تحليلات و آراء

انفجار فقاعة الحريديم .. وهشاشة الكيان الصهيوني

سليم الزريعي

يبدأ جيش الاحتلال الأحد21 يوليو إرسال أوامر استدعاء للحريديم ممن تنطبق عليهم شروط الخدمة العسكرية الإلزامية، لكن هذا الأمر الذي يبدو بديهيا لدى أي مجتمع طبيعي على قاعدة التساوي في الحقوق والواجبات، هو ليس كذلك في تجمع المستجلبين اليهود إلى فلسطين، لأن شريحة ما يسمى بالحريديم أي المتشددين اليهود الذين يوصفون بالانغلاق والانعزال، ترفض مبدأ التحاق شبابهم بالجيش
ذلك أن قادة المتدينين اليهود يختبئون خلف ذريعة أن مهمة «الحريديم» بجب أن تقتصر على دراسة التوراة، فيما يمتنع الشبان دائماً عن التجنيد بدعوى انشغالهم بدراسة تعاليم اليهودية والشرائع التوراتية، وأن التفرغ لدراستها لا يقل أهمية عن الخدمة العسكرية.
كما أنهم يتحججون بصعوبة الحفاظ على التدين والتعاليم اليهودية بسبب الاختلاط في الجيش، خصوصاً أنهم يلتزمون بنصوص توراتية تخص الفصل بين الجنسين وتمنع الاختلاط والعلاقات بين الرجال والنساء، ويلتزمون بيوم السبت اليهودي؛ حيث لا يعملون فيه ويخصصونه لزيارة الكنس وقراءة التوراة فقط.
بل إن “الحريديم” اليهود المتشددين يعتبرون أن دراسة التوراة هي الضمان للحفاظ على بقاء كيانهم، فهو كما يزعمون سلاح روحاني لحماية ما يسمى “شعب إسرائيل
وكان مؤسسو الكيان من الصهاينة العلمانيين قد أعفوا 400 من المتشددين اليهود من واجب الالتحاق بالجيش بسبب قلة عددهم آنذاك، ثم أنهم كانوا في حاجة لكسب اليهود المتشددين المشاركة في كيانهم الناشئ، لكن مع الوقت وزيادة عدد الحريديم الذين يتهربون من الخدمة العسكرية، في حين بلغ عدد من أعفوا من الخدمة العسكرية العام الماضي66 ألفا ، في وقت تشكل نسبة الحريديم داخل فلسطين المحتلة 13% وهي نسبة مرشحة للزيادة لارتفاع نسبة الولادات في بيئتهم، لكن هذا الامتياز أثار حفيظة ومعارضة مبدئية من قوى صهيونية أخرى ترى أن على الحريديم أن يشاركوا فيما يعتبرونه “غرما” وهو الخدمة العسكرية.
ويساهم في تسعير التناقض الداخلي ان الحريديم لايؤمنون بالديمقراطية. ولا بالدولة العلمانية وقوانينها، كون ولاءهم فقط هو لدولة الشريعة “الهالاخاه” التي تقوم على التوراة. وغير قائمة حاليا. لكن لا پأس من موقع انتهازي مصلحي أن يستفيدوا من الكيان القائم مع أنهم متناقضون مع جوهره الفكري والسياسي.
وفي سياق ما يعتبره المعارضون وضع حد لإعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية قررت المحكمة العليا في 25 يونيو الماضي إلزام الحريديم بالتجنيد في الجيش، ومنع المساعدات المالية عن المؤسسات الدينية التي يرفض طلابها الخدمة العسكرية.
ومن الواضح على ضوء قرار الجيش استدعاء الحريديم للخدمة العسكرية أن نتنياهو فشل في الالتفاف على قرار المحكمة للحفاظ على ائتلافه الحكومي من الحريديم والصهيونية الدينية الفاشية واليمين القومي الصهيوني، وهي وصفة إضافية لتسعير التناقضات الداخلية في الكيان التي هي أحد تجليات أزمته البنيوية الملازمة له منذ نشأته، كونه كيانا كولنياليا عنصريا مكون من تجميع مستجلبين من 99 إثنية، يشكلون خليطا بشريا غير متجانس ملئ بالثقوب فشلوا خلال 76 عاما في صهره.
وربما يكشف تهديد كبير الحاخامات السفارديم، يتسحاق يوسف، من أنَّ اليهود الأرثوذكس المتشددين سيغادرون “إسرائيل” بشكل جماعي إذا ألغت الحكومة إعفاءهم من التجنيد الإلزامي. هشاشة المشروع الصهيوني الذي تأسس على مجموعة من الأكاذيب دحضها علميا مؤرخون وعلماء آثار يهود من داخل الكيان.
لكن التهديد بالسفر، وعودة الحريديم إلى بلدانهم السابقة هو اعتراف بأن وجودهم في فلسطين كان وجود مصلحة، وانهم لا ينتمون لهذه الجغرافيا التي تشكل إقليم فلسطين.
وهذا يكشف بجلاء طبيعة المشروع الذي قامت به الحركة الصهيونية الذي بشرت به ورعته المسيحية الصهيونية و الغرب الاستعماري من بريطانيا إلى الولايات المتحدة وما بينهما.
وفي مواجهة إلغاء هذا الامتياز حرض الحاخام يتسحاق يوسف الحريديم على عصيان أوامر الجيش وقال لهم: “لا تذهبوا”
ودعا إدارات المدارس الدينية للطلاب اليهود الأرثوذوكس “الحريديم” بتجنب الحضور إلى مكاتب التجنيد، “وقطع جميع العلاقات مع الجيش الإسرائيلي” في دعوة مباشرة منها لعصيان أوامر وزير الحرب الصهيوني التي تقضي بتجنيد 3 آلاف طالب من الحريديم فيما تكشف عبارة على لافتة رفعها الحريديم تقول “نفضل الموت كيهود على أن نعيش كصهاينة”. أبعاد حالة الكراهية بين مكونات هذا التجمع، في غياب القيم المشتركة أو الشعور بالانتماء لدولة اسمها “ إسرائيل”، وأن9 هناك عقدا اجتماعيا يربط هؤلاء المتشددين بغيرهم من اليهود وبالكيان، وهذا يعكس مدى هشاشة هذا التكوين وصفته المؤقتة.
إن انفجار فقاعة الحريديم التي رافقت الكيان منذ البداية، إلى جانب فقاعات أخرى تؤكد أن طبيعة هذا التجمع المستجلب تفتقر إلى التجانس، فيما يعيش الكيان حالة شك فردي وجمعي في استمراره على ضوء أزمته البنيوية في تجلياتها المختلفة، التي تمظهرت في جانب منها في أزمة تجنيد الحريديم، فيما التحدي الوجودي يمثله الفلسطينيون أصحاب الأرض الذين يعززون في كل يوم في ذهن الصهاينة مقولة خراب الهيكل الثالث كحقيقة موضوعية سيأتي وقتها ولن يكون بعيدا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى