بعد اعتذار دمشق عن استقبال وفد بيروت… ما عوائق ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا؟

في ظل الظروف الدولية وأزمات الطاقة العالمية، أطلق لبنان محاولة لبدء مفاوضات ترسيم الحدود مع سوريا، بعد نجاح خطوة مماثلة مع إسرائيل الأيام الماضية.

المحاولة اللبنانية، والتي كان يأمل في نجاحها الرئيس اللبناني ميشال عون، قبل انتهاء ولايته الرئاسية، باتت مؤجلة، بعد اعتذار دمشق عن عدم استقبال الوفد اللبناني بسبب ارتباطات مسبقة.

وقال السفير السوري لدى لبنان علي عبد الكريم عقب لقاء الرئيس اللبناني، في قصر بعبدا، إنه “حدث إلتباس في الاتصال بين الرئيسين عون والأسد حول موعد زيارة الوفد دمشق”.

وأضاف أنه طلب من رئيس الوفد اللبناني، إلياس بو صعب، إرسال كتاب لتحديد موعد للزيارة ووصل متأخرا، لذلك لم يلغ اللقاء بل تأجل بسبب عدم توافر الوقت عند الجانب السوري.

وأوضح عبد الكريم: “الموعد لم يتحدد ولم يناقش ولكن أُعلن من لبنان وبالتالي جاء الرد وهو لم يلغ إنما قيل إنه سيتفق عليه لاحقا”.

وفي هذا الصدد تساءل المحلل السياسي السوري، فريد سعدون عن الأسباب التي قد تدفع سوريا بقبول ترسيم الحدود مع لبنان في ظل الوضع الحالي، والأزمة الدولية التي يعيشها العالم، وقال إن من المستبعد أن توافق دمشق على الترسيم في وقت تعيش فيه المنطقة أزمة طاقة دولية.

وبحسب حديثه لـ”سبوتنيك”، دفعت أزمة الطاقة العالمية بعض الأطراف إلى توقيع اتفاقيات ترسيم الحدود فيما بينها، من أجل مد أوروبا والدول التي تحتاج للطاقة بالغاز، في ظل الأزمة الأوكرانية.

وأوضح أن اتفاق سوريا ولبنان على ترسيم الحدود كان لا بد أن يكون قبل اتفاق لبنان وإسرائيل، على أن تقوم الدولتان بالذهاب معا لترسيم الحدود مع إسرائيل بعد الاتفاق فيما بينهما أولا، بيد أن ما حدث عكس ذلك، ونجحت إسرائيل في الانفراد بلبنان وتنفيذ مصالحها.

وتابع: “خط الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل، يصب في صالح الاحتلال، حيث تراجع قليلا ضمن المياه الإقليمية اللبنانية، فالتمدد الإسرائيلي كان على حساب الحدود اللبنانية، وهو ما لم يمكن أن تقبل به سوريا”.

ويعتقد سعدون أن سوريا لن توقع اتفاق ترسيم الحدود في ظرف تتعرض فيه لضغوط إقليمية ودولية، وهذا الأمر مؤجل بالنسبة لها، إلى أن تستطيع تحقيق جميع مصالحها من خلال أي اتفاق لترسيم الحدود بين الدول في المنطقة.

وبين أن هذا الأمر يتعلق بالسيادة وموارد الطاقة الضخمة التي اكتشفت في البحر المتوسط لذلك أي استهانة بهذا الأمر سيكون على حساب الشعب السوري، وهو ما لا يمكن أن تقبل به الحكومة في الوقت الراهن.

بدوره اعتبر سركيس أبو زيد، أن إلغاء سوريا لموعد الزيارة اللبنانية من أجل ترسيم الحدود، جاء بسبب خلل تقني، حيث لم يكن هناك أي اتفاق مسبق بينهما على الموعد، لذلك اعتبرت دمشق أن الزيارة تأتي في وقت غير مناسب، لذا يبدو ظاهريا أن السبب اعتبارات تقنية بروتوكولية، على حد قوله.

وبحسب حديثه لـ”سبوتنيك”، فمن الناحية الإجرائية فإن لبنان دخل في بداية نهاية العهد الحالي، ولا يمكن إجراء مفاوضات وتفاهمات بينه وبين سوريا من أجل ترسيم الحدود البحرية في وقت ضيق، وخلال ساعات، وفي مرحلة انتقالية لا أحد يعرف مستقبلها، أو يمكنه تحديد نتائجها.

وفيما يتعلق بوجود أزمة بين سوريا ولبنان حول هذه القضية، قال إن السلطات السورية أكدت أنها أجلت الموعد ولم تلغه، وهو ما يعني أنها موافقة على البدء بمفاوضات ترسيم الحدود لكنها غير موافقة على الموعد الذي لم يتفق عليه ولم تجهز آلياته وجدول أعماله.

ويرى أبو زيد أن رغم تعدد الأسباب، يبقى الأكثر واقعية ذلك المتعلق بالمرحلة التي يمر فيها لبنان، من نهاية عهد الرئيس ميشال عون، ما دفع السلطات السورية للتريث لاستطلاع المرحلة الجديدة، وتحديد كيفية التعاطي معها.

مفاوضات صعبة

في السياق، قال أسامة وهبي، الناشط المدني اللبناني، إن ترسيم الحدود مع سوريا أصعب بكثير من الترسيم مع إسرائيل “لأن الحكومة السورية تنظر إلى لبنان بطريقة مختلفة، ولا تعتبرها دولة مستقلة ذات سيادة، والبعض منهم يعتبر أن لبنان خطأ تاريخي وأن هناك الكثير من المحافظات اللبنانية هي في الأصل تابعة لسوريا”.

وأضاف حديثه لـ”سبوتنيك”، أن سوريا لا تعتبر لبنان متنفسا لها الآن، ولن تذهب بهذه السهولة لترسيم الحدود، بيد أن الرئيس اللبناني تحمس بعد نجاح الترسيم مع إسرائيل، وكان يرغب في تسجيل إنجازات جديدة قبل انتهاء عهده.

الرئيسين السوري واللبناني – سبوتنيك عربي, 1920, 25.10.2022

سوريا تقول إنها اعتذرت عن عدم استقبال الوفد اللبناني لبحث ترسيم الحدود البحرية بسبب ارتباطات مسبقة

أمس

وأوضح أن الرئيس اللبناني ميشال عون شكل وفدا لبنانيا واتصل بالرئيس السوري بشار الأسد، وأعلن البدء في عملية التفاوض من أجل ترسيم الحدود البحرية، دون انتظار الموافقة السورية، وهو ما اعتبرته دمشق خارجا عن لياقات التعاطي بين الدول، ورفضت شكلا ومضمونا هذه الدعوة، حيث ترى أنها من يجب أن يحدد موعد بدء المفاوضات، بحسب وهبي.

وعلى الجانب اللبناني – والكلام لا يزال على لسان وهبي- لا يريد حزب الله في هذه المرحلة أن يفتح عليه الأبواب الدولية، خاصة في ظل التداعيات السياسية الكبيرة التي ستقع عليه بعد عملية الترسيم، وكذلك ترفض الحكومة السورية هذا الأمر بالمرحلة الحالية، حتى لا تفتح عليها بابا هي في غنى عنه بالوقت الراهن.

وأعلنت الرئاسة اللبنانية، في وقت سابق، عن إرسال وفد إلى العاصمة السورية دمشق، لمناقشة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسوريا. لكن ذكرت وسائل إعلام لبنانية، أنه وصل كتاب من الجانب السوري إلى وزارة الخارجية اللبنانية يعتذر عن استقبال الوفد اللبناني لترسيم الحدود​ لارتباطات مسبقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى