بعد عدة وفيات… كشف أصل وبنية الأسماك السامة التي تغزو الشواطئ السورية

تتكرر حالات الوفاة في الساحل السوري نتيجة تناول سمك البالون السام أو كما تسميه العامة (النفيخة)، ففي عشرة أيام تقريباً توفي 4 أشخاص بينهم طفلة، وتسمم آخرون جراء تناولهم سمكة البالون.

ولا يزال الخوف قائماً نتيجة جهل عدد كبير من الأهالي بحقيقة هذه السمكة السامة.

جهل أهالي اللاذقية لسمكة البالون، عزاه الدكتور أديب سعد، أستاذ البيولوجية البحرية في جامعة تشرين في اللاذقية ورئيس اللجنة الوطنية في علوم البحار، في حديثه إلى أن السمكة غريبة عن البحر المتوسط، وهي مهاجرة من البحر الأحمر والمحيط الهندي وبحر الصين، وقد بدأت تغزو شواطىء المتوسط بشكل كبير حيث تمت الإشارة إلى وجودها في جزيرة كريت في اليونان، وفي شواطىء أنطاليا في تركيا، وقناة السويس في مصر، وفي خليج قابس بتونس، وقد تم تسجيله لأول مرة في المياه البحرية السورية عام 2004.

والسبب وراء غزوها مياه البحر المتوسط، رده سعد الى التغيرات المناخية، التي أدت إلى تغيير الخصائص البيئية للمياه حيث ارتفعت درجات حرارة مياه البحر المتوسط، وأصبحت أكثر دفئاً، ما جعل يرقات هذه الأنواع من الأسماك تتأقلم في مياه المتوسط بسرعة كبيرة وتتكاثر بشكل كبير جداً.

وشملت هذه الأحياء المهاجرة، بحسب سعد، العديد من الأنواع السامة والمؤذية للإنسان والبيئة البحرية، وقد أظهرت الدراسات والبحوث، بالإضافة للحوادث المتكررة، وجود عدد كبير من الأسماك السامة بشكل أو بآخر، فاما أن تحوي السم في لحمها فتسبب التسمم عند أكلها، أو من خلال الجروح التي تسببها، أو أنها تنتج السم وتنقله للإنسان من خلال الاحتكاك بها أو التعامل معها، أو من خلال عضها لأي جزء من جسم الإنسان.

وعلى إيقاع تزايد حالات التسمم وتسجيل أربع حالات وفاة، قام سعد بالتعاون مع الدكتور غياث معروف بإعداد أطلس بعنوان “أطلس الأسماك السامة والمؤذية في المياه البحرية السورية” حيث صنف ووثق فيه الأنواع السمكية البحرية التي تعيش في المياه الاقليمية السورية والتي تسبب أضراراً ابتداء من الضرر الخفيف والحساسية حتى الضرر المميت، وتم وتقديم شرح علمي لكل خطر أو ضرر بما فيها السموم التي تحتويها بعض الأنواع.

وأشار سعد إلى أنه تم توثيق 9 أنواع سامة بلحمها تسبب التسمم للإنسان من خلال تناول لحمها، 3 سامة بدمها، 13 نوع من الأسماك العظمية المؤذية والسامة من خلال الوخز واللسع بالاشواك السامة، 4 أنواع من الأسماك الغضروفية المؤذية عن طريق اللسعة السامة بالأشواك الموجودة على جسمها وخاصة الذيل، كما تم توثيق 4 أنواع من الأسماك الكهربائية وهي التي تنتج الكهرباء عن طريق الأجهزة والأنسجة العضلية المتخصصة.

في الوصف العام لسمكة البالون، يشرح سعد أنها سمكة خطرة تنفخ نفسها عند الشعور بالخطر استعداداً للهجوم ويحدث التسمم بها في حال أكلها ولكن مع هذا تؤكل لحمها في اليابان وكوريا ويتم طبخها على يد متخصصين في هذا المجال، وقد سميت بالبالون أو (النفيخة) لأنها تنفخ نفسها تحت الماء فتصبح كالبالون، خاصة إذا ما اقترب منها أي كائن آخر، وتمتلئ بالشوك، بالإضافة إلى امتلاكها أربعة أسنان تجعلها ذات قضمة مؤذية جداً، ما يتسبب بقطع شباك الصيادين.

ويبين سعد أن سمكة البالون تحتوي على سم “تيرودوتوكسين” وهو موجود تحت الجلد وفي الكبد والمناسل، وقد كشفت دراسات عدة في عام 2009 أن الأفراد الأصغر عمراً في السمكة، ذات الطول الكلي أصغر من 16 سم، تحوي كمية منخفضة من السم أو لا تحوي السم على الإطلاق، كما تتباين أفراد النوع من عديمة السمية الى شديدة السمية وهذا الاختلاف يمليه الحجم فالأفراد الأصغر حجماً وعمراً تكون أقل سمية من الافراد الأكبر، حيث تتزايد السمية مع تقدم العمر. وقد وصف هذا النوع بأنه سمك غير صالح للأكل نظراً لسميته العالية وفقا للوائح اليابانية التي تعتبر البلد الأكثر تفضيلا فيما يتعلق باستهلاك أنواع أسماك البالون.

وأوضح سعد أن المادة السمية الموجودة في هذا النوع من السمك تعتبر أقوى من الزرنيخ بـ10 آلاف مرة، فكل 0.75 ملغ من هذه المادة قادرة على قتل شخص بوزن 70 كلغ، أما إذا كانت قليلة السمية فتتم معالجة المريض بالمشفى حصراً عن طريق دعم هوائي باكر للقلب وإفراغ المعدة من السوائل.

وحسب سعد، تبدأ أعراض الإصابة بالسم بالظهور عموماً خلال فترة تتراوح من 10 – 45 دقيقة بعد أكل السمك ومن الأعراض توخز حول الفم سيلان اللعاب، غثيان، تقيؤ، شلل، فقدان الوعي، فشل تنفسي، ويمكن أن يؤدي إلى الموت، مؤكداً عدم وجود دواء نوعي لها “ترياق” حتى الآن.

وللوقاية من التسمم، نصح سعد بعدم صيدها واستهلاكها، ولكن إذا كان لا بد من أكلها فيجب نزع الكبد والجلد والمناسل ولبس القفازات عند فعل ذلك خشية أن يتسرب السم لأي جرح في اليد، حيث أن سم السمكة لا يوجد في كل أجزاء جسمها بل يتراكم على الأعضاء المحددة المشار إليها فإذا أكل المرء سمكة البالون من دون هذه الأجزاء غدت نوعاً عادياً من لحم السمك، مستدركاً: إلا أنه يفضل استبعاده نهائيا ويمكن القول إن الحياة معلقة بين أصابع الطهاة.

وأكد سعد أن سمك البالون محظور بيعه بسبب السمية الشديدة الموجودة فيه والتي قد تكون قاتلة، مبيناً أن حالات التسمم تحدث إما نتيجة صيدها دون معرفة حقيقتها أو من خلال بيعها في السوق كسمك مسلوخ ومثلج على أساس أنها سمك فيليه، بحيث لا يستطيع الزبون معرفة نوعها.

كما أشار سعد إلى صدور تعميم عام 2010 في محافظتي اللاذقية وطرطوس، يطلب من مديريات الزراعة التخلص من أسماك البالون وإتلافها وعدم بيعها تحت طائلة المساءلة القانونية بحق المخالفين وخاصة بعد حدوث العديد من حالات التسمم والوفاة فيها.

عدد من الصيادين أكد وجود هذ النوع من الأسماك السامة في الساحل السوري، إذ يقول الصياد خالد : أعمل بمهنة الصيد منذ أربعين عاماً، ولم أر مثل هذا النوع من السمك في مياهنا إلا منذ عشر سنوات عندما ظهرت فجأة بشباكي، ولما سألت عنها في الهيئة العامة للثروة السمكية قالوا لي إنها سامة، وأنه يجب علي إتلافها عند اصطيادها.

بدوره، بيّن الصياد نبيل أن هذه السمكة عدا عن أنها سامة، فهي مؤذية حتى لشباك الصيد حيث تخربها بأسنانها عندما تعترضها، ناهيك أنه من النادر أن تقع في شباكنا سمكة من هذا النوع إلا ونعثر في أحشائها على سمكة أخرى، وكذلك نرى أيضاً بقايا وآثاراً لتقطيع شباك الصيادين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى