بايدن ونتنياهو: معركة رفح.. نعم بشرط
سليم الزريعي
يأخذ حديث المسؤولين في كيان الاحتلال حول حتمية اجتياح رفح حيزا كبيرا من النقاش مع شركائهم في الحرب على غزة الولايات المتحدة الأمريكية، عبر الدعم اللوجستي والتسليح والخبرات العسكرية، وفعلها السياسي في سنة الانتخابات الرئاسية غير المضمونة النتائج، مما يجعل ما يجري في عزة، بمثابة بطاقة مهمة في صندوق الانتخابات الرئاسية. سيما وأن عدم الرضا من موقف إدارة بايدن طال إدارة بايدن نفسها.
وربما يكشف تقرير لصحيفة الـ “واشنطن بوست نشرته في 29 فبراير 2024” من أن “الديمقراطيين أصبحوا أكثر انقساما بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني” طبيعة مأزق إدارة بايدن الذي سبق أن تباهى بأنه صهيوني وإن لم يكن يهوديا.
وبايدن وهو يتوزع بين كونه صهيونيا أولا ، فهو يسعى لإرضاء مؤيدي الحزب الديمقراطي من اليهود، ومن جانب آخر يجتهد في عدم خسارة الصوت العربي والمسلم والمجموعات المناهضة للعدوانية الصهيونية، الذين يتهمون إدارته بالمشاركة في الحرب على غزة.
وكون بايدن شريك عن وعي أيديولوجي وسياسي مع الكيان الصهيوني، قي هذه المحرقة، فهو يراوغ في موقف إدارته من اجتياح رفح، الأمر جعل معظم شعوب العالم تصاب بالفزع من النتائج التي ستخلفها الحرب على رفح، ويكشف هذا السلوك المناور بؤس السياسة الأمريكية، وهو من ثم يعري بما لا يقبل الشك مواقف الإدارة الأمريكية، ليس أمام الجمهور الأمريكي، وإنما أمام شعوب العالم التي صُدم ضميرها بشكل غير مسبوق جراء محرقة غزة المستمرة، مما جعل محكمة الدولية تقرر في 26 يناير 2024 توجيه إشعار لإسرائيل وحلفائها بضرورة اتخاذ إجراءات فورية لمنع الإبادة الجماعية والمزيد من الفظائع ضد الفلسطينيين في غزة”.
مقاربة بايدن
إن نفاق بايدن يظهر عندما يحاول أن يبدو إنسانياـ فيما يتعلق باجتياح رفح، في أنه يتبني أهداف العدو الصهيوني من اجتياح رفح من خلال تعاون إدارته مع الاحتلال في كيفية تحقيق خطط الكيان الصهيوني دون إثارة غضب العالم، وهو بهذا السلوك يعبر عن جوهر العقل السياسي والثقافة الأمريكية المجافية لقيم العدالة في العالم.
وحتى تحافظ الإدارة الأمريكية على موقفها من هدف الكيان الصهيوني من معركة رفح، وفي نفس الوقت عدم تجاهل الضغط العالمي من ارتكاب العدو الصهيوني كارثة إنسانية جراء وجود مليون ونصف نازح من أهل شمال غزة في مساحة 16 كيلو متر مربع بما لا يمكن تصور حجم الكارثة، في حال أقدم العدو على اجتياح المدينة.
عملت واشنطن على إزالة الالتباس الذي ساهم امتناعها عن التصويت في تمرير قرار مجلس الأمن 2728 بوقف إطلاق النار فورا، بأن أوضحت أن أي وقف لإطلاق النار في قطاع غزة سيكون مشروطا بالإفراج عن المحتجزين. بما يعنيه من تحقيق هدف الحرب وهو الإفراج عن الرهائن دون مقابل وهو أمر لن يكون مقبولا من حماس، بما يعنيه ذلك من إفراغ القرار من مضمونه، الذي هو من جانب آخر ضوء أخضر لاستمرار العملية العسكرية الصهيونية، ولكن وفق شروط تحقق مصالح الولايات المتحدة، وأيضا هدف العملية العسكرية لكيان الاحتلال.
وقد ابلغ مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان في 2 ابريل وفد وزاري صهيوني أنه توجد “شروط إنسانية يجب تحقيقها قبل ذلك”. فيما جاء في البيان المشترك الذي أصدره البيت الأبيض بأن إسرائيل ستأخذ بعين الاعتبار المخاوف الأمريكية من العملية في رفح. التي تتمثل في:
غلق الحدود مع مصر، والاستعانة بتكنولوجيا ووسائل رصد تشمل كاميرات مراقبة وأجهزة استشعار.
عزل مدينة رفح، وحصارها برًا وبحرًا من قبل قوات الجيش الإسرائيلي، ومن ثم تنفيذ هجمات مستهدفة ضد بؤر بعينها، بناء على المعلومات الاستخبارية.
ومن اجل ضمان مصالحها بما يؤثر على هدف العملية العسكرية طالبت واشنطن بإنشاء غرفة عمليات استخبارية مشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل لتنسيق العمليات العسكرية في رفح.
نتنياهو.. سندخل رفح
ولأن نتنياهو يدرك حدود الموقف الأمريكي، وأن تحقيق أهداف الكيان من حربة على غزة هي مصلحة أمريكية بامتياز، وأن موقف الإدارة لا يتعلق بالعملية العسكرية في ذاتها، وإنما في النتائج التي يمكن أن تنتج عنها في غياب توقر شروط سلامة إنسانية للنازحين تكرر مأساة شمال غزة، لذلك أكد أن كيانه “سيدخل رفح وسيكون ذلك خلال عدة أسابيع ولكنه أمر سيحصل، معبرا عن موقفه أن “وقف الحرب الآن يعني خسارة إسرائيل للحرب”.
بل إنه شدد على أنه “”ممنوع علينا الخضوع للضغوط الدولية من أجل وقف الحرب، لأن ذلك يعني هزيمة إسرائيل ولذلك سنواصل حتى النهاية من أجل تحقيق الأهداف التي وضعت وهي القضاء على “حماس” وإعادة المختطفين والتأكد من أن غزة لن تشكل خطرا على إسرائيل”. وكاشفا أنه جرت المصادقة” على الخطط العسكرية للعملية في رفح بما فيها إجلاء السكان المدنيين”.
وفيما يظهر على أنه إصرار على تنفيذ العملية البرية في رفح، أبلغ نتنياهو رئبس الوزراء الهولندي “أن دخول جيش الاحتلال إلى رفح «ضروري لتحقيق أهداف الحرب». وهو يضع على الأقل نظريا حدا لأي تكهنات حول قرار تنفيذ العملية العسكرية والموقف الأمريكي منه.
لكننا نعتقد أن التنفيذ الفعلي للعملية له حسابات أخري، تتعلق بالمقاومة، ثم الرأي العام الدولي, وأيضا موقف عائلات المختطفين لدى حماس، وهو موقف في قدرته لجم توجه الكيان لعملية عسكرية لن تكون بلا ثمن باهظ إنسانيا.
ولذلك فإن ثقل حسابات دخول رفح على الكيان، سببه، أن العملية تختلف عن المعارك الأخرى، لجهة أن المقاومة ستدافع عن نفسها وظهرها للحائط، كونها معركة حياة أو موت وما من خيار ثالث أمامها، وهذا من شأنه أن يجعل حسابات المقاومة تختلف بالنسبة للرهائن، بمعني أنه لن يكون مهما لديها الاحتفاظ بهم أحياء، وهو احتمال لن تقبله أو تصمت عليه عائلات المختطفين التي لن تقبل المقامرة بحياة أبنائهاـ وستبذل كل ما تستطيع لمنع اجتياح المدينة بهذا الثمن، ومن جهة أخري سيزداد الضغط الدولي، وربما يدفع ذلك بعض الدول العربية لاتخاذ مواقف من شأنها أن تضر بشكل فادح بعلاقاتها مع الكيان، من شأنها أن تفجر الوضع الداخلي الصهيوني من قبل المعارضة التي تعتبر أن العلاقات مع بعض الدول العربية كنز استراتيجي يجب أن لا يفرط فيه.
وبعد:
إذا كان صحيحا أن لدى العدو قرار باجتياح رفح، لكن قد يكون ذلك في سياق الضغط العسكري من أجل إنجاح مفاوضات التبادل، لكن هناك أيضا مثبطات من الممكن أن تكون عوامل كابحة ذاتية وموضوعية للعملية البرية. ليبقى السؤال: هل يرتكب نتنياهو هذه الحماقة؟ ليبقى من ثم جواب التساؤل مفتوحا على الاحتمالين.