المفاوضات بين لبنان وإسرائيل.. تطبيع أم استعادة للحقوق وهل تقبل بيروت بالحل الأمريكي الذي رفضته سابقاً؟

ما هي تفاصيل الخلافات على الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، التي تدفع البلدين للانخراط في المفاوضات رغم أنهما في حالة حرب من الناحية الرسمية، ولماذا فشلت الوساطة الأمريكية في حل الخلافات كل هذه السنوات.

وما الجديد الذي دفع لبنان لتغيير موقفه والموافقة على الدخول في هذه المفاوضات، وهل تكون بداية في اتجاه التطبيع بين لبنان وإسرائيل؟

واتفق لبنان وإسرائيل، اللذان لا يزالان رسمياً في حالة حرب بعد عقود من الصراع، على التفاوض بشأن خلاف طويل الأمد يتعلق بحدود بحرية تمر بمنطقة يحتمل أن تكون غنية بالغاز في مياه البحر المتوسط.

هل هي مفاوضات مباشرة؟

الخلاف بين لبنان واسرائيل قديم منذ نشأة إسرائيل على ​الأراضي الفلسطينية​ عام 1948، ويتضمن نزاعاً على ترسيم الحدود في شرق البحر المتوسط، اكتسب أهمية خاصة بعد اكتشاف الغاز والنفط بالمنطقة.

كانت واشنطن قد قادت على مدى سنوات وساطة بين الجانبين، تكثفت مع توقيع لبنان عام 2018 أول عقد للتنقيب عن الغاز والنفط في رقعتين في مياهه الإقليمية، إحداها تقع في الجزء المتنازع عليه مع إسرائيل.

وأصرّ لبنان على أنها مفاوضات غير مباشرة، بينما تصفها إسرائيل بأنها مباشرة.

ومن المفترض أن يجلس وفدا الطرفين في القاعة ذاتها بمنطقة الناقورة، على ألا يتبادلا الحديث مباشرة، بل عبر ممثل للأمم المتحدة، وفق مسؤولين لبنانيين، نقلت عنهم وكالة الأنباء الفرنسية.

هل يتم ترسيم الحدود البرية؟

لطالما أصرّ لبنان سابقاً على ربط ترسيم الحدود البحرية بتلك البرية، لكن المفاوضات ستتركز فقط على الحدود البحرية، على أن يُناقش ترسيم الحدود البرية، وفق الأمم المتحدة، في إطار الاجتماع الثلاثي الدوري.

في هذا الإطار، يعتبر أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت هلال خشان، أن موضوع ترسيم الحدود البحرية أسهل من ترسيم الحدود البرية.

إذ يقول: “إذا جرى الاتفاق على الحدود البرية سيثير ذلك تساؤلاً حول الحاجة إلى سلاح حزب الله، كونه لا يزال يؤكد ضرورته لاستعادة الجزء المحتل من مزارع شبعا وتلال كفر شوبا”، مضيفاً: “حزب الله لن يقبل التخلي عن السلاح”.

ولكن رئيس منظمة “JUSTICIA” المحامي الدكتور ​بول مرقص​ يرى “ضرورة انطلاق لبنان في تثبيت ترسيم الحدود البحرية من خط الشاطئ، أي من الحدود البرية ومعالمها، وهي الأساس في تثبيت ترسيم الخط البحري، فلا يمكن تثبيت الحدود البحرية دون الانطلاق من النقاط المحددة براً”.

تفاصيل الخلافات على الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل

يدور النزاع الحدودي البحري بين لبنان وإسرائيل على مجمع نفطي في البحر الأبيض المتوسط، يقول لبنان إنه يقع ضمن مياهه الإقليمية والاقتصادية، وتزعم إسرائيل أن لها الحق في جزء من مساحة الرقعة.

مجمل مساحة المياه الإقليمية اللبنانية يقدر بحوالي 22 ألف كيلومتر مربع، في حين تبلغ المساحة المتنازع عليها مع إسرائيل 854 كيلومتراً مربعاً.

قسمت المساحة المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل إلى عشر مناطق أو مجمعات، ويمثل المجمع 9 إحدى تلك المناطق وأبرزها، مع العلم أن المجمع أو”البلوك” رقم 9 في منطقة على شكل مثلث، تصل مساحتها إلى 860 كيلومتراً مربعاً، وتقع على امتداد ثلاثة من المجمعات البحرية العشرة في لبنان.

ويعود تاريخ المجمع أو الرقعة رقم 9 إلى عام 2009 حين اكتشفت شركة “نوبل للطاقة” الأمريكية كمية من احتياطي النفط والغاز في الحوض الشرقي من البحر الأبيض المتوسط.

حدود حوض الشام/wikipedia

وتُشكّل البلوكات 8 و9 و10 نقطة خلاف مع إسرائيل، وتزعم هذه الأخيرة أن البلوك 8 جنوباً تبلغ مساحته 1400 متر مربع، وبعمق يتراوح بين 1672 و2062 متراً تحت سطح البحر جنوباً، وتزعم أنه يقع أيضاً داخل حدودها.

وكانت إسرائيل قد وقعت في 17 ديسمبر/كانون الأول 2011، اتفاقية مع قبرص لتعيين الحدود بينهما، وقامت تل أبيب بموجبها بقضم مساحة مائية تقدر بـ860 كيلومتراً مربعاً من المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية، وتحتوي هذه المنطقة على كميات كبيرة من النفط والغاز.

الحل الأمريكي المقترح

وفي ظل الخلاف بين بيروت وتل أبيب تقدم الموفد الأمريكي السابق فريدريك هوف عام 2012 بمقترح إلى لبنان، يقوم على إعطاء 360 كيلومتراً مربعاً من المياه اللبنانية لإسرائيل، من أصل 860 كيلومتراً مربعاً هي مجموع مساحة ما يُسمّى الحقل النفطي رقم 9، وبالتالي يحصل لبنان على ثلثي المنطقة الاقتصادية مقابل ثلث لإسرائيل.

غير أن لبنان رفض هذا المقترح على أساس أن المنطقة بكاملها ضمن المياه الإقليمية اللبنانية.

وقيل إن هذه المبادرة التي تسمى (مبادرة هوف) ووافقت عليها إسرائيل، تتضمن في شكلها النهائي حصول لبنان على ما نسبته 65% من المنطقة المتنازع عليها

لبنان يستكشف ثرواته

وبعد أن تأجلت خططه بسبب الشلل السياسي شرع لبنان في التنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحله، ووقع في 9 فبراير/شباط 2018، عقداً مع ائتلاف شركات دولية هي “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية و”نوفاتيك” الروسية للتنقيب عن النفط والغاز في المجمعين 4 و9 بمياهه الإقليمية.

وأكد وزير الطاقة اللبناني سيزار أبي خليل أن النزاع مع إسرائيل لن يمنع لبنان من الاستفادة من الاحتياطيات المحتملة تحت البحر في المنطقة 9 محل النزاع.

غير أن الخطوة اللبنانية أثارت غضب إسرائيل، حيث أدانها وزير دفاعها أفيغدور ليبرمان، الذي وصف الأمر بأنه خطوة “استفزازية للغاية”، كما حث الشركات الدولية على عدم المشاركة، في حين أكد وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز أن جزءاً من المجمع رقم 9 يوجد في المياه التي تقول إسرائيل إنها تابعة لها.

في المقابل فإن تل أبيب تحاول إقامة علاقة مع أوروبا للاستفادة من قربها الجغرافي منها لتصدير إنتاجها من النفط والغاز، وفي عام 2017 اتفقت إيطاليا واليونان وقبرص وإسرائيل على بناء خط لنقل الغاز تحت الماء من الحقول المنتجة في شرق المتوسط إلى أوروبا.

ما الذي دفع لبنان إلى القبول بالتفاوض مع إسرائيل بعد كل هذا الوقت؟

تُقدّر حصة لبنان من الغاز الطبيعي الذي يحتضنه هذا الجزء من البحر المتوسط بحوالي 96 تريليون قدم مكعب، وهذه ثروة يمكن أن تساعد لبنان على خفض حجم دينه العام الذي بلغ حتى نهاية 2017 نحو 77 مليار دولار، وهو أحد أعلى معدلات الدين العام في العالم.

هناك أهمية قصوى بالنسبة إلى لبنان للبدء في هذه المفاوضات، لأن ثمة إمكانيّة كبيرة لوجود “مكمن مشترك” بين لبنان وإسرائيل، ومن المعروف دولياً أنّه في حالة “المكامن الحدودية المشتركة” يلجأ أصحاب الحقوق النفطيّة إلى عقد اتفاقية التجزئة (unitization agreement)، حيث يتّفق الأطراف على تقاسم المكمن وفق معايير معيّنة.

بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة، التي يعاني منها لبنان، والعقوبات الأمريكية على حزب الله، والتي بدأت تمتد إلى حلفائه كحركة أمل، فإن هناك مخاوف لبنانية من استغلال إسرائيل للوضع لمحاولة التعدي على المناطق المتنازع عليها.

وصادقت الحكومة الإسرائيليّة مؤخراً على انطلاق عملية منح تراخيص للبحث عن الغاز الطبيعيّ والنفط في البلوك، الذي تصنّفه 72 (ألون دي سابقاً)، والّذي يقع في المياه الإقليمية الشمالية لإسرائيل، بمحاذاة “البلوك 9” اللبناني، بعد أن كانت قد امتنعت عن ذلك لسنوات، بسبب الخشية من تفاقم النزاع مع لبنان.

وتقول بعض المصادر إنه بمجرّد حفر إسرائيل في الآبار المحاذية للبنان عامودياً في حقل “كاريش” البحري، فإن الجانب الإسرائيلي قادر على التأثير على ثروة لبنان من الغاز في البلوك اللبناني رقم 9، وتحديداً في أحد مكامنه الممسوحة.

وحتى التكوينات الجيولوجيّة الحاوية للغاز الطبيعي تحت سطح البحر متواصلة ومتداخلة في هذه المنطقة. وبالتالي يكفي حفر أي بئر بشكل عامودي للتأثير على المنطقة المحاذية.

نقطة قوة لبنان

المحامي ​بول مرقص​ يقول: “لبنان خلافاً لإسرائيل وقّع في عام 1982 اتفاقية البحار، وانضم إليها في أواسط التسعينات وقتما أصبحت نافذة، بينما إسرائيل لم تنضم إليها، لذا على المفاوض اللبناني التسلح بالمبادئ التي وردت في هذه الاتفاقية، وبالقواعد التي ترعى ترسيم الحدود البحرية”.

ويضيف “على المفاوض اللبناني التمسّك بالنقاط الجغرافية التاريخية الموجودة على خط الشاطئ اللبناني منذ أكثر من نصف قرن، وهي معالم جغرافية وتعطي لبنان حقوقاً في ​المياه​ البحرية، وصولاً إلى المنطقة الاقتصادية الخالصة التي بسبب الاتفاق الإسرائيلي القبرصي هُضمت فيها مناطق عائدة للبنان، ويُرجح استرجاعها بمقتضى المفاوضات، رغم المصاعب التفاوضية المتمثلة تحديداً في نقطتي b1 وb2 في رأس الناقورة بجنوب لبنان، حيث تسعى إسرائيل إلى قضم نقاط في البلوكات الأخيرة التي تعود للبنان، عبر التلاعب بهاتين النقطتين والتذرّع بالاتفاق القبرصي الذي جرى من دون إبلاغ لبنان خلافاً للأصول المتفق عليها”.

هل الترسيم بداية التطبيع بين لبنان وإسرائيل؟

في 16 فبراير/شباط 2018، قامت الولايات المتحدة بالوساطة مجدداً بين لبنان وإسرائيل في ملفي الحدود البحرية والبرية، عبر ديفيد ساترفيلد، مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى.

ويرجح أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت هلال خشان التوصل إلى حلّ، ويقول: “ليس أمام لبنان خيار أفضل ليتمكن من العمل في البلوك رقم 9”.

ولا يرى خشان في التفاوض خطوة نحو اتفاقات مقبلة أوسع، باعتبار أنه “ما دام ليس هناك حل بين أمريكا وإيران فلن يتغير شيء”.

قناة “المنار” التابعة لحزب الله قالت إن الحزب وحركة أمل ذكرا في البيان أن تركيبة الوفد اللبناني تضر بلبنان ومصالحه العليا، وأنه “يمثل تسليماً بالمنطق الإسرائيلي الذي يريد أي شكل من أشكال التطبيع”، كما دعا إلى ضرورة إعادة تشكيل الوفد اللبناني.

وقال مصدر بوزارة الطاقة بإسرائيل، نقلت عنه وكالة الأنباء الفرنسية، إن الأمر “مهم لإسرائيل، لكنه أيضاً حاسم بالنسبة للجانب اللبناني”، مشيراً إلى أن الامر قد يحتاج بضعة أشهر فقط إذا لم يكن هناك عوائق.

أضاف المصدر: “هدفنا أن نحل النزاع حول ترسيم الخط البحري”، مشدداً: “لا أوهام لدينا، ليس هدفنا أن نخلق نوعاً من التطبيع أو عملية سلام”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى