بدأوا التحدث مع أعدائهم… صحيفة أمريكية تكشف استراتيجية السعودية الجديدة
في الأشهر التي تلت الهجوم الصاروخي والطائرات من دون طيار، الذي ينظر إليه على نطاق واسع على أنه “عمل إيراني” ترك منشأتين نفطيتين سعوديتين يحترقان، اتخذ ولي العهد السعودي منعطفًا غير معتاد على الدبلوماسية لتهدئة التوترات مع أعدائه الإقليميين، بحسب ما جاء في تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الامريكية.
وأضافت الصحيفة “لقد قام بإيماءات لتخفيف الحصار الخانق الذي فرضه هو وحلفاؤه على جاره الصغير الثري، قطر، إن لم يكن أنهاه. حتى أنه شارك في محادثات غير مباشرة مع عدوةة المملكة، إيران، لمحاولة إخماد حرب الظل التي تدور رحاها في المنطقة”.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن محللين قولهم إن “التحول من المواجهة إلى التفاوض هو الإدراك الواقعي بأنه لم يعد بالإمكان أخذ حجر الزاوية في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط منذ عقود -وهو أن الولايات المتحدة ستدافع عن صناعة النفط السعودية من الهجمات الأجنبية- أمر مفروغ منه”.
وأضافت “نيويورك تايمز” أنه “على الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين والسعوديين اتفقوا على أن إيران كانت وراء هجمات 14 سبتمبر/ أيلول على محطات معالجة البترول في بقيق وخريص، وخفضت إنتاج المملكة العربية السعودية من النفط إلى النصف بشكل مؤقت، إلا أن الرئيس ترامب استجاب قليلا”.
وقالت إنه بالنسبة للسعوديين، فإن “الاستجابة الفاترة قد أوضحت حقيقة أنه على الرغم من عشرات المليارات من الدولارات التي أنفقوها على الأسلحة الأمريكية -أكثر من 170 مليار دولار منذ عام 1973- لم يعد بإمكانهم الاعتماد على الولايات المتحدة لتقديم مساعدات، على الأقل ليس بالقوة التي توقعوها”.
ويقول المحللون، “السعوديون الذين يشعرون بالقلق من الاضطرار إلى الدفاع عن أنفسهم في موقف صعب وغير قابل للتنبؤ به، مدوا يدهم بهدوء إلى أعدائهم للتخلص من النزاعات”.
وقال ديفيد ب. روبرتس ، الباحث في جامعة كينغز كوليدج لندن: “أعتقد أننا سننظر إلى 14 سبتمبر كحظة مهمة في تاريخ الخليج. مع الافتراض الذي تحطم بأن الولايات المتحدة ستحمي السعوديين. إنهم يدركون الحاجة إلى مزيد من التكيّف”.
وتتابع الصحيفة الأمريكية: “بالنسبة للولايات المتحدة، يعد التحول نحو الدبلوماسية مفارقة محرجة. ضغطت إدارة ترامب والكونغرس على السعوديين لإنهاء الحرب في اليمن، ودفعتهم الإدارة إلى المصالحة مع قطر، دون جدوى إلى حد كبير”.
وأضافت: “الآن، ربما تكون الضربات الإيرانية المفترضة قد فعلت الكثير لتحقيق هذه الأهداف أكثر من الضغط الأمريكي”.
وتابعت الصحيفة: “أصبحت السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية أكثر عدوانية بعد أن برز الأمير محمد، حينها في التاسعة والعشرين من عمره، كقوة دافعة لها في عام 2015. فقد غرقت المملكة في حرب مدمرة ضد المتمردين المدعومين من إيران في اليمن، وفرضت مقاطعة عقابية على قطر، واتهمها بدعم الإرهاب والتأثير على إيران، وتعهد بمواجهة إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط”.
وأشارت الصحيفة إلى “وصول الحرب في اليمن إلى طريق مسدود مكلف مع الآثار الجانبية للأزمة الإنسانية المدمرة، في حين استخدمت قطر ثرواتها الهائلة والعلاقات الدولية الأخرى للتغلب على الحصار، إضافة لهجمات النفط في السعودية، أدى إلى ما وصفه روب مالي، وهو مسؤول كبير في منطقة الشرق الأوسط في إدارة أوباما، إلى “شبه إعادة ضبط” للسياسات السعودية”.
وقال إن “الاستعداد المفاجئ لمواصلة الدبلوماسية في قطر واليمن “يعكس رغبة السعودية في تعزيز موقفها الإقليمي في وقت يشوبه الغموض والضعف”.
ورأى المحللون –بحسب الصحيفة- أن “عدم وجود رد أمريكي كبير على الهجمات يمثل ضربة للسياسة المعروفة باسم مذهب كارتر، الذي يعود إلى عام 1980، عندما تعهد الرئيس جيمي كارتر باستخدام القوة لضمان التدفق الحر للنفط من الخليج بعد الثورة الإسلامية في إيران والغزو السوفيتي لأفغانستان”.
وقالت الصحيفة إنه “بعد الهجمات، أرسل ترامب مزيدًا من القوات الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية لتشغيل أنظمة صواريخ باتريوت، وهو دعم كان أقل بكثير مما توقعه السعوديون من رئيس اعتبروه صديقًا حميمًا وشاركهم العداء تجاه إيران. وقد أمر ترامب بشن غارات جوية على إيران ، ثم تم إلغاؤها فجأة”.
وقال الدكتور كوك: “ما لم يفهمه السعوديون، هو أن دونالد ترامب أقرب بكثير إلى نظرة باراك أوباما إلى العالم أكثر مما أدركوا. الأمر يتعلق بالخروج من الشرق الأوسط”.
وقالت الصحيفة إنه “في الوقت الذي انتشر فيه الغضب في الكونغرس وأجزاء أخرى من الحكومة، واصل ترامب دعم المملكة كحليف عربي مهم ومشتري موثوق للأسلحة الأمريكية. لكن مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، يدرك السعوديون أنه يمكن لرئيس جديد أن يتخذ نهجا مختلفا تماما”.
وقال إميل حكيم، محلل شؤون الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: “من الصعب، حتى بالنسبة لترامب، الدفاع عن المملكة العربية السعودية في كل منعطف خلال الحملة”. “لذلك أعتقد أن السعوديين أذكياء بما يكفي لتخفيف حدة ذلك لبعض الوقت”.
وتقول الصحيفة الأمريكية إنه “حدث شرخ بين المملكة العربية السعودية وحليفها الإقليمي الأقرب، الإمارات العربية المتحدة. ففي يونيو/ حزيران، بدأت الإمارات بسحب قواتها من اليمن، تاركة للسعوديين عبء حرب قبيحة يعتقد القليلون أنهم قادرون على الفوز بها. وفي يوليو/ تموز، استضافت الإمارات محادثات نادرة مع إيران حول الأمن البحري، وهي محاولة لتهدئة التوترات في الخليج وحماية سمعة البلاد كمركز أعمال آمن”.
وأضافت أنه “في حين أن تلك المبادرات لم تسفر بعد عن اتفاقات رسمية، إلا أنها خففت الضغوط في المنطقة”.
وقالت الصحيفة إنه “بالنسبة للمواجهة بين المملكة العربية السعودية وحلفائها وقطر، كان التقدم الملموس نادرًا، لكن المحادثات الهادئة بين قادة الدول خففت من حدة النزاع”.
وأشارت إلى أن “حسابات وسائل التواصل الاجتماعي السعودية التي كثيراً ما أهانت أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، قللت من هجومها. ويقول مسؤولون قطريون إنه على الرغم من أن قطر لم تغلق شبكة الجزيرة الفضائية كما طلب السعوديون، إلا أن الانتقادات الموجهة إلى قطر من قبل المنافذ الإخبارية المؤيدة للحكومة وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة العربية السعودية قد هدأت بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة”.
وقالت: “بدلاً من معاقبة المواطنين الذين يسافرون إلى قطر، تبدو المملكة العربية السعودية الآن في الاتجاه الآخر، فقد أرسلت فرق كرة القدم للعب في البطولات في الدوحة، العاصمة القطرية”.
وأضافت أنه “على الرغم من أن أمير قطر لم يقبل دعوة من العاهل السعودي، الملك سلمان، لحضور اجتماع قمة إقليمي في المملكة العربية السعودية هذا الشهر، إلا أن وزير الخارجية القطري قد فعل ذلك”.
وأضافت الصحيفة أن القطريين “اكتسبوا أرضًا في واشنطن. بينما كان ترامب يهتف في البداية بالحصار، مؤيدًا للادعاء السعودي بأن قطر تدعم الإرهاب، فقد قام في وقت لاحق بتغيير المسار. وفي العام الماضي، رحب بأمير قطر في واشنطن وأرسل هذا الشهر ابنته ومستشاره الرئيسي، إيفانكا ترامب، إلى مؤتمر كبير في الدوحة”.
لكن الصحيفة الأمريكية قالت في الوقت ذاته إن “العداء تجاه قطر لم يخف في الإمارات، التي كانت رائدة في الحصار والتي ما زالت تعتبر قطر قريبة بشكل خطير من الإسلاميين في المنطقة. وردت قطر على عدم الثقة، حيث تحدث المسؤولون عن احتمال التصالح مع المملكة العربية السعودية ولكن ليس مع الإمارات، مما أدى إلى تقسيم تحالفهم فعليًا”.
وبالنسبة إلى إيران قالت الصحيفة: “كان التقدم الملموس نادرا حيث المخاطر أكبر: بين المملكة العربية السعودية وإيران. لكن بعد سنوات من التصريحات الساخنة والدعم المتنافس للجانبين المتعارضين في النزاعات الإقليمية، تدخّل مسؤولون من باكستان والعراق كوسطاء لمحادثات القنوات الخلفية الهادفة إلى تجنب نزاع أوسع”.
وأضافت أنه “لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى ستذهب هذه المحادثات في تخفيف التوترات، خاصة وأن الانفتاح السعودي الرسمي مع إيران قد يثير غضب ترامب، الذي حاول عزل إيران ومعاقبتها”.