تجاهل قيس سعيّد للإعلام التونسي يثير الغضب
من الغموض إلى عدم الاعتراف.. هكذا تدرجت مواقف الرئيس التونسي قيس سعيّد تجاه إعلام بلاده الذي قاطعه بشكل شبه تام منذ حملته الانتخابية وبعد فوزه، بحسب ما رأى مراقبون تونسيون.
هذا التجاهل فجر الجدل في تونس، خاصة في صفوف وسائل الإعلام التي وصفت موقف سعيد بـ”المتحيز”، معتبرة أنه لا يليق برئيس التونسيين بمختلف انتماءاتهم السياسية، خاصة أنه فضّل قناة “الجزيرة” القطرية لتكون أولى منابره الإعلامية بعد الفوز.
المشهد بدا شبيها بالسنوات التي تلت احتجاجات 2011 والتي تسابق فيها الكثير من السياسيين والمسؤولين التونسيين على الإعلام الأجنبي، و”الجزيرة” تحديدا، مقابل رفض التعامل مع الإعلام التونسي، بينهم المنصف المرزوقي الذي يرى البعض أن سعيّد نسخة منه في هذا الجانب.
وخلال حملته الانتخابية، قاطع سعيّد الإعلام التونسي قبل أن يجري مقابلة مع التلفزيون الرسمي في محاولة لإبعاد شبهة معاداة الإعلام المحلي عنه، لكنه عاد إلى نهجه بعد وصوله إلى قصر قرطاج، حيث لم يعقد مؤتمرا صحفيا واحدا منذ وصوله إليه.
حتى المرة الوحيدة التي وجد فيها نفسه وجها لوجه مع الإعلام المحلي كانت عند زيارته إلى مدينة القيروان بذكرى المولد النبوي الشريف، لكن حتى في هذه المناسبة حرص سعيّد على “احتجاز” الصحفيين على بعد أمتار عنه، ليقف هو خاطبا في الجموع رافضا الاستماع لأسئلة السلطة الرابعة.
مقاطعة ممنهجة
واعتبر المحلل السياسي التونسي محمد بوعود أنه “منذ الساعات الأولى لإعلان مروره للدور الثاني للانتخابات الرئاسية، حرص سعيّد على أن يكون أول ظهور له في قناة الجزيرة القطرية، وقطع كل اتصال له بالإعلام المحلي حتى العربي والدولي، ولم يظهر إلا في المناظرة التلفزيونية، وبعد انتخابه كان له حوار يتيم على القناة الوطنية”.
وأضاف بوعود، في حديث لـ”العين الإخبارية”، أن “هذا التوجّه لا يختلف فيه سعيّد كثيرا عن الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، ولا عن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي”.
وتابع أن جميع هؤلاء “يشعرون في داخلهم أن قناة الجزيرة ذات فضل عليهم، وأنها الوحيدة التي ستوصل صوتهم إلى جمهورهم في الداخل، باعتبار أن باقي الجمهور “المختلف” قاطع القناة في أغلبه”.
ولفت إلى أن “هذا اللجوء إلى الجزيرة دائما كأول منبر أو المنبر الذي يمنحونه التصريحات المهمة، فيه نوع من الاعتراف أو ردّ الجميل لمن ساند ودعم” الاحتجاجات التي قوضت استقرار البلاد قبل سنوات.
“الجملي” على خطى “سعيد”
أما رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي، فلم يبتعد كثيرا عن هذا الخط، وفق الخبير التونسي، الذي أشار إلى أن الأخير “انخرط مباشرة في لعبة التوجه للإعلام القطري أولا، واختار طبعا الجزيرة، وربما للأسباب نفسها، فهو تقريبا من المدرسة نفسها”.
محمد بوعود تطرق أيضا إلى “حملات شيطنة” قال إنها “لا تنقطع ضد الإعلام الوطني، وتصوره على أنه غير ملتزم وغير منضبط، وما يبثه المحيطون بالمسؤولين في تونس من أن الإعلام المحلي سيحرجه بالأسئلة وسيفحمه بما لا يريد الإجابة عنه ربما”.
ومن هنا، يضيف المحلل السياسي “يجد سعيّد والجملي وغيرهما في “الهروب إلى قناة تطرح عليهم أسئلة على مقاس أهوائهم، وتخرج أجوبتهم في شكل خطاب “ثوري” كاذب يدغدغ عاطفة الجماهير”.
نقابة الصحفيين تستنكر
والثلاثاء، استنكرت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين منع الصحفيين من تغطية لقاء جمع قبل يوم “الجملي” مع “يوسف الشاهد” المكلف بحكومة تصريف الأعمال، منددة بـ”الضرب الواضح لحرية العمل الصحفي وحق التونسيين في الحصول على المعلومة”.
كما أعربت النقابة، في بيان، عن خشيتها من أن تكون حالة التكتم التي رافقت هذا اللقاء “أحد مقومات الخطة الاتصالية لرئيس الحكومة المكلف، وسعيا منه للتعتيم على مسار المشاورات” التي انطلقت رسميا.
وطالبت الجملي بـ”وضع خطة اتصالية واضحة للتواصل مع وسائل الإعلام، تضمن للشعب حق الحصول على المعلومة بطريقة دقيقة وواضحة ومتواترة”، مؤكدة أن “محاولة التعتيم هي تكريس لغياب الشفافية في مسار المشاورات التي ستؤثر مباشرة على مستقبل الديمقراطية في تونس”.