الهدنة أم انهيار الحكومة؟.. نتنياهو أمام اختبار صعب
يواجه اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ضغوطا كبيرة، وسط ترقب لموقف حكومة بنيامين نتنياهو التي تواجه خطر الانهيار.
الغالبية العظمى من الإسرائيليين احتفلوا بالاتفاق حتى من عارضوه حيث رأوا فيها وسيلة لإصلاح الضرر الذي لحق بوضع إسرائيل كملاذ آمن لليهود منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وبالنسبة للعديد من الإسرائيليين فإن فشل الحكومة في منع هجمات حماس استمر طوال 15 شهرا من الحرب مع عجز الحكومة عن إنقاذ الرهائن الذين عادوا بفضل الاتفاق الذي يأتي بثمن باهظ ومن غير الواضح إلى أي مدى قد يصمد.
ويواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو معضلة ضخمة فهو بحاجة إلى شركائه من اليمين المتطرف في الائتلاف الحاكم للبقاء في السلطة لكن هؤلاء يعارضون وقف إطلاق النار على النقيض من غالبية الإسرائيليين وذلك وفقا لتقرير نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية وطالعته “العين الإخبارية”.
وإذا أجريت انتخابات جديدة اليوم، فمن المحتمل أن يخسر نتنياهو الذي يتعين عليه أيضا التعامل مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يفرض ضغوطًا هائلة لإنجاز الأمور على طريقته ويقول إنه لن يتسامح مع استمرار الحرب في عهده ومن المتوقع أن يلتقي نتنياهو بترامب في البيت الأبيض أوائل الشهر المقبل.
ويعتمد ما سيحدث بعد ذلك في المقام الأول على ترامب الذي تحمل إدارته خططا كبيرة فعلى مدار عدة أشهر، كان مساعدوه ومستشاروه يتحدثون عن الترتيبات الإقليمية التي يريد تأسيسها والتي تتطلب استمرار وقف إطلاق النار في غزة ولبنان لأطول فترة ممكنة.
وطوال أشهر من المفاوضات، اشتبه العديد من أعضاء فريق التفاوض الإسرائيلي في أن نتنياهو كان يخرب المحادثات عمدا لأنه كان يخشى استقالة شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف وبالتالي انهيار الحكومة ليواجه خطر المحاكمة لذا فقد بدا أن رئيس الوزراء يعطي الأولوية لبقائه السياسي والشخصي على إعادة الرهائن وهو ما أدى إلى تعميق إحباط الإسرائيليين.
ورغم الاتفاق، لا يزال من الصعب إصلاح أزمة الثقة في إسرائيل في ظل ظل الانقسام المجتمعي الحاد في حين تعمل شخصية نتنياهو المثيرة للانقسام على تعقيد عملية إعادة البناء كما أن عجز الحكومة عن الوفاء بوعدها بتحقيق “النصر الكامل” على حماس ورفض نتنياهو السماح بإجراء تحقيق مستقل في إخفاقات 7 أكتوبر/تشرين الأول تشكل عقبات كبيرة أمام أي مصالحة وطنية.
علاوة على ذلك، قدمت الحكومة تنازلات كبيرة ضمن الاتفاق فقد انسحب الجيش الإسرائيلي من الممر الأمني الذي أنشأه في وسط غزة لفصل الشمال عن الجنوب، والتزم بالانسحاب من ممر فيلادلفيا، إلى جانب إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين وهو ما أثار انتقادات شديدة من الأحزاب اليمينية المتطرفة وأيضًا من أنصار نتنياهو.
لا شك أن العامل الرئيسي في قبول إسرائيل للاتفاق هو ترامب فمنذ الانتخابات الأمريكية، دارت مناقشات محمومة بين مساعدي الرئيس الجديد ونتنياهو الذي لاحظ الأولويات المختلفة للملياردير الجمهوري الذي يتبنى هو ومستشاروه ميول انعزالية ورؤية متشككة في التدخلات العسكرية مع تعهده الدائم بإنهاء الحروب.
ومع اقتراب تنصيبه، ألح ترامب على وقف الحرب وإعادة الرهائن وهدد “بفتح أبواب الجحيم” إذا لم يحدث ذلك وفي إسرائيل، فسر كثيرون الأمر على أنه تهديد لحماس أو حتى للوسطاء لكن نتنياهو ربما فهمه أيضا كرسالة موجهة إليه.
وبحلول أواخر ديسمبر/كانون الأول، توصل ترامب والرئيس السابق جو بايدن إلى تفاهم غير عادي بشأن غزة حيث عملت الإدارتان معا لتحقيق وقف إطلاق النار بحلول يوم التنصيب فاستؤنفت المفاوضات المكثفة في قطر واكتسبت زخما بمشاركو ستيف ويتكوف مبعوث ترامب الذي أصر على لقاء نتنياهو ليتم توقيع الاتفاق بعد 8 أيام من ذلك.
ورغم التنازلات الكبيرة، لم يناقش نتنياهو الاتفاق علانية مع الإسرائيليين وبدلاً من ذلك، يواصل إرسال رسائل متضاربة تعكس تمزقه بين ضغوط ترامب وتهديدات اليمين المتطرف بتفكيك حكومته إذا لم يتم استئناف الحرب.
ووصف الصحفي الإسرائيلي أمير تيبون الوضع بصراحة قائلا “نتنياهو يخدع ترامب ويستعد لتخريب الاتفاق”.
وتوقع تيبون أن يحدث ذلك بطريقتين إما تأخير مفاوضات المرحلة الثانية حتى ينفد الوقت أو تصعيد عنيف ضد الفلسطينيين بالضفة الغربية وهو ما بدأ يحدث.
ويزعم ديفيد ماكوفسكي، المحلل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن نتنياهو “سيحاول إقناع ترامب بمنحه بضعة أسابيع أو أشهر أخرى لإكمال العملية العسكرية ضد حماس ثم يعتمد على تشتيت انتباه الرئيس الجديد بأمور أخرى”.
ومن غير المرجح أن يقف البيت الأبيض بقيادة ترامب مكتوف الأيدي بينما يحاول اليمين المتطرف إسقاط الاتفاق.
وفي حين يسعى ترامب لإنهاء حرب غزة سيكون من الصعب على اليمين المتطرف الإسرائيلي قبول ذلك وبالتالي إذا مضى نتنياهو قدما في تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق فإن ذلك يعني سقوط حكومته.
وحتى إذا نجت بطريقة ما، لبضعة أسابيع أخرى حتى نهاية مارس/آذار، فمن المرجح أن تنهار عند هذه النقطة، بسبب الأزمة السياسية حول جهود إعفاء جميع الرجال المتدينين (الحريديم) من الخدمة العسكرية الإلزامية.
نظريا، قد يقرر نتنياهو التحول سياسيا نحو المركز الإسرائيلي، والإعلان عن أنه وحده القادر على تحقيق اتفاقيات تاريخية مع الحفاظ على أمن إسرائيل وذلك في الوقت الذي تستمر فيه محاكماته مع ظهور تهديد آخر لمستقبله السياسي مع مطالبات عائلات الجنود الذين قتلوا في 7 أكتوبر/تشرين الأول بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة في فشل الحكومة.
ووفقا لإران هالبرين، الخبير في علم النفس السياسي بالجامعة العبرية في القدس، فإن السبب الحقيقي لمعارضة اليمين المتطرف إنهاء الحرب ليس سياسيا أو أيديولوجيا وإنما “القلق من تحطيم الرابط الأساسي بين استخدام القوة العسكرية غير المحدودة والقدرة على توفير الأمن لمواطني إسرائيل”.
أي أن إنهاء الحرب سيجبر الإسرائيليين على الاعتراف بفشل حكومة نتنياهو في منع هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وفي هزيمة حماس رغم 15 شهرا من الحرب الوحشية.