بالتزامن مع غزو أوكرانيا.. كيف تجنّب العالم بأعجوبة حرباً نووية كادت تشتعل في جنوب آسيا؟

كان اهتمام العالم كله مسلَّطاً على الغزو الروسي لأوكرانيا الشهر الماضي، إلا أن منطقة جنوب آسيا، وتحديداً القارة الهندية، شهدت خلال ذلك حادثاً عرضياً، لكنه جدير بالانتباه والاعتبار، فقد انطوى على تذكير لافت آخر بأننا معرضون بسهولة للانجراف إلى حرب نووية لمجرد خطأ عرضي قد يحدث هنا أو هناك.

الهند وباكستان.. صاروخ كروز بـ”الخطأ”!

في 9 مارس/آذار 2022، أطلقت الهند بطريق الخطأ صاروخ كروز، من طراز “براهموس” BrahMos، في اتجاه باكستان، ثم أصدرت الحكومة الهندية بياناً وصفت فيه ما حدث بأنه خطأ وقع بسبب خلل فني وقع خلال إجرائها عملية تفتيش وصيانة دورية لصواريخها.

لم يكن الصاروخ مسلَّحاً بحمولة تفجيرية ولم تبلغ باكستان عن وقوع إصابات بشرية، لكن حادثة إطلاق الصاروخ من دولة مسلحة نووياً إلى دولة أخرى مسلحة نووياً استثارت مخاوف واستدعت تساؤلات حول مدى تأثير عاملي الحظ والإخفاق المؤسسي في قدرة الدول -أو الأدهى: عجزها- على التحكم في تصعيد الأمور والسيطرة عليها.

شارك مات كوردا، الباحث الأول ومدير مشروع المعلومات النووية بـ”اتحاد العلماء الأمريكيين”، في مقابلة أجراها برنامج  Press the Button ونظمتها مؤسسة Ploughshares Fund الأمريكية المعنية بالحد من انتشار الأسلحة النووية، وتحدث كوردا في هذا اللقاء عن تفاصيل الحادث وتداعياته على توازن الردع القائم على أساس الثقة بالقدرة العسكرية لكل طرف (crisis stability) لدى طرفي الأزمة الهندية الباكستانية.

تجربة لمنظومة صاروخية قادرة على حمل رؤوس نووية في باكستان، أرشيفية/ رويترز

كيف تم إطلاق هذا الصاروخ وما الذي حدث بالضبط؟

قالت مصادر عسكرية هندية إن إطلاق الصواريخ من هذا النوع يقتضي تجاوز سلسلة من الأقفال البرمجية والميكانيكية قبل بدء العد التنازلي للإطلاق. وأوضح كوردا أنه لم يُعرف ما إذا كان الإطلاق وقع بسبب خطأ بشري أم خطأ تقني، لكن “الواضح أن الإطلاق لم يكن من المفترض وقوعه بأي حال”، ومع ذلك، انطلق الصاروخ، وبمجرد انطلاقه لم يعد هناك أي طريقة ممكنة للتراجع عن الأمر، لأن صاروخ براهموس لا يحتوي على نظام تدمير ذاتي في الموقع، عكس الصواريخ الأخرى ذات القدرات النووية لدى الهند.

اقتصرت الأضرار على ممتلكات مدنية، لكن كوردا أبدى خشيته من أن الأمر كان يمكن أن يؤول إلى ما هو أسوأ بكثير، خاصةً أن باكستان في الغالب لم تُحسن تتبُّع الصاروخ الهندي تتبعاً دقيقاً. وقد تبيَّن ذلك بعد أن أخطأ المسؤولون الباكستانيون في تحديد نقطة الإطلاق وفي بعض المعلومات المتعلقة بمسار الصاروخ، خلال مؤتمر صحفي عُقد في 10 مارس/آذار. وصرح مسؤولون هنود لاحقاً بأن خريطة تتبع الصاروخ التي نشرتها باكستان، لم تكن دقيقة.

من جهة أخرى، فإن مخاوف كوردا لا تنقصها الوجاهة، فقد أكد المسؤولون الباكستانيون أنهم اتخذوا تدابير تعبئة رداً على إطلاق الصاروخ، حتى بعد التيقن من أن إطلاق الصاروخ كان عرضياً ولن يتبعه أي إجراء آخر من هذا النوع.

وقال كوردا إن هذه الأخطاء والتدابير التي تعقبها لها تداعيات كبيرة على توازن الردع بين الطرفين، لأن “السياق قد يختلف، وقد تخطئ باكستان في تقدير الأمور أو يجانبها الصواب في تحديد وجهة الصاروخ، ومن ثم يدفعها ذلك إلى الرد عاجلاً للانتقام”.

واستدل كوردا على مخاوفه بمثال محدد، وهو إعلان باكستان عام 2019 عن انعقاد هيئة القيادة الوطنية، وهي المنظمة التي تدير الترسانة النووية الباكستانية، واصفاً هذه الخطوة بأنها كانت “تلويحاً مباشراً للهند بإمكانية استخدام السلاح النووي”. وشبَّه كوردا هذه الخطوة بإعلان بوتين منذ أسابيع عن وضع القوات النووية الروسية في حالة تأهب قصوى، حسب تعبيره.

استعراض عسكرية لصواريخ باليستية هندية في العاصمة نيودلي، أرشيفية 2009/ رويترز

تعزيز جاهزية الصواريخ النووية في الهند وباكستان

علاوة على ذلك، زاد ضعف التواصل بين الهند وباكستان من شدة الأزمة، فقد صرح مسؤولون باكستانيون بأن الهند لم تستخدم الخطوط العسكرية الساخنة رفيعة المستوى لتنبيه باكستان أو إبلاغها بوقوع إطلاق عرضي لصاروخ، بل إن الهند لم تصدر بياناً عاماً بشأن الواقعة إلا بعد يومين من حدوثها.

يرى كوردا أن ما حدث بين الهند وباكستان “يسلط الضوء على بعض العوامل الكامنة التي قد يكون لها تأثير بالغ في تصعيد الأزمات بين الدول المسلحة نووياً”، وخص بالذكر تاريخ الصراع بين الهند وباكستان وأثره في احتدام الأزمات من هذا النوع، مشيراً إلى أن الوضع كان من الممكن أن يؤول إلى كارثة مهلكة لو كان التوتر بين البلدين أشد مما كان عليه.

أشار كذلك إلى ميل الهند في السنوات الأخيرة، إلى وضع صواريخها على مستوى عالٍ من الجاهزية للإطلاق، وهو ما دفع باكستان بدورها إلى تعزيز جاهزية صواريخها، وهو تنافس خطير في  تصعيد الأمور بين دولتين مسلحتين نووياً.

ومن ثم، يرى كوردا أن الحظ “له نصيب بلا شك، في الحدِّ من تفاقم الأزمات”، لكن الأجدر بنا ألا نعتمد على شيء من هذا القبيل، خاصةً أننا في سياق يتعلق باستخدام الأسلحة النووية.

وخلص كوردا إلى أن “العبرة الأهم لنا من هذه الأزمة هي أننا لا نستطيع التعويل على نجاح الردع النووي دائماً في تهدئة الأمور كما كنا نتوقع، وأن الاستمرار في ذلك يخاطر بانقيادنا إلى نوع من الثقة العمياء بقدرتنا على التحكم في التصعيد” حتى وإن كنا عاجزين عن ذلك في حقيقة الأمر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى