برنامج تجسس إسرائيلي اشترته دول خليجية بملايين الدولارات.. ممنوع على قطر ويحذف نفسه في 5 دول
قال موقع صحيفة Haaretz الإسرائيلية إن شركة NSO Group Technologies، التي تُستعمل برامجها في اختراق الهواتف الخلوية، باعت في الأعوام الماضية برمجية التجسس بيغاسوس Pegasus مقابل مئات الملايين من الدولارات إلى الإمارات ودول أخرى بالخليج، استعملتها في مراقبة النشطاء المعارضين للنظام، بتشجيع ووساطة رسمية من الحكومة الإسرائيلية.
شركة NSO تعرف بأنها أحد أكثر الشركات الإسرائيلية نشاطاً في الخليج، ويمكن برنامج Pegasus 3 السلطات من اختراق الهواتف الخلوية ونسخ محتوياتها بل وأحياناً التحكم في الكاميرا وتسجيل الصوت. ويعمل باحثو الثغرات بالشركة على إيجاد الثغرات الأمنية ويمكنهم اختراق الأجهزة المحمولة من طرفهم، أي دون الحاجة إلى أن ينقر المستخدم على رابطٍ مشبوه على سبيل المثال.
حسب الصحيفة الإسرائيلية، تتعاون الشركة فقط مع أجهزة الدول، لكنها لا تفرق بين الأنظمة الديمقراطية والدكتاتورية كما في الخليج، ورغم مزاعمها فإنها لا تفعل الكثير لمراقبة ما تفعله هذه الحكومات ببرمجياتها. وقد مثلت إسرائيل حلقة الوصل بين شركة NSO والدول العربية في المنطقة، بل وشارك ممثلون عن الحكومة الإسرائيلية في اجتماعات التسويق بين ضباط الاستخبارات في الدول العربية ومسؤولين تنفيذيين في NSO، وبعض هذه الاجتماعات كان على أرض إسرائيل.
شركة NSO خصصت فريقاً للعمل مع دول الخليج، يحمل جميع أفراده جوازات سفر أجنبية. وهو القسم الأكثر ربحاً بالشركة، بعائدات سنوية تصل إلى مئات ملايين الدولارات. وكل دولة خليجية لها اسم مستعار عبارة عن اسم شركة مصنعة للسيارات تحمل الحرف الأول من اسم البلد المقصود بالإنجليزية. السعودية تُسمى سوبارو، والبحرين تُسمى بي إم دبليو، والأردن تُسمى جاغوار Jordan/Jaguar. وداخل الشركة يستعمل الموظفون هذه الأسماء بدلاً من الاسم الحقيقي للبلد.
لا تعامل مع قطر: وفقاً للمعلومات التي حصلت عليها صحيفة هآرتس الإسرائيلية، وقعت NSO في الأعوام الماضية عقوداً مع البحرين وعمان والسعودية، وإمارتي أبوظبي ورأس الخيمة. ولا تتعاون NSO مع قطر لأن إسرائيل تحظر مثل ذلك التعامل.
في اجتماعاتهم في الخليج، استعرض ممثلو الشركة قدرات البرمجية باستعمال هواتف خلوية جاؤوا بها لهذا الغرض. وتحظر سياسة الشركة حظراً باتاً اختراق الأجهزة غير التابعة للشركة في عرض المنتجات. لكن للعملاء المتحمسين، نفذ ممثلو الشركة اختراقاتٍ لأجهزة غير تابعة للشركة، بغرض إظهار ما يمكن لبرنامج بيغاسوس فعله. ويتبين من المحادثات مع موظفي الشركة أن المسؤولين تحمسوا للغاية للتكنولوجيا، ووقعوا عقداً قيمته 250 مليون دولار.
لماذا الخليج؟: تركز الشركة جهوداً ضخمة على دول الخليج بسبب الثروات الطائلة في الدول النفطية. يقول أحد الأشخاص المطلعين على الأنشطة المالية لشركة NSO: “إن منتجاً تبيعه في أوروبا بعشرة ملايين دولار يمكنك أن تبيعه في الخليج بعشرة أضعاف ذلك المبلغ”.
تتضمن الباقة الأساسية من NSO اختراق الهواتف المحلية في بلد العميل برقم هاتف محلي، و25 رخصة للبرنامج. ويقوم العميل الاستخباراتي في البلد التي اشترت البرنامج بإدخال رقم هاتفٍ، ويمكنه اختراق الهاتف في غضون ساعات في أغلب الحالات، وبعدها يمكنه نسخ محتويات الهاتف.
تفرض NSO قيوداً تقنية تحمي هوية العميل وتحد من إمكانات البرنامج، على سبيل المثال تحظر الولوج إلى الكاميرا. ومؤخراً عينت NSO محاربين قدامى بالجيش الإسرائيلي ليقدموا تحليلاتٍ استخباراتية لدول الخليج، بعد مواجهة هذه الدول صعوباتٍ في الخروج بمعلومات ذات قيمة عالية من فيض الملفات والرسائل على أجهزة المستهدفين بالاختراق.
لا رقابة: يمكن لشركة NSO التحكم في برنامجها بالكامل عن بعد، ويمكن لموظفيها إغلاق الخدمة في أي وقت أو البحث عن المعلومات التي يجمعها البرنامج في الوقت الحقيقي. وقد أغلقت الشركة نشاطها في المكسيك بعد مراقبة الحكومة للصحفيين الذين يحققون في اختفاء الطلاب. لكنها لم تتخذ أي قرارٍ مماثل في دول الخليج. وتزعم الشركة أنها تتحقق من استعمال منتجها فقط في ملاحقة المجرمين، لكن موظفي NSO يقولون إن الرقابة معدومة وأن الشركة لا يمكنها تتبع أهداف الأجهزة الاستخباراتية المختلفة تتبعاً كاملاً بسبب العقبات القانونية واللغوية، فضلاً عن عدم اهتمامها من الأصل.
دول لا يعمل فيها البرنامج: لمنع تسريب المعلومات الاستخباراتية، “تنتحر” برمجية بيغاسوس إن دخل الجهاز المُخترق خمس دول: إسرائيل، إيران، وروسيا، والصين، والولايات المتحدة. لذا إن وصل مواطن سعودي هاتفه مخترق إلى موسكو، فإن الجهاز يعرف أنه في موسكو، ويزيل البرنامج نفسه من الهاتف. الغرض من ذلك هو تجنب الوقوع في مشكلة مع الدول التي لن تتسامح مع التجسس داخل حدودها، مثل الصين والولايات المتحدة، أو في حالة إيران لتجنب وقوع الأسرار في أيدي دولة معادية.
خاشقجي والبرنامج الإسرائيلي: بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018، والمزاعم التي خرجت بعدها بأن الأجهزة الاستخباراتية استعمالت تكنولوجيا NSO في تتبع الصحفي السعودي الأمريكي المعارض، احتج العديد من موظفي الشركة على استعمال برنامج التجسس في تسهيل القتل، وبعضهم استقال من عمله.
في حوارٍ مع الموظفين، أنكر الرئيس التنفيذي لمجموعة NSO، شاليف هوليو، أي علاقة للشركة بالواقعة. والشركة بالفعل بها لجنة للحوكمة والمخاطر والامتثال من المفترض أن تحدد أي العملاء المحتملين لا يستوفون معاييرها الأخلاقية. لكن تعريف الأهداف المشروعة يختلف من بلدٍ إلى آخر. وفي دولٍ مثل السعودية، على العكس من بلدٍ مثل فرنسا، يمكن أن يكون “الإرهابي” شخصاً يستعمل الوسائل الديمقراطية في معارضة النظام.
وقالت NSO رداً على تقرير هآرتس: “إن المزاعم في المقال ملفقة وكاذبة. نحن فخورون للغاية بتقنيتنا، التي تساعد كل يوم في إحباط الإرهاب ومنع ارتكاب الجرائم الخطيرة والبيدوفيليا في أنحاء العالم، وكل هذا يستوفي معايير الامتثال وسياسات حقوق الإنسان، وهو أمر غير مسبوق في العالم كله”.