وثانيا: التعسف في استخدام امتياز حق الاعتراض ( الفيتو) من قبل الدول دائمة العضوية، وبشكل جافى في الكثير من المرات معايير العدل والقانون، لخدمة مصالحها وحماية هذه الدول لحلفائها، والمثال الصارخ على ذلك، هو أن الولايات المتحدة استخدمت هذا الامتياز44 لصالح الكيان الصهيوني وضد الشعب الفلسطيني في الفترة ما بين 6 يوليو 1973 وحتى 6 أبريل 2018.( 2)
هذه الميزة ( الجائزة) التي كافأت بها الدول الثلاث المنتصرة في الحرب العالمية الثانية في حينها وهي أمريكا والاتحاد السوفيتي السابق والمملكة المتحدة نفسها، هي أساس مأزق الأمم المتحدة الذي رافق نشأة المنظمة الأممية، وكان محل اعتراض غالبية الدول المؤسسة، كون هذا الامتياز وظفته تلك الدول في غالب الأحيان ليس لحفظ الأمن والسلم الدوليين ومقاصد الأمم المتحدة، وإنما لخدمة مصالحها ومصالح حلفائها.
والمفارقة الصارخة هي أن تلك الدول حصنت نفسها، بأن جعلت أي تغيير في مجلس الأمن رهنا بموافقة تلك الدول مجتمعة، بأن نصت المادة 108 من الميثاق بأن أي تعديل للميثاق يشترط أن يوافق عليه ثلثا أعضاء الجمعية العامة ويصدق عليه ثلثا الأعضاء، من بينهم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن، وبما أن تغيير تكوين مجلس الأمن لا يتأتّى إلا بتعديل الميثاق، فإن المادة 108 تنطبق على مسألة إصلاح مجلس الأمن.(3)
ولا يمكن تجاهل أن ما كان ممكنا في نشوة النصر على النازية والفاشية عام 1945، لم يعد عادلا بعد عدة عقود في ظل متغيرات دولية عاصفة، فبدلا من 51 دولة شاركت في إقامة الأمم المتحدة آنذاك، أصبح عدد أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة الآن 192 دولة، من حقها أن يراعي الميثاق مصالحها ومبادئ العدالة، وهذا المتغير الذي حصل في عدد دول العالم.
وكان لافتا أن جملة ممارسات بعض الدول دائمة العضوية هي من كشفت موضوعية المأزق البنيوي الذي تعيشه الأمم المتحدة، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الثنائية القطبية ، الذي جعل الولايات المتحدة القطب الوحيد المهيمن على السياسة الدولية، الذي سخر المنظمة الأممية ومجلس الأمن بشكل فج في خدمة مصالحه، وممارسة دور الدركي العالمي الذي يوظف المنظمة الأممية في السياسة الدولية لفرض سياساته.
ويمكن القول أن موضوع إصلاح الأمم المتحدة شكل على الدوام هاجسا دائما لمعظم دول العالم ولدول العالم الثالث بشكل خاص ، عندما أعلنت قمة دول عدم الانحياز عام 1961 “أن البلدان المشتركة ترى أن من المحتم على الجمعية العامة للأمم المتحدة إعادة النظر في الميثاق، أن تحل مسألة زيادة عدد أعضاء مجلس الأمن والمجلس الاقتصادي الاجتماعي، لكي يكون تأليف هذين الجهازين الفائقي الأهمية وأعمالهما متوافقة مع حاجات المنظمة ومع العدد المتزايد لأعضاء الأمم المتحدة”(4)، وهو الهاجس الذي ما فتئ يزداد قوة مع الزمن، لكن دون تغيير جوهري يمس استمرار تحكم الدول الخمس في مجلس الأمن عبر امتياز حق الاعتراض( الفيتو).
ومن جهتها فإن هناك بعض الدول الغنية أو الطامحة لاستعادة دورها، أو تلك التي ترى أن لها الحق في أن تكون ضمن الكبار عبر امتياز حق الاعتراض في مجلس الأمن، الأمر الذي زاد التنافس بين تلك الدول والتجمعات الإقليمية حول الحصول على مقعد دائم مع حق الاعتراض في مجلس الأمن، لذلك تقدمت باقتراحات تهدف منها بعضها استعادة مواقع تفوقها الذي كانت قد خسرتها جزئيا، أو تلك الدول تريد موقع يتناسب وثقلها الاقتصادي والسياسي والعسكري.
وعبر عن هذا الطموح وزير خارجية ألمانيا(1998-2005) يوشكا فيشر أمام الجمعية العامة في دورتها الـ 59 عام2004 الذي أكد أن ” اكتمال الإصلاح لا يتأتى إلا من خلال تمثيل المجلس الدول التي يبلغ تعدادها 191 عضوا، تمثيلا أكثر شمولا فيما يخص الأعضاء الدائمين وغير الدائمين.(5)
لكن حصر موضوع الإصلاح في امتياز حق الاعتراض( الفيتو) ، يرفضه جانب من فقهاء القانون الدولي العام الذين يرفضون فكرة إبقاء امتياز حق الاعتراض؛ كونه لا يستند إلى أي مبرر قانوني، ناهيك عن أنه يضعف من فاعلية الأمم المتحدة، الأمر الذي يتعين معه تعديل ميثاقها لتخلص منه”0(6)
بل إن حركة المطالبة بإصلاح المنظمة العالمية لم تكن غائبة عن المفكرين والباحثين في الشؤون الدولية، حيث قامت مجموعة تسمى “المحامون الدوليون للسلام والعدالة” بحملة نشطة من أجل إصلاح المنظمة العالمية وذلك لكي يحل العدل والمساواة بين الدول الأعضاء محل الظلم والتفرقة. وكانت الخطوة الأولى التي اتخذتها المجموعة من أجل هذا الهدف السامي هي القيام ببيان وإبراز مختلف العيوب التي تشوب الأساس القانوني لهذه المنظمة الدولية، وذلك في شكل تقرير تم عرضه على الأمم المتحدة والأمل معقود على أن تعقب هذه المبادرة خطوات أخرى لإصلاح المنظمة العالمية.(7)
لكن رغم أن امتياز حق الاعتراض يتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة الذي يؤكد على المساواة بين الدول ، وأيضا مع قواعد العدالة، ناهيك عن النقد المرير لهذا الامتياز من أغلبية دول العالم ، إلا أن جميع هذه الدول لا تعمل من أجل إلغاء هذا الامتياز انتصارا للعدل والمساواة بين الدول ولكنها تناضل من أجل أن تكون جزءا من معادلة عدم المساواة عبر هذا الامتياز الظالم.
الهوامش
- وكالات ، شبكة المعلومات الدولي( الإنترنت)
- شبكة المعلومات الدولية( الإنترنت)
- ميثاق الأمم المتحدة، شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)
- أدمون جوف، علاقات دولية، ترجمة منصور القاضي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى 1993،ص 88
- موقع وزارة الخارجية الألمانية على شبكة المعلومات الدولية(الإنترنت)
- د. محمود صالح العادلي،الشرعية الدولية في ظل النظام العالمي الجديد، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية ، ص34
- مركز السلام للثقافة الدبلوماسية ، إصلاح الأمم المتحدة … لماذا … ومتى … وكيف ؟