الفساد المالي يطارد ساركوزي في محاكمة «أموال القذافي»
بدأت في باريس اليوم إجراءات محاكمة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، بتهمة تلقي تمويل من الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي لحملته الانتخابية.
ويُحاكم في تلك القضية 11 متهما، إلى جانب ساركوزي، من بينهم ثلاثة وزراء سابقين، هم: وزيرا الداخلية السابقان كلود غيان وبريس اورتيفو، ووزير العمل الأسبق وأمين صندوق حملة ساركوزي الانتخابية إيريك وورت.
كما تضم لائحة المتهمين تييري غوبير وهو صديق مقرّب من ساركوزي، ورجلين يمتلكان خبرة في المفاوضات الدولية الموازية، هما رجل الأعمال الفرنسي الجزائري ألكسندر جوهري والفرنسي اللبناني زياد تقي الدين الذي فرّ إلى لبنان.
مجرد حكاية
ودخل ساركوزي، الذي تولى رئاسة فرنسا بين عامي 2007 و 2012، قاعة المحكمة اليوم الإثنين، مرتديا بدلة زرقاء داكنة، فيما كانت قاعة المحكمة تغص بالحاضرين.
وبدأت المحاكمة، المقرر أن تجرى على مدى 4 أشهر، بسؤال رئيسة المحكمة نتالي غافارينو ساركوزي عن مهنته، فأجاب “محامٍ”، وعن الوضع العائلي، قال: “أنا متزوج”.
وردا على سؤال بشأن الجنسية الفرنسية، رد ساركوزي “زوجتي؟”، لتجيبه القاضية “كلا، أنت”، ليجبيها “آسف، نعم”، مرفقا ذلك بابتسامة صغيرة.
ويؤكد المقرّبون من ساركوزي (69 عاما) أنّه مصمّم على إثبات براءته في مواجهة ما يصفه بـ “الحكاية”.
وتعود القضية إلى أواخر العام 2005 حين كان ساركوزي وزيرا للداخلية، وعقد حسب الاتهام، بمساعدة قريبين منه هما مدير مكتبه آنذاك كلود غيان وبريس أورتوفو “اتفاقا ينطوي على فساد” مع الرئيس الليبي الراحل القذافي، الذي أطاحته ثورة دعمها حلف “الناتو” في عام 2011، من أجل أن “يدعم” الأخير ماليا حملة ساركوزي للوصول إلى قصر الإليزيه.
السجن 10 سنوات
وساركوزي متهم في هذه القضية بالفساد وحيازة أموال عامة مختلسة وتمويل غير مشروع لحملته والانتماء إلى عصابة إجرامية، ويواجه عقوبة السجن 10 سنوات وغرامة مقدارها 375 ألف يورو، فضلا عن الحرمان من الحقوق المدنية، وبالتالي عدم الأهلية للترشح للانتخابات، لمدّة تصل إلى 5 سنوات.
وبعد المناداة على المتهمين والأطراف المدنيين والشهود، أعطت رئاسة المحكمة الاذن بالكلام للدفاع بشأن القضايا الإجرائية والتي يتوقع أن تتناولها المحكمة خلال الأسبوع الأول من انعقادها.
وكان المدعي العام المالي جان فرانسوا بونير، قال اليوم الإثنين، على قناة “بي اف ام تي في /ار ام سي”: “أنا مقتنع أنّه مذنب، بناء على جلسات الاستماع والشهود وتتبع تدفّق الأموال وعناصر المساعدة المتبادلة المقدّمة لنا من قبل 21 دولة”.
وأضاف: “عملنا ليس سياسيا، ولدينا بوصلة واحدة هي القانون”.
وتعقد الجلسات أيام الإثنين والأربعاء والخميس حتى العاشر من أبريل/نيسان المقبل، وسيكون ساركوزي بحسب أوساطه حاضرا في كل الجلسات خلال الشهر الأول من المحاكمة الذي يخصص لشبهات التمويل، على أن يتم تناول المسائل الفرعية للقضية في الأسابيع التالية.
وقال محاميه كريستوف إنغران إن ساركوزي “سيتصدى للتلفيقات التي اختلقها الاتهام”، مؤكدا أنه “ليس هناك أي تمويل ليبي للحملة”.
انتقام ليبيي
وينفي ساركوزي كلّ الاتهامات، ويؤكد أنّها ليست سوى “انتقام” من قبل الليبيين لدعمه الثورة ضد القذافي، الذي قُتل في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2011.
أما حيثيات الاتهام تشير إلى أن “الاتفاق مع القذافي تم في خريف 2005 في طرابلس وتحديدا في خيمة الزعيم الليبي الراحل، الذي كان يعرف بتوزيعه الأموال بسخاء على زواره الأجانب”.
وكان ساركوزي في ذلك الحين وزيرا شديد الطموح وطاغي الحضور في الإعلام، إذ وضع نصب عينيه قصر الإليزيه، وكان الهدف الرسمي لزيارته إلى ليبيا مناقشة موضوع الهجرة غير القانونية.
ولم يتمكن الاتهام من تحديد مبلغ دقيق للتمويل المشتبه به، لكن بعد عشر سنوات من التحقيق ظهرت “مجموعة قرائن” أقنعت قضاة التحقيق بوجود هذا الدعم المالي.
واستند القضاة بصورة خاصة إلى تصريحات سبعة مسؤولين ليبيين سابقين وزيارات قام بها غيان وأورتوفو إلى ليبيا بعيدا عن الإعلام، وتحويلات مشبوهة ومدونات وزير النفط الليبي السابق شكري غانم الذي عثر على جثته في نهر الدانوب في أوروبا في عام 2012.
وفي مقابل هذا التمويل، يعتقد المحققون أن القذافي حصل على تلميع صورته في العالم، إذ استقبله ساركوزي بحفاوة بعد انتخابه رئيسا، في زيارة مثيرة للجدل لباريس كانت الأولى منذ ثلاثة عقود.
كما انعكس الاتفاق في توقيع عقود ضخمة وتقديم مساعدة قضائية لعبد الله السنوسي مدير الاستخبارات الليبية السابق المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة غيابيا في فرنسا لدوره في الاعتداء على طائرة “دي سي-10” التابعة لشركة “يوتا” الفرنسية عام 1989 والذي أودى بحياة 170 شخصا بينهم 54 فرنسيا.
أحكام سابقة
وسبق أن قضت محكمة ابتدائية ومحكمة استئناف على ساركوزي بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ لستة أشهر، بتهمة تجاوز سقف الإنفاق في حملة الانتخابات الرئاسية التي خسرها في 2012، في قضية تعرف باسم “بيغماليون”، في إشارة إلى اسم الشركة التي نظمت اجتماعات حملته الانتخابية، لكنه طعن في الحكم أمام محكمة التمييز.
وفي قضية “عمليات التنصت” التي تتناول “اتفاقا ينطوي على فساد” مع قاض فرنسي كبير، رُفض طعن ساركوزي في منتصف ديسمبر/كانون الأول، ما يثبت الحكم الصادر بحقه بالسجن سنة مع النفاذ ومراقبته بسوار إلكتروني، في عقوبة هي الأولى من نوعها لرئيس سابق.
ولم يوضع السوار الإلكتروني له بعد إذ قد يستغرق ذلك عدة أسابيع، ما أتاح له قضاء عطلة مع زوجته المغنية كارلا بروني وابنتهما.