بعد إعلان الحكومة الأردنية مراجعتها.. ما مدى إمكانية إلغاء صفقة الغاز مع إسرائيل؟
لم تتوقف الضغوط الشعبية والبرلمانية الرافضة للاتفاقية على الحكومة منذ دخول صفقة الغاز التي أبرمتها الأردن مع إسرائيل، والتي وصلت إلى دعاوى لسحب الثقة.
واحتدم الجدل في جلسة الأحد الماضي، بعد أن طلب النواب تحويل الجلسة من تشريعية إلى رقابية لمناقشة ملف الغاز الإسرائيلي، وهو ما رفضه رئيس البرلمان عاطف الطراونة، على الرغم من موقفه الواضح الرافض للاتفاقية.
وعلى إثر ذلك، أعلن رئيس وزراء الأردن عمر الرزاز، اعتزام حكومته مراجعة “كل اتفاقيات الطاقة”، وتخصيص جلسة رقابية، للرد على تساؤلات أعضاء مجلس النواب بشأنها، وأثار إعلان الرزاز عدة تساؤلات مهمة عن مدى إمكانية أن يقوم النواب بإسقاط الاتفاقية من الناحية القانونية والتشريعية، ومدى قبول الحكومة لذلك.
سجال النواب
وعقب انسحاب عدد من النواب من الجلسة، قال الرزاز في مداخلة مُقتضبة إن حكومته بصدد مراجعة كل اتفاقيات الطاقة في الوقت الحالي، وهو التصريح الأول الذي يصدر عن الحكومة منذ بدء ضخ الغاز الإسرائيلي تجريبيًا في الأول من يناير/كانون الثاني الحالي.
ودعا الرزاز نواب البرلمان إلى إمهال الحكومة بعض الوقت لتخصيص جلسة رقابية لمناقشة ملف الطاقة، للإجابة عن كل الأسئلة في هذا الشأن، قائلا:”أعطونا وقتًا نجهز حالنا… حتى تتعاون كل السلطات لما فيه مصلحة البلد”.
وصوَت البرلمان على تخصيص جلسة الأحد 19 يناير/ كانون الثاني كجلسة رقابية لمناقشة ملف الطاقة، فيما أشار الرزاز إلى أن دراسة قانونية فنية ستصل الحكومة حول اتفاقيات الطاقة الأسبوع المقبل.
ورفض رئيس مجلس النواب ما وصفه بـ”ممارسة بعض النواب للشعبويات” في ماراثون ربع الساعة الأخيرة لمجلس النواب، الذي تنتهي مدته الدستورية في مايو/أيار المقبل، مؤكدًا رفض البرلمان للاتفاقية منذ إبرامها.
وقال الطراونة، ردًا على مداخلات نيابية، إن المُذكرة المقترحة لطرح الثقة بالحكومة لم تصل للأمانة العامة للبرلمان، بل قرأها متداولة عبر واتس أب.
ويوم الجمعة، شارك آلاف الأردنيين في مسيرة مناهضة لاتفاقية الغاز مع إسرائيل، تزامنا مع إعلان تل أبيب بدء ضخه رسميًا.
قوانين دولية أقوى
رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأردني، رائد الخزاعلة، قال إن “الضغوط البرلمانية الأخيرة والتي دفعت رئيس الوزراء عمر الرزاز، إعلان اعتزام حكومته مراجعة اتفاقيات الطاقة وتخصيص جلسة رقابية، للرد على تساؤلات أعضاء مجلس النواب بشأنها، لا تعني بالضرورة إلغاء اتفاقية الغاز مع إسرائيل.
وأضاف، أن “الحديث عن إلغاء الحكومة صفقة الغاز أمر ليس بالسهل، لأن الاتفاقيات الدولية تسمو على القوانين المحلية، مهما كانت الضغوط، سواء الشعبية أو البرلمانية والتشريعية”.
وتابع: “الاتفاقية دخلت حيز التنفيذ، وإن كانت بين شركات فهي لن تكون خاضعة للحكومة، وإن كانت دولية فالقوانين الوضعية المحلية لا تلغي القوانين الدولية”.
ومضى قائلًا: “في الحالتين، ما يحدث صدى شعبي وبرلماني قوي، رافض لأي اتفاقية مع الاحتلال والذي سرق الغاز من فلسطين، لكن في النهاية لا يمكن أن يؤثر بشكل قد يدفع الحكومة لإلغاء الاتفاقية بشكل نهائي”.
مدى الحاجة للغاز
قال موسى هنطش، مقرر لجنة الطاقة في مجلس النواب الأردني، قال إن “الأردن ليس بحاجة في أي حال من الأحوال للغاز الإسرائيلي، سياسيا أو اقتصاديا أو مجتمعيا”.
وأضاف في تصريحات أن “الأردن يحصل على 50 في المئة، من احتياجاته من المشتقات البترولية من مصر، والنصف الآخر من السوق الدولية، كما هو الحال في أكثر دول العالم”.=
وتابع: “الأردن لا تحتاج لهذا الغاز، لديه الآن طاقة متجددة، طاقة شمسية، ورياح، واستخراجات للغاز بدأت في قوة بعام 2019”.
وبشأن إصرار الحكومة الأردنية على المضي قدما في الاتفاقية، قال: “الموضوع ليس اقتصاديا أو خدميا، بل سياسيا بامتياز”.
وعن التحركات البرلمانية نحو هذه الاتفاقية، أضاف: “نسير في البرلمان باتجاه حجب الثقة عن الحكومة، التي سمحت بضخ الغاز الإسرائيلي”.
وأضاف: “نحن الآن في مرحلة موازنة 2020، سنتكلم بقوة وشراسة مع حكومتنا، لأنها متخاذلة وغطت على من وقعوا هذه الاتفاقية بيننا وبين العدو”.
وبسؤاله عن صعوبة إلغاء الصفقة التي بدأت بالفعل، أجاب: “حتى لو بدأ الضخ التجريبي لمدة 3 أشهر، لن نستسلم للواقع، 130 عضوا من أصل 130 يرفضون هذه الاتفاقية، وعلى رأسهم رئيس البرلمان الذي أعلن ذلك صراحة، سنأخذ كل الاحتياطات ضد الاتفاقية التي جلبت للأردن غازا ملوثا مسروقا من الأراضي الفلسطينية”.
الشارع غاضب
من جانبها قالت الدكتورة نادية سعد الدين، الباحثة الأردنية في العلوم السياسية، إن “هناك استياء شعبي ينعكس على البرلمان الممثل للشعب، ليس فقط بشأن صفقة الغاز المبرمة مؤخرا مع الاحتلال الإسرائيلي، وإنما يشمل قضايا أخرى أدت إلى توتر العلاقات الأردنية الإسرائيلية مؤخرا”.
وأضافت: “بالإضافة للاستياء الشعبي هناك ضغوط برلمانية وحزبية كبيرة لإلغاء صفقة الغاز الموقعة مع إسرائيل، والبحث عن بدائل أخرى يمكن أن تغطي احتياجات الأردن في هذا الشأن”.
وتابعت: “هذا الأمر يصعب تحقيقه، فالحكومة الأردنية من جانبها تقول إنها أبرمت معاهدة مع الجانب الإسرائيلي، ومن الصعب التنصل منها، بالإضافة إلى عدم وجود أي بدائل يمكن أن تعوض النقص حال إلغاء صفقة الغاز”.
وتابعت: “أعتقد أن الضغط الشعبي والبرلماني حالة صحية وهامة حتى يدرك الجانب الإسرائيلي بأن هناك ضغوطا تمارس على الحكومة الأردنية ليس لإلغاء الصفقة وحسب، بل بإلغاء المعاهدة الأردنية الإسرائيلية التي توقيعها في عام 1994”.
إبرام الاتفاق
ووقع الشركاء في لوثيان بالفعل اتفاقات ضخمة بمليارات الدولارات لتصدير الغاز إلى مصر التي من المقرر أن يبدأ توريد الغاز الإسرائيلي إليها منتصف الشهر الجاري.
وقالت الحكومة الأردنية بعد توقيع الاتفاق إن تأمين إمدادات طاقة بأسعار مستقرة للعقد المقبل يمكن أن يوفر 500 مليون دولار سنويا على الأقل ويساهم في تقليص عجز الموازنة المزمن.
وتستورد الحكومة الأردنية نحو 95 في المئة، من احتياجاتها من الطاقة مع تزايد الطلب على الكهرباء سنويا بمعدلات تدور بين ستة وسبعة بالمئة.
ومضت المملكة، وهي بلد حليف للولايات المتحدة ومرتبط باتفاقية سلام مع إسرائيل ، قدما في تنفيذ الاتفاق على الرغم من معارضة سياسيين والكثير من نواب البرلمان الذين يقولون إنه يجعل المملكة معتمدة على الطاقة التي تأتي من إسرائيل.
وأبقت الحكومة في الأشهر الماضية بنود الاتفاق طي الكتمان في مواجهة الرأي العام والمعارضة الصريحة من البرلمان التي طالبت بإلغائها.
وتقول السلطات إن الاتفاق بين شركات وليس بين الحكومتين ونفت أن تكون واشنطن قد مارست ضغوطا على عمان.