السعودية تؤذي نفسها والآخرين.. قصة طوفان الصفقات التي هوت بأسعار النفط
لن يسقط هذا الحدث من ذاكرة الاقتصاديين أبداً، عندما أصبح سعر النفط، السلعة الأثمن تجارياً عبر التاريخ، أدنى من الصفر بنحو 40 دولاراً، ولكن من المسؤول عن الهبوط بأسعار النفط إلى ما تحت الصفر، وهو مستوى يمكن أن يوصف بالكوميدي أكثر من التاريخي.
نعلم جميعاً أن انخفاض أسعار النفط هو نتاج حرب النفط السعودية الروسية، التي يتضرر منها الجميع، ولكن الأكثر تضرراً هي صناعة النفط الصخري الأمريكية.
لكن مهما كانت ضراوة حرب أسعار النفط بين السعودية وروسيا، من المسؤول عما حدث، ومن المسؤول عن الهبوط بأسعار النفط إلى ما تحت الصفر.
كان نفط خام غرب تكساس الأمريكي، قد وصل لسالب 37.63 دولار (سعر الإغلاق)، أمس الإثنين 20 أبريل/نيسان، أي أن من اشترى ألف برميل (الحد الأدنى لعقود النفط) حصل على أكثر من 43 ألف دولار من صاحب النفط، ثم عاد اليوم الثلاثاء للارتفاع إلى 20.54 دولار للبرميل (لعقود يونيو/حزيران).
ووصل سعر خام غرب تكساس إلى هذا المستوى لأسباب متعددة، بعضها مباشر والبعض الآخر غير مباشر، ولكن السبب المباشر هو أن التعاملات على خام غرب تكساس تكون في صورة عقود آجلة، وأمس الإثنين كان اليوم الأخير لعقود مايو/أيار، والخام المعروض تم إنتاجه بالفعل، ووصل إلى نقطة التسليم، وعدم بيعه يعني اضطرار المنتج لتخزينه وتحمُّل تكاليف التخزين، وهي مرتفعة وتصل أحياناً لـ40 دولاراً للبرميل كتكلفة تخزين.
ولكن قبل الوصول إلى هذا المستوى كان ثمة تاجر ثري يغرق الأسواق النفطية الأمريكية، بشكل لفت انتباه وسائل إعلام أمريكية، ولكنها لم تتوقع أن يؤدي هذا الإغراق إلى وصول أسعار النفط إلى ما تحت الصفر.
من المسؤول عن الهبوط بأسعار النفط إلى ما تحت الصفر
اتّفق تحالف في مجال الطاقة بين المملكة العربية السعودية وأوبك وروسيا، التي يشار إليها أحياناً باسم أوبك+، في وقت سابق من هذا الشهر، على سحب 9.7 مليون برميل يومياً من النفط الخام من السوق، اعتباراً من 1 مايو/أيار 2020.
يعد هذا أكبر خفض إنتاج فردي في تاريخ المجموعة، لكن حتى قبل انهيار الأسعار أمس، كان المحللون لا يتوقعون أن يخفف هذا الاتفاق بشكل شامل مخاوف المعروض الزائد.
فرغم توصل (أوبك+) للاتفاق التاريخي، كان قطباه الأساسيان السعودية وروسيا وراعيه هو ترامب نفسه، فقد كان واضحاً أن المملكة وبعض دول الخليج لديها نية لتحقيق بعض المكاسب، قبل سريان الاتفاق مع بداية شهر مايو/أيار.
فقبل الانهيار التاريخي بأسبوع، قال وزير النفط السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان للصحفيين في مؤتمر عبر الهاتف، في إشارة إلى اتفاق أوبك+ “الترتيب يبدأ من مايو”، “تم بيع شهر أبريل (نيسان) بالكامل”.
وكان ذلك مؤشراً على أن حرب الأسعار لا تزال مستمرة رغم الاتفاق.
وكان هناك مؤشر آخر يُظهر أن المنتجين الخليجيين لا يزالون يتطلعون إلى الحصول على حصة في السوق، إذ منحت السعودية خصومات وأعلنت عنها في وقت أبكر، وهو ما عمَّق معظم هذه الخصومات.
والأربعاء الماضي، خفضت شركة بترول أبوظبي الوطنية التسعير للبقاء في صراع من أجل مبيعات النفط في آسيا، أكبر سوق لنفط الشرق الأوسط.
وقال وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي، في حسابه على تويتر، بعد مناقشات نهاية الأسبوع الماضي، إن الدولة “ملتزمة بخفض الإنتاج من مستوى إنتاجها الحالي البالغ 4.1 مليون برميل” في اليوم. هذا أعلى بما لا يقل عن مليون برميل يومياً مما تم ضخه في مارس/آذار، وفقاً لتقديرات بلومبيرغ.
كان ذلك مؤشراً على أن الإمارات زادت من إنتاجها، في أبريل/نيسان، قبل سريان الاتفاق.
طوفان النفط السعودي
هناك حدث تم بالأسواق الأمريكية قد يكون القشة التي قصمت ظهر البعير، في سلسلة الأحداث التي أدت إلى الانهيار التاريخي الذي شهدته أسعار النفط.
قد يكشف هذا لماذا كان تسجيل هذا السعر السلبي قاصراً على نفط غرب تكساس الأمريكي.
إذ أفادت تقارير بأن شحنات النفط السعودي إلى الولايات المتحدة تضاعفت أربع مرات تقريباً، منذ فبراير/شباط الماضي، وهو ما سبب مشكلة كبيرة للمنتجين الأمريكيين مع امتلاء أماكن التخزين، وانخفاض الأسعار، والضغط لخفض تصاعد الإنتاج المحلي.
وفي 17 أبريل/نيسان، نقلت مجلة Forbes عن صحيفة “وول ستريت جورنال” قولها إن أسطولاً من ناقلات النفط المحملة بالنفط من السعودية في طريقها إلى الولايات المتحدة.
وقالت إن تلك الناقلات، التي غادرت قبل اتفاقية أوبك+، تحتوي على سبعة أضعاف كمية النفط التي أرسلتها المملكة العربية السعودية في شهر عادي من العام الماضي.
ووفقاً للبيانات التي أوردتها CNBC، فقد تضاعفت شحنات النفط السعودي إلى الولايات المتحدة أربع مرات تقريباً منذ اندلاع الفيروس وبداية حرب الأسعار.
ورغم موافقة المملكة العربية السعودية ومورّدين خليجيين آخرين على خفض إنتاج النفط مرة أخرى، اعتباراً من الشهر المقبل، فإن المؤشرات أظهرت أن صنابير النفط ظلّت مفتوحة على مصاريعها.