الغرفة المُعلقة والمغلقة  

كتبت : هناء الزريعي

في إطلالة لها على الحديقة، نرى غرفة صغيرة بها شرفة مغلقة بلوح زجاجي، هي فقط ترانا لكننا لا نستطيع رؤية من خلفها ..وهذا لا يهم فالمهم أن جيلان ذات العقد الثلاثين واللامرئية لنا سجينة في تلك الغرفة دون سجان .

من شرفتها العالية ،كانت تفرد أجنحتها لتحلق نحو العالم الواسع وترسم ببخار أنفاسها ما يهرب من عقلها خلسة وخشية من الضياع في آن واحد ..،تجلس جيلان تراقب العابرين أمام الحديقة تشاركهم لحظات فرحهم و حزنهم .. تنتظر مواعيد العشاق للقاء فترى اللهفة عند بعضهم والفراق والدموع عند البعض الآخر ..

وفي إحدى المرات شاهدت جيلان شجرة صغيرة يبدو أنها زُرعت حديثا، كانت تلك الشجرة الصغيرة والتي لم تتجاوز طولها مترا. ومع صغر عمرها إلا أنه أمام ألوان أزهارها كان ينهار خوفها أو هكذا تهيأ لي كوني أحببتها أنا الراويّة للقصة.

ألم أقل لكم أنها جميلة فجيلان أحبتها أيضا،وكم استشاطت غضبا من أيدي المارين التي كانت تنال براءة زهورها في لحظات فرحهم وألمهم ..كانت تستيقظ باكرا خشية من أن يقطف زهرها أي عابر حب وكان استياقظها دون جدوى… فظهرت في يوم اعتيادي قطة صغيرة تكفلت بحراستها تدور حولها ربما محاولة أن تكف أيدي الغرباء عن العبث بها.

وذات صباح أيقظ بشمسه جيلان نهضت جيلان من سريرها الذي يتوسط الغرفة كساعة زمن واتجهت نحو شرفتها لتشاهد أحد العابرين ينال من شجرتها الصغيرة محاولا اقتلاعها من جذورها…صرخت جيلان وضربت بكلتا يديها على زجاج الشرفة محاولة أن تمنعه من قتل أملها الوحيد بأن تزهر في الحياة الكئيبة.. لكنه لم يسمعها،صرخت جيلان وركضت نحو الباب لكنه مغلق حاولت وحاولت فتحه لم تستطع، كانت تتقدم خطوة ثم تتراجع خطوة أخرى وعلق بمخيلتها صورة اقتلاع شجرتها الصغيرة على الألم…

وفي محاولة مكررة ليأس بأن يفتح الباب معها، تقدمت جيلان وبدأت تضرب الباب حتى انهار أمام إصرارها على الخروج لانقاذ ما رأته دافعا لها للحياة..

ركضت جيلان نحو عالما تعرفه عن بعد ولا يعرفها ، واتجهت نحو ماجعلها تخرج علها تجد تلك الشتلة في مكانها، ولكن أقدام العابرين نالت على ماتبقى منها.

جلست جيلان وبدأت تبكي اقتربت منها القطة الصغيرة مواسية لحزنها. ثم نظرت من مكانها لتشاهد شرفتها ذات الزجاج العاكس والصامت .. لكنها ابتسمت لأنها أدركت أنه رغم موت الشجرة الصغيرة إلا أن وجودها كان منفذًا صغيرًا بثُّ لحياتها الضوء والسعادة وها هي الآن أصبحت حرة ..  ‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى