الهند تستغرق نصف قرن في تطوير أول مقاتلة محلية الصنع، فهل تتفوق على الطائرات الصينية؟
كانت رسالة هذا العرض الذي جرى في معرض أيرو الهند الدولي للطيران موجهة على الأرجح إلى الصين ومفادها أن المقاتلة الهندية الجديدة التي تمثل ثمرة أكثر من ثلاثة عقود من البحث والتطوير تحمي واحدة من أقوى القاذفات في العالم.
اكتسب مشروع المقاتلة الهندية هال تيجاس أهمية أكبر مع استمرار ورود الأنباء عن قفزات الصين في صناعة الطيران في وقت تواجه جيشا البلدين المدججين بالأسلحة النووية بالأسلحة البيضاء والأيدي في جبهة لاداخ على الحدود بينهما.
ولكن قد تكون رسالة الطيران المشترك بين المقاتلات الهندية والقاذفات الأمريكية أيضاً تهدف إلى القول بإن أمريكا ستقف إلى جانب الهند في مواجهة الصين، وقد يكون أحد مظاهر ذلك مساعدة واشنطن لنيودلهي في معالجة المشكلات المتعددة التي واجهت مشروع المقاتلة الهندية هال تيجاس.
كانت المقاتلة الهندية هال تيجاس مشروعاً طموحاً فيما يتعلق بمساعي نيودلهي لتحقيق الاكتفاء الذاتي في تصنيع الطائرات المقانلة بما في ذلك المحركات، وهي تعد أول مقاتلة هندية الصنع.
يقال إن أكثر من 60% من المقاتلة الهندية هال تيجاس من “صنع الهند”، والـ40% الباقية المستوردة (في أغلبها) المحرك جاء من الولايات المتحدة، والرادار وإلكترونيات الطيران من إسرائيل.
كعادة الهند -البلد النامي والديمقراطي- تطول الأمور عندهم، بسبب خليط من الإدارة المرتبكة والطموحة والبيروقراطية، والفساد والخوف من الفساد في الوقت ذاته.
تعاون هندي مع مصر
في الستينيات أنتجت الهند أول قاذفة بشكل محلي وكان المحرك المشكلة الأكبر دوماً أمام نيودلهي، وفكرت في استخدام المحرك الذي كانت أنتجته مصر بقيادة مهندس نمساوي عمل مع النازيين وانتقل للعمل مع مصر.
وكان هذا المحرك يستخدم في المقاتلة المصرية حلوان (Helwan HA-300) التي طارت بالفعل في عمليات اختبار، ولكن المشروع أوقف بعد حرب 1967.
وبسبب إدراكها لمشكلة المحرك، قبلت الحكومة الهندية في عام 1969، توصية بأن تتبنى مشروع طائرة مقاتلة مع التركيز على إنتاج محرك محلي باعتباره أصعب خطوة في الطائرة.
ولكن القوات الجوية الهندية بدا أن لديها ثقة قليلة في الإنتاج المحلي خاصة في ضوء عدم فعالية القاذفة المحلية الصنع، وفضلت القوات الجوية الهندية تعاون البلاد مع إحدى الشركات الأجنبية لتجميع طائراتها.
ونتيجة ذلك تأخر انطلاق البرنامج بشكل رسمي إلى عام 1984 أي بعد 16 عاماً من طرح الفكرة، وكان الهدف محاولة إنتاج طائرة خفيفة، تكون بديلاً للطائرة الشهيرة السوفييتية ميغ 21 التي كانت العمود الفقري للقوات الجوية الهندية وكانت بدأت تتقادم في ذلك الوقت، وكان الهدف أيضاً، بناء صناعة طائرات محلية تكون قابلة للتصدير.
وتدريجياً تم التركيز على فكرة أن تكون الطائرة صغيرة وتحوي قدراً كبيراً من المواد المركبة لتخفيف وزنها وتقليل مقطعها الراداري وسمي البرنامح “برنامج الطائرات القتالية الخفيفة” (LCA).
40 عاماً منذ بداية الفكرة
عانى برنامج المقاتلة الهندية هال تيجاس تأخيراً كبيراً وفشلاً في تحقيق الهدف الطموح في الاعتماد على محرك ورادار محليي الصنع، إلى جانب زيادة متطلبات القوات الجوية الهندية، والتي انتهت لتصبح الطائرة أثقل، وخلق هذا بدوره مشكلة لفكرة المحرك المحلي.
في 25 أبريل/نيسان 2007، قامت المقاتلة الهندية هال تيجاس بأول رحلة إنتاجية محدودة، محققة سرعة ماخ 1.1 (1،347.5 كم / ساعة، 837.3 ميل في الساعة). أكملت تيجاس 1000 رحلة تجريبية وأكثر من 530 ساعة من اختبارات الطيران بحلول 22 يناير/كانون الثاني 2009.
في 10 يناير/كانون الثاني 2011، سمحت القوات الجوية الهندية لطياريها بقيادة طائرات تيجاس، وشُكل أول سرب في مدينة بنغالور، وكان السرب رقم 45 أول من استبدل طائرات MiG-21 بطائرات Tejas في القاعدة.
ولكن تم تأجيل إجازة عمليات تيجاس النهائية منذ عام 2011.
أي استغرقت الطائرة 25 عاماً منذ بدء البرنامج و40 من بداية الفكرة لكي تدخل القوات الجوية الهندية، ولكن لذلك لم يكن نهاية الطريقة لأنها ستستغرق سنوات أخرى لكي تدخل الخدمة الفعلية.
وفي 20 فبراير/شباط 2019، خلال معرض أيرو الهند 2019، منح الترخيص التشغيلي النهائي (FOC) رسمياً للشركة، أي بعد 35 عاماً من انطلاق المشروع و60 عاماً من بدء الفكرة.
بعد كل هذا الوقت، ما زالت غير قادرة على المشاركة في المعارك
ورغم ذلك وبسبب مشكلات الخطيرة في التصميم والأداء والسلامة، لم تشعر قيادة القوات الجوية الهندية بالثقة الكافية لنشر مقاتلة هال تيجاس خلال عملية القصف لباكستان في 26 فبراير/أيار 2019.
ويرجع ذلك إلى أن المقاتلة الهندية هال تيجاس تعاني من عيوب أساسية في التصميم لم يتم التعامل معها من قبل الشركة المصنعة لها Hindustan Aeronautics Limited-HAL، فعلى الرغم من العمل على العديد من نماذج هال تيجاس الأولية لأكثر من 35 عاماً، ما زالت الطائرة تعاني.
يواجه 40 من هذه المقاتلات في الخطوط الأمامية للقوات الجوية الهندية الذين تم استخدامهم مشكلات حرجة، مثل أوجه القصور في تلبية دفع المحرك والمعايير الأخرى مثل وزن الطائرة وسعة الوقود وحماية الطيار من الأمام ضد الرصاص عيار 7.62، حسب ما ورد في موقع جامعة Hertfordshire البريطانية.
مشابهة للميراج 2000 الفرنسية، ولكن من ينافسها على الضفة الصينية؟
النسخة الرئيسية من المقاتلة الهندية هال تيجاس مزودة بمحرك توربيني أمريكي الصنع جنرال إلكتريك F404-GE-IN20، لكن القوات الجوية الهندية تريد محركاً أعلى في الدفع، حيث كانت هناك زيادة في وزن الطائرة بسبب التطويرات التي أدخلت عليها.
ويعتقد أن المقاتلة الهندية هال تيجاس متأثرة بشكل كبير بتصميم الطائرة الفرنسية ميراج 2000، وهو ما يظهر في تصميم الطائرة بتكوين جناح دلتا.
أقرب مقاتلة صينية يمكن مقارنتها Fالمقاتلة الهندية الهال تيجاس هي الطائرة الصينية J 10، التي يعتقد أن تصميمها مطور من تصميم المقاتلة الإسرائيلية لافي (يُعتقد أن تل أبيب باعته للصين في الثمانينات سراً بعد وقفها للمشروع) المأخوذ بدوره من الطائرة الأمريكية إف 16.
تاريخ تطوير المقاتلة الهندية هال تيجاس في مواجهة الصينية J 10
بدأ المشروع الصيني في وقت مقارب لمشروع المقاتلة الهندية هال تيجاس، ولذا تعطي المقارنة بين المشروع والطائرتين فكرة عن فارق بين نهج الصناعة العسكرية في الدولتين، ومن الأنجح، مع ملاحظة أن الصين تتعرض دوماً من الغرب لحصار لمنع حصولها على التكنولوجيا، وهو أمر لم تواجه الهند إلا لفترات قليلة.
بدأت الطائرة الصينية J 10 كفكرة عام 1981، أقرت في نفس العام وتحولت إلى مشروع، بينما استغرقت هذه المرحلة في الهند 16 عاماً.
تم تسليم أول طائرة ت 10 إلى فوج الاختبار الصيني الثالث عشر في 23 فبراير/شباط 2003. تم إعلان الطائرة “جاهزة للعمل” في ديسمبر/كانون الأول من نفس العام.
وبعد 18 عاماً من التطوير، فإن الفئة الأكثر تطوراً من الطائرة الصينية وهي J-10C دخلت الخدمة القتالية في أبريل 2018، وهي مزودة برادار “أيسا” الذي لم يصنع الروس -معلمي الصينيين في مجال الصناعات العسكرية- أي نوع منه بعد.
المقارنة في القدرات بين J 10 وبين هال تيجاس
J 10 هال تيجاس
الطول : 16.43 م | 13.2 م
الوزن الفارغ: 9 أطنان | 6.5 طن
أقصى وزن للإقلاع: 23 طناً | 13:5
قوة المحرك: 79.43 كيلو نيوتن | 53.9 كيلو نيوتن
مع احتراق لاحق: 125 كيلو نيوتن | 90 كيلو نيوتن.
السرعة القصوى: 2،550 كم/ساعة | 2220 كم/ ساعة
المدى: 3800 كم | 1,850 كم
نقاط تعليق التسليح: 11 نقطة | 8 نقاط
وزن حمولة التسليح: 7 أطنان | 5.3 طن
أيهما أفضل المحرك الأمريكي أم الصيني؟
نسبة الدفع للوزن في J 10 أعلى وهي مسألة مهمة في التسارع والمناورة.
إذ تبلغ هذه النسبة في الطائرة الصينية 1.15 (مع المحرك الروسي)، و1.16 (مع المحرك الصيني)، بينما تبلغ هذه النسبة 0.94 للطائرة الهندية.
وعلى عكس المقاتلة الهندية التي تعتمد على محرك أمريكي، تستطيع الطائرة الصينية الاختيار بين المحرك الروسي الذي كانت تعمل به منذ تدشينها ( Saturn AL-31FN3) أو المحرك الصيني (WS-10A) الذي دخل الإنتاج المتسلسل وأصبح بالإمكان حتى استخدام زوج منه في الطائرة الشبحية الصينية J 20.
والمحرك الصيني أقوى من الروسي حتى لو كانت اعتماديته أقل من المحركات الروسية وبطبيعة الحال أقل من المحركات الغربية.
ولكن الصين أصبحت إحدى الدول القليلة التي تنتج محركات طائرة قابلة للتشغيل لتنضم للولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا.
قد يكون للمحرك الأمريكي في المقاتلة الهندية هال تيجاس ميزات تتعلق بالموثوقية وطول العمر والصيانة، بالمقارنة بالمحركات الروسية في J 10 ، وبالأكثر المحركات الصينية التي أدخلت في الخدمة حديثاً (ومازال هناك شكوك في موثوقيتها).
ولكن يظل فكرة الاعتماد على محرك أجنبي في مشروع المقاتلة الهندية هال تيجاس، مشكلة فنية وسياسية مهما بدا هذا الشريك الأجنبي كريماً أو مدفوعاً بهوس تحريض الهند على الصين، كما يبدو حال الولايات المتحدة الآن، خاصة أن واشنطن سبقت أن فرضت عقوبات على نيودلهي بسبب تجاربها النووية في تسعينيات القرن العشرين، إضافة إلى الخلاف بين البلدين بسبب شراء الهند لأسلحة من روسيا.
لماذا يركز الهنود على المقارنة مع المقاتلة الباكستانية JF 17؟
يمكن تلمس الفجوة بين الطائرتين في تركيز الإعلام الهندي على المقارنة بين المقاتلة هال تيجاس وبين المقاتلة الصينية الباكستانية الصنع JF 17، وهي مشروع ثانوي بالنسبة للصين يهدف بالأساس لمساعد إسلام أباد على إنتاج طائرة خفيفة ورخيصة يمكن تصديرها للدول الفقيرة، علماً بأنه نفذ في فترة قياسية مقارنة بالطائرة الهندية.
في المقابل، فإن الطائرة J 10 هي النظير الصيني للتيجاس لأنها تمثل المقاتلة الرئيسية الرخيصة والصغيرة والرئيسية لدى بكين (كما هو الحال مع التيجاس بالنسبة للهند)، وبالطبع تظهر فجوة بين الطائرتين في معظم النواحي، كما سبق الإشارة، وقد يكون للمقاتلة هندية ميزة في المقطع الراداري لصغر حجمها، إضافة للاستخدام المكثف للمواد المركبة (مجال بدأ الصينيون يتقدمون فيه).
أما مزاعم الهنود عن القدرات الفائقة للمناورة للمقاتلة هال للتيجاس، فمن الصعب الحكم من أفضل في الطائرتين في هذا المجال؛ لأنهما لم يختبرا في أي قتال، ولكن هناك إشادة من كثير من التقارير بالطائرة الصينية J 10، كما أن على الورق أداؤها أفضل.
تظهر المقارنة بين الطائرتين هال تيجاس وJ 10 فجوة في القدرات الجوية للبلدين، تتوسع إذا وضع في الاعتبار المقارنة بين أنواع الطائرات الأخرى لدى الجانبين.
لدى البلدين خليط متشابه ومتقارب في العدد من الطائرات المشتقة من المقاتلة الروسية السوخوي 27، (تصنع الصين نسخاً منها بشكل كامل، فيما تجمع الهند نسخها الخاصة بترخيص من روسيا، إضافة إلى امتلاك الهند لأعداد أقل من الميغ 29 الروسية والميراج 2000 الهندية اللتين يمكن اعتبارهما نظيرتين أيضاً لـJ 10 الصينية، لكن الأخيرة أحدث وأكبر في العدد).
تزداد الفجوة مع انضمام طائرات J 20 الشبحية الصينية للخدمة تدريجياً، بينما لا تمتلك الهند أي طائرة شبحية، بعد تعثر شراكتها مع روسيا في هذا الصدد.
ولأن الهند تستورد الكثير من الطائرات، فإن الفجوة بين البلدين تتضخم بشكل كبير عند الوضع في الاعتبار قدرات التصنيع المحلية فقط.
فخر صناعة الهند لكنها تكشف تأخرها عن اللحاق بالصين
المقاتلة الهندية هال تيجاس تمثل أعلى ما وصلت إليه التكنولوجيا العسكرية الهندية بنسبة تصنيع 60%، يقابلها الطائرة J 10، التي تمثل المستوى الثالث من الطائرات لدى الصين، وليس الأعلى من حيث التكنولوجيا والقدرات.
إذ لدى الصين عدة طائرات دخلت حيز الإنتاج أكثر قدرة من الـJ 10 مثل J 11 التي تمثل تقليداً ناجحاً للطائرة الروسية الشهيرة سوخوي 27، والـJ 16 التي تمثل نسخة مشتقة من السوخوي 30، مع نسبة تصنيع تقارب الـ100% في الآونة الأخيرة لمعظم الطائرات الصينية.
والأهم أنه بينما تكافح نيودلهي لإدخال المقاتلة الهندية هال تيجاس التي تصنف كطائرة صغيرة من الجيل الرابع للخدمة الفعلية، فإن الصين أعلنت عن بدء إدخال طائراتها الشبحية الثقيلة J 20 من الجيل الخامس للعمل بمحركات صينية بعدما كانت دخلت الخدمة قبل فترة بمحركات روسية، ولديها مشروع طائرة شبحية أخرى أصغر حجماً قيد التطوير تدعى J 31.
يلاحظ أن هذه الفجوة زادت رغم أنه، على عكس كل من الصين وباكستان، فإن الهند مدللة من قبل الغرب، في قدرتها على اختيار المكان الذي حصلت منه على مكونات متقدمة لمقاتلتها هال تيجاس، حسب وصف مجلة Foreign Policy الأمريكية.
فعندما واجهت نيودلهي مشكلة في تطوير المحرك المحلي للطائرة، تلقت عروضاً عدة للمساعدة من الشركات الروسية والفرنسية والبريطانية، بالإضافة إلى جنرال إلكتريك الأمريكية.
كان الأمر نفسه مع إلكترونيات الطيران: شعر الموردون الفرنسيون والسويديون بالانزعاج لأنهم خسروا عقود الرادار ومعدات الحرب الإلكترونية لصالح إسرائيل في مشروع المقاتلة الهندية هال تيجاس. إذ يبدو أن الجميع يرغبون في دخول السوق الهندية.
ورغم ذلك فإنه بعد سنوات من التطوير الباهظ والبطيء لبرنامج المقاتلة الهندية هال تيجاس والتدليل الغربي المتزايد، ما زالت الفجوة تتسع بين الصين والهند، كما أن نيودلهي لم تزد حتى الفجوة كثيراً مع باكستان رغم ظروف جارتها اللدود السياسية والاقتصادية السيئة، وفارق الإمكانيات المالية الهائل بينهما.
ومن أبرز نقاط ضعف مشروع المقاتلة الهندية هال تيجاس، فشل عملية التطوير الطويلة للمحرك النفاث المحلي “كافيري” بعدما تبين أن نسبة الدفع إلى الوزن به غير كافية، فاضطرت الهند إلى تشغيل هال تيجاس باستخدام المحرك الأمريكي التابع لشركة جنرال إلكتريك GE F414-INS6، حسبما ورد في تقرير لموقع Eurasian times
قد تكون اللهفة الغربية والروسية على السواء لدعم الهند مثبطة للصناعة العسكرية الهندية وليس ميزة.
فالحصار الغربي للصين والقيود الروسية على نقل التكنولوجيا لها كانت حافزاً لبكين لتطوير صناعاتها العسكرية، والتركيز على حل المشاكل بدلاً من استيراد المعدات من الخارج أو تجميعها، كما فعلت الهند.