“الكلمات مقابل الكمامات”.. كيف استفز دبلوماسيون صينيون الأمريكيين باستغلالهم لأزمة كورونا بشكل صادم؟

دبلوماسية الكمامات الصينية تعطي نتيجة عكسية في بعض الدول، فقد تسببت بزيادة العداء لبكين بدلاً من الإشادة بها.

فعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، كانت الصين ترسل المسعفين والأقنعة الطبية وأجهزة التنفس الصناعي والشحنات الأخرى من معدات الوقاية الثمينة إلى البلاد في خضم التفشي العالمي لفيروس كورونا.

بالرغم من أن حزم الرعاية الطبية سوف تساعد بالتأكيد من يحصل عليها، الإ أنه في كثير من الأحوال جاءت طريقة تقديم هذه المساعدات لتستفز الدول الغربية وبشكل فج أحياناً، حسبما ورد في تقرير لموقع Business Insider الأمريكي.

دبلوماسية الكمامات الصينية تنقذ هذه الدول المنكوبة

تأتي هذه الشحنات في إطار جهود أوسع: إذ يطلق عليها “دبلوماسية الكمامات” كي تحظى بالاستحسان من جميع أنحاء العالم، وتساعد في تأسيس دور القيادة العالمي الذي طالما تطلعت لأن تحصل عليه.

أرسلت الصين فرقاً من الخبراء الطبيين إلى ما لا يقل عن 10 بلاد حتى الآن، إضافة إلى تصدير أجهزة التنفس الصناعي والمعدات الوقائية إلى عديد من البلاد والولايات الأخرى التي تكافح الفيروس.

فقد أرسلت مسعفين إلى إيطاليا وإيران وصربيا والفلبين، وذلك حسبما قالت وزارة الخارجية الصينية، بالإضافة إلى 1140 جهاز تنفس صناعي إلى ولاية نيويورك في بداية أبريل/نيسان.

وهذا هو الهدف منها حسبما تقول بكين

قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان خلال حديثه مع الصحفيين في الأسبوع الماضي: “الصين تبذل مثل هذه الجهود كي ترد بالمثل على حسن النية التي تلقتها في وقت سابق خلال الجائحة، وتتحرك وفقاً لروح العمل الإنساني الدولي، وتطبق رؤية لمجتمع ذي مستقبل مشترك من أجل الإنسانية”.

وأضاف: “لن نقف بمعزل عما يحدث ولن نتجنب أصدقاءنا عندما يكونون في مشكلة، ولن ننتقي ونختار أو نلصق أي قيود عندما نمد يد العون”.

ولكن ما فعلته مع الأمريكيين في هذه الحالة كان مستفزاً جداً

غير أن ما تفعله الحكومة الصينية خلف الأبواب المغلقة هو حكاية مختلفة.

وخير مثال على ذلك يحدث على مستوى حكومة الولاية في ويسكونسن الأمريكية.

بحسب موقع Wisconsin Examiner، أرسل دبلوماسي في قنصلية الصين القريبة في شيكاغو بريداً إلكترونياً إلى رئيس مجلس شيوخ ولاية ويسكونسن في فبراير/شباط ومارس/آذار، طالبوه بامتداح “شفافية” الصين، و”إجراءاتهما الصارمة غير المسبوقة” في مواجهة الوباء.

حتى أن الدبلوماسي الصيني أرسل مشروع قرار على ما يبدو كي تستخدمه ولاية ويسكونسن، وهو ما نشرته صحيفة The New York Times.

دبلوماسية الكمامات تأتي بنتيجة عكسية/رويترز

لم تنجح هذه المحاولة: إذ هاجم روجرر روث، رئيس مجلس شيوخ ويسكونسن، في القرار الذي نشره مجلس شيوخ الولاية ما وصفه بـ”الدعاية والأكاذيب” في المسودة الصينية.

ولم يرد الدبلوماسي الصيني، الذي يدعى وو تينغ، على طلبات للتعليق أرسلتها صحيفة The New York Times وموقع Wisconsin Examiner.

في حديثها مع موقع Business Insider، قالت صوفي ريتشاردسون مديرة هيومن رايتس ووتش في الصين”: “على مدى العقد الماضي… شاهدت الدبلوماسيين والمسؤولين الحكوميين الصينيين يصبحون أكثر تطوراً في كيفية ومحاولة إيصال رسالتهم إلى العالم”.

ولكن أبدت استغرابها من هذا الموقف قائلة: “لا أستطيع التفكير في ظرف آخر حاولوا فيه تسليم مجلس تشريعي في بلد ديمقراطي مشروع قانون، ويتوقعون أنه سوف يحظى بالاستجابة التي يفكرون فيها”.

طالبوا الألمان صراحة بالمديح مقابل الكمامات

قالت صحيفة Welt am Sonntag الألمانية كذلك هذا الشهر إن ممثلي الحكومة الصينية تواصلوا مع مسؤولين ألمان وطلبوا منهم إبداء الثناء على الصين علانية، مشيرةً إلى وجود وثيقة موثوقة تابعة لوزارة الخارجية الألمانية حول هذا الموقف.

إذ طالبتهم بكين بامتداح شحنة المستلزمات الطبية التي أرسلتها إلى أوروبا، و”تصوير جمهورية الصين الشعبية على أنها شريك موثوق ومدير أزمة حصيف”.

رفضت بكين ما ورد في تقرير الصحيفة الألمانية، وقالت في بيان مرسل إلى وكالة AFP الفرنسية: “هدفنا تحسين عملية حماية حياة أبناء شعبنا وصحتهم.. وليس الحصول على ثناء الآخرين”. ولم ترد وزارة الخارجية الألمانية على صحيفة Welt am Sonntag الألمانية ولا على وكالة AFP.

وهدفها الحقيقي إبعاد النظر عن دور الصين في نشأة الأزمة

يقول المراقبون إن الصين تبدأ في تطبيق “دبلوماسية الكمامات” لأنها تفضل أن تُرى وهي تكافح الفيروس حول العالم، على أن تعاني من النقد بسبب دورها في نشره بوصفها البلد الذي بدأ منه الفيروس.

وقالت صوفي من هيومن رايتس ووتش: “المسؤولون الصينيون وآلتهم الدعائية في حالة تأهب قصوى على مستوى العالم، في محاولة لرسم صورة الحكومة الصينية على أنها الحل من أجل المشكلة، بدلاً من كونها أحد مصادرها”.

الرئيس الصيني مع رئيس وزراء إيطاليا/رويترز

وأوضحت: “ليست حكومة قادرة أو عازمة على تحمل المسؤولية داخل البلاد. وإنني متأكدة أن فكرة المسؤولية الدولية ليست موضوعاً شائعاً في بكين”، مشيرةً إلى أن الصين رفضت منذ سنوات قبول مسؤولية انتهاك حقوق الإنسان ضد الإيغور في شينجيانغ.

وأضافت: “أعتقد أن هذا جزء من الأسباب التي تجعل هذه اللحظة مختلفة… في ظل الظروف القاتمة الحالية، كثير من الأشخاص حول العالم يستطيعون الآن أن يشاهدوا، على سبيل المثال، لماذا يمكن لافتقار حرية التعبير في الصين أن يتسبب في عواقب على ملايين الأشخاص حول العالم”.

هل نجحت الحملة الدعائية للصين؟

يبدو أن “دبلوماسية الكمامات” التي تنتهجها الصين حققت نجاحاً في بعض البلاد. وتتضمن الأمثلة:

  • صربيا، حيث قبّل الرئيس العلم الصيني عندما وصلت المستلزمات الطبية، وحيث تبنت الحكومة سياسات صحية تبنتها الصين، لكنها لم تُستخدم تقريباً في أي مكان آخر في أوروبا. وقد انتشرت في العاصمة الصربية بلغراد لوحات إعلانات تُظهر صورة الرئيس الصيني تشي جينبينغ، مع كلمات “شكراً لك الأخ تشي” باللغة الصربية والصينية.
  • المجر، حيث شكر المسؤولون الصين أكثر من مرة لإمدادهم بالكمامات، وقللوا من شأن المساعدات القادمة من الاتحاد الأوروبي، وذلك بحسب وكالة The Associated Press.
  • كمبوديا، حيث يمنع المسؤولون دخول الأجانب بلادهم، لكنهم يسمحون للقوات الصينية بالدخول وأداء التدريبات العسكرية.

تعد الدول الثلاث حلفاء للصين منذ أمد طويل، وأعضاء في مبادرتها الكبرى المعروفة بالحزام والطريق.

ولكن في هذه الدول جاءت بنتيجة عكسية

لكن البلاد الغربية الأخرى لم تنضم إلى الجوقة.

لا يزال الخبراء والمهنيون الطبيون قلقين من بيانات الصين المتعلقة بفيروس كورونا، ولم ينس أحد خطواتها الخاطئة في المراحل الأولى من تفشي الفيروس. تتضمن هذه الخطوات قمع التحذيرات المبكرة، وإخفاء المعلومات عن مواطنيها وباقي العالم.

فما زال الناس يتذكرون لي وين ليانغ، طبيب العيون الصيني الذي انتقدته السلطات في ووهان بشدة لإطلاق تحذير مبكر حول التفشي، والذي مات في فبراير/شباط بسبب مرض كوفيد-19.

كان يمكن لدورها أن يقدر لولا إصرارها على هذه الدعاية الفجة

قالت صوفي: “كان من الممكن أن يسير هذا بطريقة مختلفة إذا قررت السلطات في بكين، على سبيل المثال، أنها سوف تركز حصرياً على تقديم أكبر قدر ممكن من مستلزمات الوقاية حول العالم. أعتقد أنها إذا اختارت أن تفعل ذلك فحسب، ربما كان سيختلف رد الفعل قليلاً، لكن هذا الإصرار الشرس أيضاً على الرواية الصينية المعدّلة لما حدث، يميل بالآراء إلى الناحية الأخرى”.

وأوضحت: “أعتقد أن حشر روايتها الخاصة أسفر عنه عكس ما أرادت بكين”.

وأضافت صوفي: “ثمة ذلك الاهتمام المتزايد بدور الصين، وتلك الأسئلة الكثيرة المتعلقة بما إذا كانت الحكومة الصينية قد فعلت الشيء الصائب في الوقت الصحيح”.

واختتمت بقولها: “على وجه التحديد، إنه نوع الاهتمام الذي لا يرجونه”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى