تبعد عن اليونان 500 كلم وعن تركيا كيلومترين.. قصة الجزيرة اليونانية الصغيرة التي يرغب سكانها بالذهاب لتركيا؟

يستطيع الناظر من قضاء “قاش” في ولاية أنطاليا، جنوبي تركيا، رؤية السيارات التي تسير في جزيرة ميس اليونانية، التي يعتبر سكانها القضاء التركي مركزاً لأنشطتهم اليومية وتلبية احتياجاتهم الحيوية.

جزيرة “ميس” (كاستيلوريزو) التي تعرف بالتركية باسم “قزل حصار” تبلغ مساحتها 7.3 كيلومتر مربع، وتقع شرقي البحر المتوسط، على بعد 2.1 كيلومتر عن الساحل التركي، و582 كيلومتراً عن البر الرئيسي اليوناني، والجزيرة نفسها ليست محل خلاف بين تركيا واليونان، ولكن تحديد الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية للجزيرة هما محل الخلاف.

وبسطت اليونان نفوذها على الجزيرة التي كانت في فترة سابقة تحت الحكم العثماني، بموجب اتفاقية باريس لعام 1947، وهذا بعد أن كانت خاضعة للاستعمار الفرنسي بين 1913 و1915، ثم البريطاني منذ 1921 حتى الحرب العالمية الثانية.

وتصدَّرت جزيرة “ميس” الخلافات بين أنقرة وأثينا مؤخراً، عقب إرسال اليونان حشوداً عسكرية إليها، في خطوة تخالف الاتفاقيات الدولية المنظمة لوضع الجزيرة، التي تنص على أن تكون منزوعة السلاح.

ولكن من يستمع لوسائل الإعلام الغربية يشعر كأن المنطقة على حافة الحرب، وأن الشعبين لاعلاقة بينهما.

لكن الواقع مختلف تماماً؛ إذ لدى سكان القضاء التركي والجزيرة علاقات جيدة فيما بينهما منذ سنوات طويلة، وقد اعتاد سكان “ميس” قبل تفشي وباء كورونا تلبية جميع احتياجاتهم الحيوية واليومية من قضاء قاش.

جزيرة ميس تبعد البر اليوناني الرئيسي نحو 500 كلم/wikipedia

وقبل الجائحة كان اليونانيون الذين يعيشون على الجزيرة يأتون إلى قاش كل يوم تقريباً خلال فصل الصيف، ومرة أسبوعياً في فصل الشتاء، لقضاء حاجاتهم الحيوية.

تقع الجزيرة اليونانية على بعد كيلومترين من بلدة “قاش” التركية، الواقعة في محافظة أنطاليا في الجهة المقابلة. وكانت لسنوات قبلة للسياح الأتراك، إلا أن الأزمة الصحية العالمية التي تسبب فيها فيروس كورونا أثرت في الاقتصاد المحلي للجزيرة بشكل كبير.

 ومع غلق اليونان لحدودها مع تركيا، انقطعت الجزيرة عن محيطها التركي، إذ لم يعد بإمكان سكان الجزيرة، البالغ عددهم 500 نسمة، الذهاب إلى البلد الجار لقضاء حاجياتهم في رحلة بحرية لا تتجاوز 20 دقيقة، وأصبحوا مجبرين على تحمل عناء السفر خلال ثلاث ساعات للتوجه إلى الداخل اليوناني لأجل نفس الهدف. علماً أن الجزيرة لا يفصلها عن تركيا إلا كيلومتران اثنان فقط وأكثر من 580 كلم عن اليونان.

علاقات ودّية

قائمقام قضاء قاش في أنطاليا، شعبان أردا يازجي، قال للأناضول إن الناظرين من قاش باتجاه ميس يستطيعون رؤية جميع تفاصيل الحياة في الجزيرة بوضوح تام، بما في ذلك حركة البشر والمركبات.

وأضاف يازجي أن سكان الجزيرة والقضاء يمتلكون علاقات مميزة، تسودها أجواء حسن الجوار، وأن سكان ميس يأتون إلى قاش بشكل مستمر ومنذ سنوات طويلة.

وأكد أن الود يسود العلاقات بينهما منذ سنوات، كما يزداد عمق العلاقات بسبب الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتجارية التي تربط المجتمعين.

وأشار يازجي إلى أن “سكان ميس يعتمدون على قضاء قاش في كل شيء تقريباً، ونحن بدورنا نقدم جميع الخدمات الممكنة لسكان الجزيرة، شأنهم بذلك شأن مواطنينا”.

وذكر أن سكان ميس كانوا يتجولون في أسواق القضاء بكل حرية قبل تفشي وباء كورونا، ويشترون احتياجاتهم اليومية من الأسواق الشعبية ومحلات البقالة، ويجلسون في مقاهي قاش، ويزورون صالونات الحلاقة.

جزيرة ميس اليونانية تعاني أوقاتاً عصيبة في ظل كورونا

لفت يازجي إلى أن سكان الجزيرة البعيدة عن البر الرئيسي اليوناني واجهوا أوقاتاً عصيبة خلال مرحلة تفشي فيروس كورونا، وما زالوا يجدون صعوبة في تلبية احتياجاتهم.

وأشار يازجي أن القرب الجغرافي الشديد بين قضاء قاش وجزيرة ميس طوّر العلاقات الاجتماعية والثقافية، وخلق تقارباً ملحوظاً بين السكان المحليين.

وأوضح يازجي أن “سكان ميس يخبرون أصدقاءهم في قضاء قاش، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، رغبتهم في القدوم مجدداً إلى القضاء التركي من أجل تلبية احتياجاتهم اليومية، وأنهم ينتظرون انتهاء كورونا بفارغ الصبر”.

مشهد لجزيرة ميس اليونانية/ wikipedia

وقال: “يحتاج سكان ميس قضاء قاش في كل جانب من جوانب الحياة، هذا ما يقولونه بأنفسهم. بالطبع نحن ندعمهم في تلبية احتياجاتهم، هذه هي المهمة الأساسية التي تفرضها علينا عاداتنا وتقاليدنا وأعراف دولتنا”.

وأشار يازجي إلى أن تفشي وباء كورونا أضر بسكان ميس أكثر من غيرهم، وأصبحت الجزيرة الآن بمثابة سجن مفتوح لأهاليها، ولهذا السبب يشعر سكانها بالقلق وينتظرون انتهاء الوباء في أسرع وقت ممكن.

نحتاج إلى الخضراوات التركية

بدوره قال حسين أوجار، صاحب محل للخضراوات والفاكهة في قاش، إن أهالي ميس كانوا يأتون إلى المنطقة كل يوم قبل انتشار الوباء، مؤكداً أن العلاقات بينهم ودّية للغاية.

وأضاف: “نلتقي باستمرار من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. كانوا يأتون ويشترون احتياجاتهم من خضراوات وفواكه طازجة كل يوم تقريباً في فصل الصيف. إنهم يحبوننا ونحن نحبهم”.

وقال مصفف الشعر بيرم أيدوغو، للأناضول، إن لديهم علاقة جيدة مع سكان ميس، وإن هذه العلاقات مستمرة منذ سنوات طويلة.

وأضاف أنه يتحدث بالفيديو مع أصدقائه الذين يعيشون في ميس، مشيراً إلى أن سكان ميس يريدون زيارة قاش مجدداً، ورفع القيود المفروضة على خلفية انتشار الوباء في أسرع وقت ممكن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى