انقسام في معسكر السلطة… تفاصيل الخلاف بين رئيسي موريتانيا السابق والحالي
ودبت الخلافات بين الأطراف السياسية التي طالما وقفت في صف الحاكم، بعد ظهور الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز على الساحة السياسية مجددًا وسعيه للسيطرة على حزب “الاتحاد من أجل الجمهورية”، وهو الحزب الحاكم في موريتانيا.
ونقلت صحيفة “صحراء ميديا” عن مصادر لم تسمها أن ولد عبد العزيز، قال إن الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني تدخل في تسيير حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، واصفاً ذلك بأنه “إجراء غير دستوري”، قبل أن يتعهد بـ”التصدي له بكل الوسائل”.
ويطالب ولد عبدالعزيز بعقد مؤتمر لحسم مقعد رئاسة الحزب الذي أسسه منذ 10 أعوام، ولكن أعضاء من داخل الحزب يرون أنه لا بد وأن يستمر الحزب كذراع سياسي للرئيس الحالي، فيما يرى آخرون أن الولاء لا بد أن يكون للمؤسس.
المعركة التي لم تستعر بعد على مستوى الرؤساء ظهرت جلية داخل الحزب الحاكم وبرلمانييه، حيث ذكر بيان عن لجنة تسيير الحزب ولد عبدالعزيز باعتباره المؤسس أكثر من مرة، فيما أكد برلمانيو الحزب تمسكهم بمرجعية الرئيس العزواني واستمرارهم في دعمه.
ويستعد “الاتحاد من أجل الجمهورية” لعقد مؤتمره العام خلال الشهر الجاري لانتخاب قيادة جديدة له، ويقول المراقبون أن هذا المؤتمر سيكون حاسمَا لجهة تحديد مستقبل الحزب، ووضعيته في المرحلة المقبلة.
اجتماع الحزب
وقال بيان صادر عن الحزب، إن “لجنة تسيير الحزب اجتمعت مع محمد ولد عبد العزيز الرئيس المؤسس لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية،، وقد تمحورت النقاشات حول واقع الحزب وآفاقه”.
وأضاف البيان: “ناقشنا واقع الحزب، فإن الحزب الذي تم تأسيسه 2009 شكل مشروعا مجتمعيا واكب العشرية الأخيرة والتي تميزت بإنجازات شاهدة في مختلف مناحي الحياة، وقد طالب الرئيس المؤسس الحضور بالمضي قدما في تحقيق الأهداف التي على أساسها تم تأسيس الحزب والتي تتجاوز كونه مجرد حزب سياسي إلى مشروع مجتمعي يواكب تطلعات المجتمع، كما يشكل أساسا لترسيخ الديمقراطية في البلاد دون أن يكون مرتبطا بالأشخاص أو بالسلطة”.
وتابع البيان: “كما يطمح المؤسس أن يكون مشروعا وطنيا جامعا لكل الموريتانيين بمختلف ثقافاتهم وجهاتهم وألوانهم وأطيافهم الثقافية والسياسية”.
ومضى قائلًا: “إن هذا الطموح لموريتانيا هو الذي أملى علينا أن نقف بقوة خلف برنامج تعهداتي للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني حيث كان برنامجه تعبيرا جليا عن رؤيتنا ومشروعنا لموريتانيا وتحقيقه ضمان لعبور موريتانيا نحو أفق واعد من التنمية والنهوض والبناء”.
واستطرد: “كما حث الرئيس المؤسس قيادة الحزب على التحضير الجيد لاستئناف أشغال المؤتمر الثاني في أفق النصف الأول من شهر فبراير 2020”.
انقسام سياسي في دعم الرئيس
يحيى أحمد الوقف، النائب في البرلمان الموريتاني، ووزير أول سابق، رئيس حزب عادل (أحد الأحزاب الداعمة للرئيس الحالي)، قال إن “الطيف السياسي الداعم للرئيس الحالي ينقسم إلى قسمين، حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وقوى سياسية أخرى تتكون من أحزاب سياسية وقوى مدنية”.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ “سبوتنيك”، أن “الأزمة بين الرئيس والرئيس السابق تتعلق بحزب الاتحاد”، مؤكدًا أن “الأزمة لن تطول كثيرًا”.
وتابع: “حزب الاتحاد حزب مرتبط بالسلطة وبالحاكم وجميع فاعليه من برلمانيين وغيرهم عبروا عن دعمهم الرئيس وتبرؤا من الرئيس السابق، محمد ولد عبد العزيز”.
وأكد أن “الرئيس السابق نفسه يعرف أكثر من غيره هذه الحقيقة، لكنه أخطأ في تقديره عندما ظن أن الحزب يمكن أن يحافظ عليه بعد خروجه من السلطة”.
ومضى قائلًا: “قلت في مرات عدة بعيد مغادرته للسلطة أنه لم يعد بإمكانه أن يقوم بدور سياسي وأن أي محاولة لذلك ستفشل، هو من كان يسير هذا الحزب دون أن يكون من بين قادته، وذلك لأنه رئيس الجمهورية وقادة الحزب ومناضليه قبلوا بذلك نظرا لكونه الرئيس”.
وعن مستقبل الأزمة والتصعيد المنتظر من ولد عبدالعزيز، قال البرلماني الموريتاني: “أعتقد أن الرئيس السابق سيصل إلى نفس الاستنتاج، ويترك الساحة السياسية في أقرب وقت”.
عدم التصعيد
من جانبه قال أحمد ولد سيدي، الصحفي والمحلل السياسي الموريتاني، إن “ما حدث وإن كانت مصادر الأخبار شحيحة حوله هو تمسك الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز بالحزب باعتباره المؤسس، وهو ما لا يمكن تحقيقه بالمطلق”.
وأضاف في تصريحات لـ “سبوتنيك”، أن “الأزمة أخذت مسارًا آخر وهو عدم التصعيد من الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني تجاه صديقه ورفيق دربه إلى أن تقرر عقد مؤتمر عام للحزب من خلاله سيتم بحسب رأيي إخراج المحسوبين على الرئيس السابق من قيادة الحزب وهيئاته بطريقة لا تدعو للتوتير أو التصعيد العلني”.
وتابع: “أعتقد أن الصدام بين الرئيسين لن يطول كثيرًا، فكلا الطرفين لن يرغب في توتير علاقته بالآخر وخصوصا الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني الذي يوصف بالرجل الهادئي والرزين الذي ينظر إلى الأمور بعقلانية كبيرة”.
وعن مساندة نواب الحزب للرئيس الحالي، قال: “من الطبيعي أن يساند النواب المنتخبون الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني لأنه الرئيس المنتخب والحزب الحاكم ظل إلى الآن هو الذراع السياسية لأي رئيس منتخب”.
وعن حقيقة الصراع حول رئاسة الحزب، قال: “كلا الرئيسين السابق والحالي لا يرأسه ولا يمكن لهما ذلك، لأن الحزب تتولى قيادته لجنة لها رئيس هو الوزير السابق سيدنا عالي ولد محمد خونه، وأمينه العام هو وزير النفط الحالي محمد ولد عبد الفتاح، وفي انتظار عقد المؤتمر وانتخاب رئيس جديد للحزب نهاية الشهر الجاري”.
النواب والرئيس السابق
ورفض الفريق البرلماني للحزب الحاكم (أكثر من 90 نائبا)، تصريحات أعقبت لقاء “ولد عبدالعزيز” بلجنة تسيير الحزب، تلمح إلى أحقيته في قيادة “الاتحاد من أجل الجمهورية” بوصفه المؤسس له سنة 2009، مؤكدين أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني هو “المرجعية الحصرية” للحزب.
وأعلن الفريق البرلماني، لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، تمسكه بالرئيس الغزواني “كمرجعية حصرية للحزب” بفعل حكمه للبلاد، ولكون الحزب أحد الداعمين الرئيسيين له.
ونقلت وسائل إعلام موريتانية عن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، قوله إن “الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني تدخل في تسيير حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، واصفا ذلك بأنه إجراء غير دستوري”.
وبحسب ما نقلته وسائل الإعلام المحلية، قال ولد عبد العزيز إن “الدستور الموريتاني يمنع رئيس الجمهورية من الانتماء لأي حزب سياسي أو قيادته”.
رد الغزواني
وكشف الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني طبيعة الخلاف بينه وبين سلفه الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز، معتبرًا أنه اختلاف في الرؤية السياسية، لكنه قلّل من شأنه ومن تداعياته.
وقال غزواني في حوار مع صحيفة “لوموند” الفرنسية إنّ وسائل الإعلام بالغت كثيرًا في تصوير الخلاف بينه وبين الرئيس السابق، وإنه يبذل كل جهوده لتهدئة الوضع، وفقا لما نقله موقع صحراء ميديا الموريتاني.
وأضاف: “لا أخفي أن هنالك تباينًا بين رؤيتينا ومواقفنا من وضعية معينة، ولكني أعتقد أن المناخ السياسي هو الذي أعطى الأمر أكبر من حجمه الحقيقي”.
وشدد الرئيس الموريتاني على أن ولد عبدالعزيز “شقيقه وصديقه” نافيًا بشدة ما سماها الإشاعات التي تحدثت عن اعتقالات طالت عناصر من الجيش أو استجوابات لقيادات في الجيش أو فرض إقامة جبرية، مؤكدًا أنّ هناك تعارضًا في بعض وجهات النظر وأنّ تقدّم البلد يقتضي انفتاحًا على المعارضة.
ويسيطر حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا على الأغلبية البرلمانية بحصوله على 102 من أصل 157 نائبا هو عدد مقاعد البرلمان.
كما ينتمي غالبية أعضاء الحكومة الحالية، التي شكلها الرئيس الغزواني مطلع أغسطس/ آب الماضي للحزب، بالإضافة إلى تأكيد الرئيس على لسان الناطق باسم الحكومة في سبتمبر/ أيلول الماضي عضويته في الحزب.