بعد احتجاجات السودان.. هل تؤدي الضغوط الدولية لتسليم العسكريين للسلطة أم لمزيد من الخداع للمدنيين؟
وأدت الحرب الكلامية، إلى جانب الانقلاب المزعوم، الذي اجتمع الجيش والمدنيون على إدانته الأسبوع الماضي، إلى مسارعة الضامنين الدوليين لاتفاق السلطة بين المدنيين والعسكريين بالتوجه إلى السودان للتوسط بين الجانبين، حسبما ورد في تقرير موقع Middle East Eye البريطاني.
وفي تطوير خطير في الأزمة السياسية في السودان وقع يوم الخميس 30 سبتمبر/أيلول، استخدمت قوات الأمن السودانية الغاز المسيل للدموع لتفريق مظاهرة في العاصمة الخرطوم شارك فيها ما يقدر بنحو 20 ألف شخص دعماً لعملية انتقال إلى الديمقراطية بقيادة مدنية.
وأبدى كثير من المتظاهرين اعتراضهم على زيارة رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس، في نفس اليوم، وأعلنوا رفضهم السياسات الاقتصادية لمنظمتِه، ولسياسات صندوق النقد الدولي.
ونادى المتظاهرون في الخرطوم وود مدني وعطبرة ومدن أخرى بإنهاء مشاركة الجيش في الحكومة الانتقالية بالبلاد، وهي الشراكة القائمة مع أطراف مدنية منذ أغسطس/آب 2019.
أسباب الأزمة السياسية في السودان ولماذا يتلكأ العسكريون في تسليم السلطة؟
نقلت قطارات من عطبرة وود مدني مئات المتظاهرين للمشاركة في احتجاجات الخرطوم، حيث رفع المشاركون شعارات مناوئة للجيش ولافتات تدين محاولة الانقلاب.
ينقل الموقع البريطاني عن عاطف إسماعيل، من “تجمع المهنيين السودانيين”، قوله إن الجيش في صراع مع القيادة المدنية لسببين:
أولاً، لأنه لا يريد محاسبة الضباط واللواءات المتهمين بقتل أكثر من 100 متظاهر أمام مقر القيادة العامة للجيش بالخرطوم في 3 يونيو/حزيران 2019، وهي الأحداث التي تسمى مذبحة القيادة العامة، وقال إسماعيل: “نعتقد أن الجيش يريد الاستمرار في الحكم، وأحد أسبابه إلى ذلك هو حماية المجرمين” المسؤولين عن تلك المذبحة.
ثانياً، لأنه لا يرغب في تسليم رئاسة المجلس السيادي لقيادات مدنية، كما يقتضي اتفاق تقاسم السلطة الذي وقعه الجانبان في أغسطس/آب 2018.
فهم لم يسلموا السلطة في الموعد المتفق عليه
حدد الإعلان الدستوري، المُوقع في أعقاب انتفاضة 2018-2019 التي أطاحت بالرئيس عمر البشير، موعداً لتسليم قيادة مجلس السيادة في مايو/أيار 2021. غير أن اتفاق سلام مع المتمردين في جنوب البلاد تم توقيعه في أكتوبر/تشرين الأول عدل المواعيد بشأن تسليم السلطة دون تحديد تاريخ جديد.
وكان محمد الفكي سليمان، وهو أحد أعضاء مجلس السيادة من المكون المدني، قد وجَّه اتهاماً صريحاً للمكون العسكري، شريك السلطة الانتقالية في البلاد، بمحاولة السيطرة على الأوضاع السياسية. وقال الفكي خلال مقابلة مع تلفزيون السودان الرسمي: “هناك محاولة من المكون العسكري لتعديل المعادلة السياسية وهذا مخل بعملية الشراكة”، معتبراً ذلك “انقلاباً حقيقياً أو ما يعرف بالانقلاب الأبيض”.
وقال سليمان إن تسليم السلطة للمدنيين ليس شيئاً ثانوياً، مضيفاً أنه يفضل اقتراحاً بأن يتم ذلك في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
لكن المعطيات الحالية واللغة التصعيدية التي ينتهجها عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الحاكم ومحمد حمدان دقلو “حميدتي” قائد قوة الانتشار السريع الرجل القوي الذي يجمع بين السلاح والمال، والخطوات التصعيدية في شرق السودان، لا تشير إلى أن عملية تسليم رئاسة مجلس السيادة إلى المدنيين قد تتم بصورة سلسة كما يريد المدنيون، وعلى الأرجح لن تتم في نوفمبر/تشرين الثاني كما اقترح سليمان.
دعوات إلى تفكيك الدولة العميقة
أحمد كرار، عضو لجنة المقاومة في حي الحاج يوسف بالخرطوم، دعا إلى تفكيك “الدولة العميقة” التي قال إنها لا تزال تدافع عن مصالح النظام القديم وأعوان الحاكم السابق عمر البشير.
وفي حديثه لموقع Middle East Eye، حثَّ بدر عبد الله، الذي وصل بالقطار من مدينة عطبرة الشمالية، الحكومةَ الانتقالية على تسليم البشير وغيره من المسؤولين السابقين إلى المحكمة الجنائية الدولية على الفور.
كما دعا إلى تشكيل مجلس تشريعي انتقالي عاجلاً وتقديم المتورطين في مجزرة 3 يونيو/حزيران 2019 للعدالة.
وعلى النحو نفسه، قال حسن، الذي جاء من ود مدني للمشاركة في احتجاجات العاصمة، لموقع MEE: “نحن لا نثق بقيادة الجيش الحالية والجنرالات الذين لفَّقوا الانقلاب العسكري الفاشل الذي أُعلن عنه الأسبوع الماضي”.
مبعوثون دوليون يتوافدون والعسكريون يقدمون لهم مزيداً من الوعود
مع تصاعد الأزمة السياسية في السودان والتوترات بين المدنيين والعسكريين والتي وصلت للشارع، سارع عدد من المبعوثين الدوليين لزيارة البلاد من أجل تخفيف التوتر بين القيادات العسكرية والمدنية.
كشف مصدر بالأمم المتحدة أن فولكر بيرتيس، رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان، موجود في الخرطوم لإجراء سلسلة اجتماعات مع مسؤولين مدنيين وعسكريين في الحكومة الانتقالية.
وقال المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته: “لقد تلقينا وعوداً واضحة من العسكريين بأنهم سيحمون انتقال السلطة ويلتزمون بمقتضيات الإعلان الدستوري، كما وعد المدنيون بتحسين أدائهم” السياسي.
تهديدات أمريكية للجنرالات
بالإضافة إلى ذلك، زار جيفري فيلتمان، المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون القرن الإفريقي، الخرطوم يوم الخميس 30 سبتمبر/أيلول، بعد أسبوع من محاولة انقلاب أثارت التوترات بين الجماعات المدنية والعسكرية التي تتقاسم السلطة في البلاد، إلى جانب مبعوثي المملكة المتحدة وفرنسا والنرويج.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، السبت 2 أكتوبر/تشرين الأول 2021، إن فيلتمان التقى رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وكذلك رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك ضمن زعماء سياسيين آخرين.
وأضاف أن الولايات المتحدة حذّرت السودان من أن التقاعس عن إحراز تقدم في الانتقال إلى الحكم المدني قد يعرّض الدعم السياسي والاقتصادي من واشنطن للخطر.
الحل في الثورة أم الوساطة الدولية
ومع ذلك، قلل المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين، والي علي، من أهمية التدخل الدولي في معالجة الأزمة السياسية في السودان، وقال إنه يعتقد أن الطريقة الوحيدة لحماية الانتقال والديمقراطية ستأتي عن طريق شعب السودان الذي صنع الثورة.
وقال علي: “موقفنا المناهض للانقلاب العسكري مسألة مبدأ، وليس فقط دعماً للحكومة الانتقالية الحالية. ونعتقد أن الشراكة بين المدنيين والعسكريين يجب أن يغيرها الناس، علينا أن ننظم أنفسنا لتغيير كل هذا”.
وفي نوع من العرض المباشر للدعم الدولي للحكومة التي يقودها المدنيون برئاسة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، عقدت الأمم المتحدة والنرويج يوم الخميس 30 سبتمبر/أيلول فعالية افتراضية رفيعة المستوى بشأن السودان على هامش اجتماعات الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وشاركت وفود من 24 دولة وثماني منظمات دولية وإقليمية في الاجتماع، حيث ألقى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خطاباً، أعرب فيه عن قلقه بشأن محاولة الانقلاب، كما ألقى عبد الله حمدوك كلمةً فيه.
وقال غوتيريش: “أتاحت الفعالية رفيعة المستوى فرصةً لتقييم التقدم العام الذي أُحرز حتى الآن وإعادة التشديد على الدعم الدولي لعملية الانتقال في هذا الوقت الحرج”.
كما أشارت إين إريكسن سوريد، وزيرة خارجية النرويج، إلى المسؤولية المشتركة للمكوِّنين العسكري والمدني في الحكومة السودانية عن إعادة بناء البلاد على أساس ديمقراطي.
رئيس البنك الدولي يرى الأمور تتحسن ببطء، ومحتجون يرفضون زيارته
وسط الاحتجاجات التي كانت البلاد تشهدها يوم الخميس، وصل رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس إلى السودان في أول زيارة رسمية لشخص في منصبه للسودان منذ 40 عاماً، حيث ظلت البلاد خاضعة لعقوبات طيلة عقود من عهد البشير.
وأعلنت الولايات المتحدة شطب اسم السودان مما يُعرف بالقائمة السوداء للدول الراعية للإرهاب في ديسمبر/كانون الأول 2020، ما أزال عقبة كبيرة كانت أمام المساعدات والاستثمارات المالية التي تشتد حاجة البلاد إليها.
ومع ذلك، قال مالباس بعد لقائه مع حمدوك: “السودان يشهد انتقالاً من حالة عنف ونقص في الخدمات إلى وضع تتحسن فيه الأمور تدريجياً”.
وأضاف: “يستغرق الأمر وقتاً لاستكمال هذه العملية، ومن الأهمية بمكان أن يتعامل الناس خلالها بصبر وتسامح مع بعضهم، مدركين أن الكل الذي يبنيه السودان بوصفه أمة سيكون أقوى من من الأجزاء الفردية” لإنجاز هنا أو هناك.
لكن على الجانب الآخر، احتج نشطاء أمام قاعة الصداقة التي ألقى فيها مالباس كلمته، ورفعوا شعارات تحتج بعنف على سياسات البنك.
وقال أحد المتظاهرين: “نحن ضد سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي فرضت شرطها على بلادنا وأدَّت إلى إجراءات التقشف ورفع الدعم الذي تسبب في ضغوط شديدة الوطأة على المواطنين العاديين”.
هل فهم العسكريون الرسالة الدولية؟
عزا صلاح الدين الدومة، أستاذ العلوم السياسية، التوترات المتزايدة حالياً في البلاد إلى توازن القوى غير المستقر بين القيادة العسكرية المدنية، خاصة أن الفترة الانتقالية تدخل نصفها الثاني.
كما أعرب الدومة عن اعتقاده بأن الضامنين الدوليين هرعوا إلى السودان خوفاً من تهديد الانتقال الديمقراطي في البلاد، وأن الزيارات ترسل رسالة واضحة للجيش بوقف أي تحرك محتمل ضد هذا الانتقال.
وقال الدومة لموقع MEE البريطاني: “إن الدولة العميقة لأعوان البشير متخفية في أوساط الجيش ولا تزال موجودة بين أفراده. لذلك يتعين على الغرب زيادة ضغوطه على الجيش من أجل إصلاح حاسم للجيش والقطاعات الأمنية في البلاد. لكن علينا أن نقول إن شعب السودان هو خط الدفاع الأول عن حماية التحول الديمقراطي”.
وخلص الدومة إلى أنه “سواء كان الانقلاب العسكري المزعوم صحيحاً أم ملفقاً، فإنه يعطي مؤشراً قوياً على أن الديمقراطية في السودان على مفترق طرق، وأن أي فصيل عسكري أو مدني قد يخطفها” ويقضي عليها.