آخر الأخبارتحليلات و آراء

اليوم التالي للحرب.. مشروع وصاية أمريكي على غزة

سليم الزريعي

عندما اتفقت مصر مع الإدارة الأمريكية من جانب، والسلطة الفلسطينية من جانب آخر على دخول المساعدات إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم عوض معبر رفح لغياب الطرف الفلسطيني، فهو بمثابة تأكيد على عدم التعامل مع الكيان الصهيوني الذي يحتل المعبر، وهي بمثابة رسالة واضحة على أن صاحب الولاية القانونية والشرعية هو الجانب الفلسطيني، وهنا يبرز سؤال هل يمكن أن يكون هذا الطرف هو حماس التي كانت تدير القطاع بعد سيطرتها علية بانقلاب دموي عام 2007،؟ أم إنها السلطة الوطنية الفلسطينية صاحبة الولاية الأصلية القانونية والشرعية على الأراضي الفلسطينية في الضفة والقطاع؟
إجابة السؤال قدمتها القاهرة، عندما أكد مصدر مصري رفيع المستوى للعربية، يوم الثلاثاء28/5، من أن مصر لن تتعامل في معبر رفح إلا مع الأطراف الفلسطينية والدولية، من خلال العودة لاتفاق المعابر الذي أقر إثر انسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة في العام 2005. ولدلك قادت الولايات المتحدة ومصر مع السلطة الفلسطينية نقاشا حول المعابر الفلسطينية التي تربط قطاع غزة بالعالم الخارجي بهدف تسهيل دخول البضائع والمساعدات الإنسانية إلى القطاع، مع أن الكيان الصهيوني يرفض عودة السلطة الفلسطينية لتسلم مهمتها في معبر رفح، لكن المصدر شدد على أن الإرادة الدولية تتبلور باتجاه تسلم السلطة الفلسطينية عملها في المعبر.
ويأتي إعلان متحدث باسم السلطة في رام الله أن الرئيس عباس اتفق مع الرئيس المصري على تحويل دخول المساعدات مؤقتا إلى معبر كرم أبو سالم. بمثابة إشارة ذات مغزى من أن السلطة الفلسطينية هي الجهة المؤهلة دون غيرها للقيام بهذا الدور لدي القاهرة وواشنطن والاتحاد الأوروبي، في ظل أن حماس التي كانت تسيطر على القطاع لم تعد مؤهلة للقيام بذلك لأساب موضوعية وذاتية، لكن يبدو أن المسألة لم تعد تتعلق بما تريده حماس أو السلطة، بعد أن بات مستقبل القطاع شأنا إقليميا ودوليا، لا يمكن تقرير مستقبله بمعزل عن هذه الأطراف الفاعلة سواء كانت مصر أو الكيان الصهيوني أو الإدارة الأمريكية التي باتت تدير المشهد كفاعل أساسي وهي التي استقرت أخيرا علي شاطئ غزة عبر رصيفها البحري أو أوروبا وبعض الدول العربية الفاعلة.
لكن المفارقة هي أنه في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بمأساة أهل غزة ، ما يزال الموقف الفلسطيني الواحد غائبا خاصة بين كل من السلطة في رام الله وحركة حماس الذي يرى كل منهما أنه صاحب الحق والولاية على القطاع ومن ثم معبر رفح، لكن يقفز الطرفان عن حقيقة ٱن هناك متغيرا قد حدث بعد 7 أكتوبر ، وهو أن تقرير مصير أهل غزة والقطاع برمته، بات شأنا يتجاوز الحالة الفلسطينيةـ إلى كونها قضية إنسانية بامتياز. لها تداعياتها العربية والدولية، وهو من ثم لا يتعلق بما تريد حماس وتعتقد أنه حقها كونها هي من تواجه الكيان الصهيوني بعد أن بات يحتل القطاع وينفذ حرب إبادة المتضرر الأول فيها هم أهل غزة، متجاهلة أن المهم الآن ليس مستقبل حماس السياسي، ولكن إنقاذ أهل غزة الذين يعيشون نكبة جديدة بعد عملية طوفان الأقصى التي بدأت كحرب تحرير لكل فلسطين حسب إعلان زعيم حماس، لكنها سرعان ما تحولت لمشروع حرب إبادة ينفذه الكيان الصهيوني ضد أهل غزة.
هذه المحرقة التي يكتوي بنارها أهل غزة، جعلت العالم يعيد قراءة المشهد الفلسطيني على ضوء هذه الحرب التي لا تقتصر على غزة وإنما هي حملة توحش صهيوني شاملة، تلقي بظلالها الكثيفة أيضا على الضفة الغربية، بحثا عن حل سياسي يضمن في الأساس أمن الكيان الصهيوني ويقدم للفلسطينيين ما يمكن اعتباره حلا سياسيا عبر ما يسمى مسار حل الدولتين، الذي لا يعني أنه مشروع آني وإنما هو مسار يكفي أن يبدأ بالتزام من قبل الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية ينتهي بدولة فلسطينية، وهذه الدولة المقترحة لن تشكل تهديدا أمنيا للكيان الصهيوني بكل ما يحمل ذلك من تبعات سياسية وقانونية تتعلق بوظيفة هذه الدولة داخليا وخارجيا، وهي من ثم وفق ما هو مخطط، لن تعكس بأي حال مفهوم تقرير المصير الذي يمكن أن يلبي طموح الفلسطينيين في التحرير والعودة.وصولا للاستقلال الحقيقي كبقية شعوب العالم.
ويبدو أن الولايات المتحدة على طريق تحقيق ذلك قررت الانخراط بشكل مباشر في تحقيق هذا الهدف، أولا خدمة لمصالحها ولتأمين الكيان الصهيوني، بمساعدة أوروبا ودول عربية فاعلة، ومن ثم قيادة هذا التوجه في ظل رفض الكيان الصهيوني لمبدٱ وجود دولة أخرى إلى جانبه ضمن جغرافية فلسطين التاريخية، ولٱن المسٱلة بالنسبة للولايات المتحدة تتعدى القضية الفلسطينية وحتى ما يريده الكيان الصهيوني . وإنما بمصالح الولايات المتحدة الأساسية بعد ٱن جعلت حرب الإبادة قضية غزة شٱنا داخليا أميريكيا من شأنه أن يؤثر في الانتخابات الرئاسية نهاية هذا العام. إضافة إلى مصالح الولايات المتحدة في المنطقة في ظل المتغيرات الجيوسياسية التي يشهدها العالم ،فقد ذكرت صحيفة “بوليتيكو” أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، تخطط لتعيين مسؤول أمريكي ليعمل بمنصب كبير المستشارين المدنيين لقوة معظمها فلسطينية عند انتهاء الحرب بين إسرائيل وحماس.
وقال مسؤولون أمريكيون للصحيفة إن المستشار المدني سيتخذ مقره في المنطقة ويعمل عن كثب مع قائد القوة، الذي قد يكون إما فلسطينيا أو من إحدى الدول العربية.
وهذا التوجه الأمريكي هو جزء من خطة للولايات المتحدة للعب دور “بارز” في ما تسميه “انتشال غزة من “الفوضى اليائسة”.
ولذلك تتوقع إدارة بايدن، كما تقول الصحيفة أن تكون في قلب ما يحدث لغزة بعد فترة طويلة من هدوء النزاع. وهذا يعني أن الولايات المتحدة ستكون مسؤولة جزئيا عما سيأتي بعد ذلك. لكنها بالتأكيد تريد قنطرة فلسطينية سواء في معبر رفح أو غيره، لتنفيذ رؤيتها تلك التي تتناقض مع ما يريده وناضل من أجله الشعب الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير مند عقود، لينتهي الأمر بوجود وصاية أمريكية على الواقع الفلسطيني لصالح أمن الكيان الصهيوني.على حساب حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة في تقرير المصير والعودة.
وهذا فيما نعتقد هو مكمن الخطر الداهم، كون ما يخطط له ليس مشروع حل سياسي، وإنما هي محاولة لترويض الشعب الفلسطيني من خلال مشروع سياسي لا يلبي الحد الأدنى من تطلعاته في دولة مستقلة كاملة السيادة وتحقيق العودة وفق الفرار 194، ليكون السؤال: إذا كان هذا الخطر لن يوحد فتح وحماس فما الذي سيوحدهما؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى