بسبب توظيفها في اعتقال بن لادن.. موقع أمريكي: الـ”سي آي إيه” تتسبب في فقدان الثقة في ثقافة التطعيم
توظيف التطعيمات في القبض على أسامة بن لادن، المطلوب الأول لأمريكا بسبب هجمات سبتمبر/أيلول 2001 جعل كثيرين يرون أن التطعيمات لها خلفيات سياسية وليست طبية فقط ومن ثم فقدوا الثقة بها.
انخفاض الثقة بجهود التطعيم
في خضم جهودها للعثور على أسامة بن لادن وقتله، استخدم جواسيس الوكالة برنامج تلقيح ضد التهاب الكبد “ب” كغطاءٍ لإخفاء محاولة جمع عينات من الحمض النووي، وذلك بغرض تحديد موقع العقل المدبر لأحداث الـ11 من سبتمبر/أيلول 2001، في أبوت آباد بباكستان.
فشلت الجهود بالطبع حين انتهى المطاف بطبيب جنّدته الوكالة، داخل أحد السجون الباكستانية. لكن وبعد عقدٍ من الزمن، يقول خبراء وباحثون في الصحة العامة إنّ هذه الحيلة ربما كانت سبباً ساعد على تقويض الثقة الضرورية بجهود التطعيم، التي أصبحت لازمةً الآن للقضاء على جائحة فيروس كورونا في باكستان، وفي بعض المناطق حول العالم أيضاً.
إذ قال سام ورثينغتون، الرئيس التنفيذي لتحالف InterAction الذي يضم منظمات دولية غير حكومية، في حديثه لموقع The Daily Beast الأمريكي: “تجاوز برنامج التطعيمات الوهمية للسي آي إيه الخطوط الحمراء، حين انخرط في نشاطٍ إنسانيٍ وطبيٍ بحت، ومرتبط بالصحة كلياً. وحين نُضيف درجةً من انعدام الثقة إلى اللقاحات، أعتقد أننا بذلك نُلحق الضرر ببرامج التطعيم في مناطق حساسة حول العالم”.
طيلة السنوات التي تلت حملة الـ”سي آي إيه” الوهمية، هاجمت حركة طالبان جهود التطعيم ضد شلل الأطفال، مستشهدةً في ذلك بمخاوفها من أن يكون البرنامج واجهةً للتجسس. كما أمرت الحكومة الباكستانية منظمة أنقذوا الأطفال الخيرية بالرحيل عن البلاد، بعد أن تم ربطها ببرنامج الـ”سي آي إيه” (وهي مزاعم أنكرتها المنظمة).
الإحجام عن تناول التطعيمات
بعد تلك الحملة، أحجم الباكستانيون عن التطعيمات. ورغم أن البلاد كانت على وشك القضاء على شلل الأطفال حينها، فإن أعداد المصابين ارتفعت من جديد عقب الكشف عن عملية السي آي إيه. حيث تراجعت معدلات التطعيم بمقدار الخُمسين، وفقاً لبحثٍ نشرته دورية Journal of the European Economic Association العلمية مؤخراً. واضطرت منظمة الصحة العالمية بعدها بفترةٍ وجيزة لإعلان أن انتشار شلل الأطفال في بعض الدول -ومنها باكستان- يمثل حالة طوارئ صحية.
بينما قال مؤلفو الدراسة المتعلقة بلقاح السي آي إيه، مونيكا مارتينيز-برافو وأندرياس ستيغمان، للموقع الأمريكي في تصريحٍ مشترك إنّ “الكشف عن خدعة اللقاح ربما قللت الثقة في اللقاحات عموماً (وفي القطاع الطبي الرسمي أيضاً) بتأكيدها على الشائعات والمعلومات المغلوطة التي تنشرها جماعات مثل طالبان باكستان”.
يبدو أنّ هذا التشكك قد ظل قائماً حتى مع تفشي جائحة فيروس كورونا. وربما لم يتضح تحديداً كيف زادت جهود التطعيم السرية للسي آي إيه من تعقيد جهود باكستان الحالية للقضاء على كوفيد. لكن استطلاعات الرأي تُشير إلى أنّ إسلام آباد تُعاني من أجل إقناع الباكستانيين بالحصول على التطعيم ضد فيروس كورونا. وقد أعرب نحو نصف الباكستانيين عن عدم رغبتهم في الحصول على جرعة لقاح كوفيد-19 إن تم عرضها عليهم، وفقاً لاستطلاعٍ أجرته مؤسسة Gallup.
تشغيل برنامج تطعيم زائف
أدركت السي آي إيه نفسها في عام 2013 أنّ تشغيل برنامج تطعيم زائف كان عملاً تخريبياً ولا يستحق حجم الضرر الذي أصاب الصحة العامة وجهود التطعيم. لذا قررت الوكالة حظر استخدام برامج التطعيم في عمليات التجسس منذ ذلك الحين، وذلك وفقاً لرسالة بعثت بها مستشارة الأمن القومي للرئيس ليزا موناكو آنذاك إلى عمداء كليات الطب الذين أعربوا عن قلقهم.
حين تم التواصل مع الوكالة للحصول على تعليق، أشار المتحدث باسم السي آي إيه إلى أنّ اللقاحات التي تم توزيعها خلال الحملة كانت حقيقية، وأضاف: “تطعيمات عام 2011 في باكستان كانت حقيقية، وقد حصل العديد من الأطفال على اللقاح من خلال البرنامج. واستجابةً للقلق الذي أعرب عنه المجتمع الطبي آنذاك، أمر مدير الوكالة عام 2013 بعدم استخدام برامج التطعيم في العمليات مستقبلاً. هناك العديد من النظريات والمعلومات المغلوطة التي تزيد التردد بشأن اللقاحات. ولكن لم تصلنا اليوم مخاوف عالمية كبيرة قائمة على أخبار مغلوطة حول برنامج لقاحات تم استخدامه في باكستان قبل أكثر من 10 سنوات”.
لكن ورثينغتون يقول إنّ الضرر قد وقع بالفعل، وإنّ هناك تيارات خفية من عدم الثقة -بسبب برنامج الوكالة- التي ما تزال تُواجه العاملين في الرعاية الصحية ممن يحاولون تطعيم الناس داخل باكستان وخارجها.
أردف ورثينغتون: “مشكلة الثقة هي أنّ استعادتها تكون صعبةً للغاية بمجرد فقدانها. وهنا يتوجب على الأمم المتحدة أو المنظمات غير الحكومية أو الحكومات أن تُحاول استعادة تلك الثقة في المناطق التي شهدت فقدانها، والتركيز على مزايا اللقاح -ولماذا لن يضر بالسكان. مما يزيد صعوبة المهمة على الجميع”.
انتكاسات المعلومات المضللة
كان لحواجز وانتكاسات المعلومات المضللة التي أدخلها البرنامج أثرٌ بعيد المدى بحسب بروس ريدل، ضابط الوكالة السابق والمستشار الكبير السابق لأربعة رؤساء في شؤون جنوب آسيا والشرق الأوسط.
حيث قال ريدل للموقع الأمريكي: “تحوّل برنامج السي آي إيه إلى سلاح، واستغلته الجماعات المناهضة لأمريكا في باكستان من أجل تشويه سمعة أمريكا. ومن الناحية العملية، كان جزءٌ صغير للغاية من البرنامج هو المخصص للعثور على بن لادن. ولكن من الناحية السياسية، فقد كان الأمر أكبر من ذلك بكثير. بل وتحوّل إلى تاريخ لن يُنسى”.