آخر الأخبارتحليلات و آراء

الكيان الصهيوني.. مقولة التفكك.. كتظهير لأزمته البنيوية

سليم يونس

قد يعتبر البعض أن الحديث عن حرب أهلية أو تفكك الكيان الصهيوني جراء ما يعيشه هذه الأيام من اشتباك داخلي هو أمر مفاجئ، لكن المتابع عن قرب لمشهد كيان المستجلبين إلى فلسطين، يرى أن ما يجري إنما هو بمثابة تظهير لأزمة مستحكمة  في هذا الكيان في سياق صيرورة  أزمته البنيوية التي رافقت عملية زرعه القسرية في فلسطين عام 1948.

وفد سبق أن قاربها مؤرخون وعلماء آثار يهود صهاينة عبر تفكيك الأسس التي قام على أساسها الكيان ـ الذين وصلوا لقناعات علمية أن كيانا مستجلبا من مائة دولة  قام على التدليس والكذب  هو كيان يعاني مأزقا وجوديا، تجعل منه كيانا مؤقتا، ليس بسبب الخرافات التوراتية التي بنت على أساسها الحركة الصهيونية هذا المشروع ، وإنما بسبب وجود أصحاب الأرض الذين  يشكل فعلهم تعميق مأزق الكيان الوجودي، حتى بات عدم اليقين باستمرار وجود الكيان هاجسا يرافق الذهن الصهيوني لنخبه السياسية والعسكرية.

وقد عكس هذا الكم من عدم اليقين حديث المسؤولين الصهاينة في مؤسسات الكيان المختلفة بغياب الثقة ضمن المدى المنظور في استمرار وجود الكيان على أرض فلسطين، التي سبقت حالة الاشتباك الراهنة ولكنها الممتدة، وقد جاءت كنوع من التظهير لجملة من الأزمات التي يعيشها. وتتفاقم على وقع احتدام التناقض مع الفلسطينيين أصحاب الأرض الذي يؤكد وجودهم والتنامي في مصادر قوتهم وإن كان ببطء، إلا أن هذا التنامي بمعناه الفكري يعيه كل المستجلبين إلى فلسطين، لأنه يمثل تآكلا في مساحة ثقتهم بوجودهم في فلسطين، وهو مؤشر على أن الكيان يسير نحو نهايته المحتومة.

لكن عامل التفكك الداخلي الذي بات أمرا واقعيا فهو حسب “بن كسبيت” الذي كتب في صحيفة معاريف  بتاريخ 2023-03-14 أن ” التفكك سريع  وجذري”  وأن الشرخ الاجتماعي المتعمق طال “الجيش وأذرع الأمن الأخرى فيما كتب اسحق بريك عن خراب البيت الثالث.

وكان الكثير من المسؤولين الصهاينة قد لامسوا ما يجري حاليا من خلال استشراف مسبق جراء معرفة عميقة بطبيعة الكيان ، وذلك عندما حذر أحد غلاة الصهاينة من خطر حقيقي داخلي يهدد استمرار وجود “إسرائيل” كدولة يهودية في المنطقة، في ظل تفكك “النسيج المشترك” الإسرائيلي الداخلي وتآكله، فهذا يعني أن الكيان يعيش أزمة وجود لأنه كيان طارئ على المنطقة.

فقد كتب بوسي ميلمان، المعلق الإسرائيلي الخبير بالشؤون الأمنية والاستخباراتية، في مقال بصحيفة “هآرتس وهو “أن “إسرائيل” والصهاينة بالنسبة للعرب، مثل “نبتة غريبة، نهايتهم الاختفاء مثل الصليبيين”.

ولذلك عزا ميلمان “الخوف الإسرائيلي إلى هشاشة الوجود في الدولة الصغيرة، المحاطة بعالم إسلامي”، منوها أن المقارنة بين الصليبين والاحتلال الإسرائيلي “لافتة وقوية”.

وأضاف “الصليبيون كانوا غزاة من أوروبا، مفعمون بالأيديولوجيا، احتلوا البلاد بقوة السلاح، وأقاموا ممالك مسلحة، ومثلوا ثقافة غربية في قلب الشرق الإسلامي، وحاولوا، لكنهم وجدوا صعوبة في الاندماج في محيطهم، وأنهكوا مرة تلو الأخرى في معارك، وأضعفوا في أعقاب انقسامات وصراعات داخلية فيما بينهم، لدرجة أن خارت قواهم وانتهى حكمهم”.

وتابع “حتى لو كانت هناك أوجه شبه، كل مقارنة تاريخية هي مبسطة تقريبا، بين المشروع الصهيوني والممالك الصليبية، أولا:  يجب علينا أن نذكر بأنه في زمن الحملات الصليبية، منذ نهاية القرن الحادي عشر وحتى منتصف القرن الثالث عشر، لم تكن هناك رؤية قومية التي على أساسها ومنها نمت الحركة الصهيونية”.

فيما يستخدم اليميني أفيدور ليبرمان مصطلح انهيار المنظومات الحكومية بما يعكسه من أزمة بنيوية نتيجتها كما قال الانهيار”والتشكيك في قدرات مؤسسات الكيان في مختلف المستويات وأبرزها الأمنية والعسكرية والسياسية، ولهذا استخدم مصطلح الانهيار ،على أثر معركة سيف القدس أيار/مايو 2021 التي كشفت جدية مقولة “نفي النفي” التي أبرزها تجلي (الهوية والانتماء الفلسطيني) خلال تلك المعركة التي تظل حية وحاضرة لتنفجر  في وجه الاحتلال عندما تحين لحظات الحقيقية ، تلك التجربة جعلت صحيفة هآرتس تنعى ما يسمى بالوعد الرباني عندما كتبت” طالما أن تل أبيب ذاقت صواريخ المقاومة، فمن الأفضل أن نتخلَّى عن حلمنا الزائف بإسرائيل الكبرى، ويجب أن تكون للفلسطيني دولة جارة تُسَالمنا ونُسالمها، وهذا فقط يطيل عمر بقائنا على هذه الأرض بضع سنين.وأعتقد أنه ولو بعد ألف عام هذا إن استطعنا أن نستمر لعشر أعوام قادمة كدولة يهودية، فلا بد أن يأتي يوم ندفع فيه كل الفاتورة” .

هذا الشك من قبل نخب صهيونية في قدرة مشروع الحركة الصهيونية على البقاء يكاد أن يكون قاسما نفسيا عاما لدي كل المستجلبين، أسست له الأزمة البنيوية التي يعيشها الكيان بتجلياتها المختلفة. وظهرتها بشكل غير مسبوق حالة الاشتباك الراهن، بين مكونات هذا التجمع الكولنيالي في فلسطين على طريق دفن هذا المشروع، عبر عوامل داخلية بنيوية صهيونية وأيضا بفعل قوة العامل الفلسطيني .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى