تجميد رفع الأجور وزيادة أسعار المواد الأساسية.. هل بدأت مصر فعلا في تطبيق سياسة “إقتصاد الحرب”؟
واقتصاد الحرب عبارة عن مجموعة من التدابير التي تتخذها الحكومة، إذا كانت هناك إمكانية اللجوء إلى الحرب، منها الزيادة في المعدلات الضريبية، تخصيص ميزانية جديدة لدعم المجهود الحربي، وطرح برامج تخصيص الموارد.
وصوب المسؤول المصري تصريحه بإمكانية اللجوء إلى “اقتصاد الحرب” بعد أن قاد التصريح لخسائر فادحة في البورصة المصرية خلال الأسبوع الماضي، وأوضح المسؤول المصري أنه لم يقصد بحديثه عن اقتصاد الحرب بأن مصر ستدخل في حرب.
وقال مدبولي إن مصطلح “اقتصاد حرب” لا يعني أن مصر ستخوض حربًا بالفعل، إذ إن ثوابت الدولة المصرية عدم خوض الحروب إلا إذا هُددت بصورة مباشرة أو تعرضت لتهديد مباشر لحدودها ومقدراتها الرئيسية، فيما عدا ذلك فمصر تسير بأسلوب متوازن وثوابت واضحة”.
وأوضح رئيس الحكومة المصري أن حديثه عن مصطلح اقتصاد الحرب “لا يعني أن مصر ستدخل حرباً، ولكن توجيه موارد الدولة لتأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وقواتنا المسلحة للدفاع عن الوطن إذا حدث تهديد مباشر”.
وتابع رئيس الحكومة المصري قائلاً: “يجب أن تكون لدينا سيناريوهات في حال تفاقم الحرب الدائرة بالمنطقة”، مضيفاً “تعلمنا من حرب غزة التحسب لكل السيناريوهات الموجودة”.
غير أن ذلك لم يمنع من انكشاف قدر مهم من التوجهات الاقتصادية المقبلة التي تنوي الحكومة المصرية اتخاذها في ظل “اضطرابات الأوضاع في المنطقة” وتأثيرها على الاقتصاد المصري، وهو ما يستهدف التخفيف من حدة الانتقادات الموجهة إليها.
ما هي الخطوات التي ستتخذها مصر في “اقتصاد الحرب”؟
كشف مصدر حكومي مطلع أن استخدام مصطلح “اقتصاد الحرب” في هذا التوقيت يستهدف التأكيد على اتخاذ مزيد من الإجراءات الصعبة خلال الأيام المقبلة، وأن المؤشرات جميعها تقود إلى ذلك.
وأضاف المصدر نفسه في تصريح لـ”عربي بوست” أن الحكومة سوف تمضي في تنفيذ برنامج الإصلاح الذي تنفذه مع صندوق النقد الدولي، والذي يطالبها باتخاذ المزيد من التدابير من المؤسسات الاقتصادية الحكومية وخفض فاتورة الدعم.
كما أضاف مصدر “عربي بوست” أن هناك معلومات عن بوادر أزمة طاقة تلوح في الأفق سوف يترتب عليها زيادات مضطردة في أسعار الوقود عالمياً ومحلياً أيضاً، إلى جانب تخوفها من حدوث مشكلات نقدية تتعلق بالسيولة الدولارية مع ارتفاع تكاليف أسعار المنتجات المستوردة حال اشتعلت الأوضاع بشكل كامل في منطقة الشرق الأوسط.
وكشف المصدر ذاته، أن خطة الحكومة التي وضعتها في السابق بشأن الرفع التدريجي للدعم عن الوقود شهدت مراجعة في الفترة الماضية ليتم ربطها بمعدلات ارتفاع أسعار النفط العالمية وتم الاتفاق على زيادات بمعدلات مرتفعة عن المرات السابقة، مع وجود تنبؤات بإمكانية انتقال الصراع الدائر حالياً من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط أيضاً وقد يؤثر ذلك على استثمارات القاهرة في التنقيب عن الغاز الطبيعي.
وكانت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية المعنية بمراجعة وتحديد أسعار بيع المنتجات البترولية قد اجتمعت وتم اتخاذ قرار بزيادة أسعار المنتجات البترولية اعتباراً من يوم الجمعة 18 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
وتابع المصدر دفاعًا عن القرار الذي تم اتخاذه في ظروف اقتصادية قاسية يمر بها المصريون قائلًا “إن مصر تضع في اعتبارها الصعوبات المترتبة على اضطراب أسعار النفط على مستوى مدى قدرتها على تحمل فاتورة هذه الزيادة أو على مستوى قدرتها على استيراد كميات إضافية تكفي الاستخدام الداخلي”.
بينما تجاهل المصدر سؤالنا عن الغضب الشعبي جراء الزيادة التي حدثت والتي ستؤثر على أسعار جميع السلع المقدمة للمواطنين، تحدث عن خطة الحكومة خلال الفترة القادمة، حيث إنها تنوي استيراد كميات كبيرة من القمح والزيوت والأرز والسكر قبل أن تشهد المنطقة مزيدًا من التصعيد، وبعدها ستقوم الحكومة بالحد من الفاتورة الاستيرادية بشكل كبير بما يساعدها على توفير العملة الصعبة.
وأوضح المصدر أن الوضع صعب والحكومة تدرك أن إبرام صفقات استثمارية كبيرة مثل رأس الحكمة سيكون صعبًا في ظل توتر الأوضاع الحالية في المنطقة واتجاه دول الخليج إلى التقشف وقد يكون هناك جولات استثمارية أو ضخ استثمارات عربية لكن دون أن ينعكس ذلك على امتلاكها العملة الصعبة بشكل يجعلها قادرة على الوفاء بمتطلبات المستوردين سواء كان ذلك من خلال شركاتها الحكومية أو القطاع الخاص.
وتراجع إنتاج آبار الغاز المصرية بشكل كبير خلال الأشهر السبعة الماضية بسبب مشاكل فنية في حقل ظهر بالبحر المتوسط شمال البلاد، لتنتج نحو 4.6 مليارات قدم مكعبة يومياً بدلاً من 5.3 مليارات قدم مكعبة، على أساس سنوي، بينما يرتفع حجم استهلاك الغاز اللازم لتشغيل 75% من محطات توليد الكهرباء والمصانع والاستهلاك المنزلي إلى مستوى 6.2 مليارات قدم مكعبة يومياً.
في الوقت الذي شهدت فيه واردات الغاز من الحقول الإسرائيلية البالغة 1.1 مليار قدم مكعبة يومياً تراجعاً حاداً في الفترة الماضية، بعد تعطل الأعمال في حقلي تمار وليفياثان قبالة السواحل الفلسطينية المحتلة، خشية هجوم إيراني عليهما، وهو ما يدفع لاعتماد مصر على استيراد 1.1 مليار قدم مكعبة من الغاز يومياً، تأمل الحكومة زيادته إلى 1.5 مليار قدم مكعبة بنهاية العام المقبل، 2025.
وكشف مصدر مسؤول بوزارة الاقتصاد، تحدث شريطة عدم الإفصاح عن اسمه، أن الحكومة عندما لمحت عن الاتجاه إلى اقتصاد الحرب كانت تنوي فرض مجموعة من الإجراءات الاستثنائية على الاقتصاد المصري يتم الإعلان عنها في وقت واحد على أن يتم ربطها بالاضطرابات الإقليمية.
غير أنها تراجعت بعدما تسببت تصريحات رئيس الحكومة في خسائر للبورصة، لكنها سوف تقدم على اتخاذ خطوات منفردة دون أن توضح الهدف منها وفي الأغلب سيكون الربط بتوصيات صندوق النقد الدولي.
وشهدت البورصةُ المصريةُ خسائرَ سوقيةً بلغت 60 مليار جنيه خلال جلستي الخميس والأحد الماضيين، بعد تصريحات مدبولي، والتوترات القائمة في المنطقة، قبل أن تسترد البورصة جزءًا من خسائرها بقيمة 17 مليار جنيه خلال الأيام التي تلت ذلك.
وأشار المصدر ذاته إلى أن تأثر سلاسل الإمدادات حول العالم يُنذر بوجود أزمة في توفير السلع والاحتياجات الأساسية، ومن المتوقع أن يتم الإعلان بشكل صريح ومعلن عن وقف استيراد كثير مما يُوصَفُ بـ”السلع الاستفزازية” غير الضرورية.
ولفت إلى أن توفير كميات كبيرة من الغذاء والمحاصيل لعدة أشهر لم يعد كافيًا الآن لأن احتياجات المواطنين تضاعفت بفعل الزيادة السكانية واستمرار توافد اللاجئين، وأن البديل الترويج لسياسات ترشيد استهلاك السلع، إلى جانب توجيه الإنفاق للمجالات الأكثر أهمية ووضع القيود على كثير من الأنشطة غير ضرورية وبعض الأنشطة الأساسية، وتحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة، مع تقليل الهدر.
وأكد المصدر أن مصر دخلت بالفعل اقتصاد الحرب منذ أن تراجعت عائدات قناة السويس ومع تراجع الإنتاج المحلي وتعنت إسرائيل في توريد الغاز إليها، إلى جانب الإصرار الروسي على توريد القمح بأسعار مرتفعة مع إدراكها لما سوف يشهده العالم خلال الفترة المقبلة.
وشدد على أن توجيه الإنفاق نحو المتطلبات الحيوية للأجهزة الأمنية والعسكرية أيضًا لا جدال فيه خاصة وأن مصر أصبحت لديها انخراط أكبر في الصراعات الدائرة بمنطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي، إلى جانب توجيه بعض أوجه الإنفاق على السلع الغذائية لصالح مضاعفة موازنات استيراد الأدوية وهو ما حدث بالفعل خلال الشهر الماضي وانعكس على تخفيف حدة أزمة الدواء المستمرة من عدة أشهر.
وقال السيسي خلال افتتاح محطة قطارات صعيد مصر بمنطقة بشتيل في الجيزة، السبت 12 أكتوبر/تشرين الأول، إن التجار في مصر يفضلون الاستيراد من الخارج بدلاً من التصنيع محلياً لتجنب الدخول في متاهات تتعلق بتوافر الأراضي أو التمويل أو نقل التكنولوجيا من الخارج، وعدد ما قامت البلاد باستيراده بملايين ومليارات الدولارات.
ولفت إلى أن بلاده استوردت ورق فويل بـ500 مليون دولار (الدولار = 48.52 جنيه)، وجبن بمليار و200 مليون دولار، كما استوردت سيارات بنحو 25 مليار دولار، وتساءل: “بعد كل هذا توجهون اللوم إليَّ وتسألونني لماذا ارتفع سعر الدولار مقابل الجنيه”؟
تقشف يستهدف المواطن فقط
وقال سياسي مصري معارض، إن الحكومة المصرية تمضي في الاعتماد على سياسة التقشف بمفهومها الخاطئ والذي تكون آثاره على المواطنين ولا يظهر في توجهاتها العامة بشأن الاستمرار في تدشين المشروعات القومية والبذخ الحكومي في المكافآت والبدلات للمستشارين وتراجع إجراءات الحد من الفساد.
وفي المقابل، يضيف المتحدث، تُصر الحكومة على أن تطبق سياسة التقشف على المواطنين عبر قرارات زيادة أسعار الخدمات العامة وإن كانت أوضاعهم لا تحتمل ذلك، وبالرغم من وجود العديد من الحلول التي يمكن أن توفر مليارات الجنيهات سنوياً لكن لا يتم اللجوء لها.
وأوضح المصدر ذاته أن حديث الحكومة عن الاستيراد من الخارج والتذكير المستمر بارتفاع أسعار الوقود عالميًا لا يوازيه على الجانب الآخر قرارات مماثلة بوقف مشروعاتها غير الضرورية والتي تعمل بها دون أن تتوقف.
كما أن الحكومة لم تتدخل لمعالجة الأسباب التي قادت لتدهور الأوضاع المعيشية قبل أن تخاطب المواطنين بحديث يمكن وصفه بالمفزع عن “اقتصاد الحرب” لأن تفعيل الحد الأدنى للأجور لم يتم تطبيقه في شركات القطاع الخاص وهؤلاء يشكلون القوة الضاربة في سوق العمل.
كما أن الحد الأدنى الذي لا يتجاوز 110 دولارات لموظفي الحكومة كان بحاجة إلى زيادة أخرى لكن وفق هذه التوجهات فإن ذلك لن يحدث في الوقت الحالي.
وشدد المصدر ذاته على أن “اقتصاد الحرب” يعني هيمنة الحكومة على الخدمات العامة التي تقدمها وفي مقدمتها الصحة والتعليم لكن ذلك عكس التوجهات الراهنة التي تتجه نحو الخصخصة التي تتنافى مع اقتصاد الحرب إذ إن المواطنين سيكون عليهم تحمل تبعات إجراءات اقتصادية صعبة ولن يكون بمقدورهم دفع ثمن العلاج والتعليم الباهظ في الوقت الحالي.
كما أنها لا يمكن أن تتوجه نحو رفع الدعم عن السلع والخدمات وتُحدِّث عن اقتصاد الحرب، الأمر الذي يجعل خطابها يستهدف بالأساس مزيدًا من التحامل على المواطنين وتذكيرهم بشكل مستمر بأن البديل هو الصراعات والحروب التي تحيط بهم في المنطقة.
رفع الأسعار وخفض النفقات
ورفعت الحكومة أسعار عدد من السلع المدعومة للتصدي لعجز الموازنة الذي بلغ 505 مليارات جنيه مصري (10.3 مليار دولار) في السنة المالية المنتهية في 30 يونيو الفائت، كما خفضت قيمة الجنيه بشدة قبل شهور، وسبق أن حصلت مصر من صندوق النقد الدولي بعد المراجعة الثالثة في نهاية يونيو على شريحة قيمتها 820 مليون دولار.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن الإنفاق الحكومي على دعم السلع التموينية قبل عشر سنوات في موازنة 2014/2015 بلغ 39.4 مليار جنيه، بنسبة 5.4% من المصروفات آنذاك (733.5 مليار جنيه)، ونسبة 1.6 من الناتج المحلي الإجمالي، الذي بلغ آنذاك 2.4 تريليون جنيه.
لكن بعد 10 سنوات، ورغم ارتفاع القيمة المقدرة لمخصصات الدعم في العام الحالي 2025/2024 لـ 134 مليار جنيه والتي جاءت مدفوعة بزيادة نسب التضخم وانخفاض قيمة العملة، إلا أنها كنسبة من المصروفات (3.87 تريليون جنيه) انخفضت إلى 3.5%، بنسبة انخفاض 35.2%، وانخفضت كذلك كنسبة من الناتج المحلي المتوقع للعام الحالي (17.1 تريليون جنيه)، لتصل إلى 0.8%، بنسبة انخفاض 50%.
وقد طبقت مصر اقتصاد الحرب قبل نحو 57 عامًا وتحديدًا في الفترة من 1967 وحتى 1973، عندما أعلن الدكتور عزيز صدقي رئيس الوزراء وقتها عن “ميزانية المعركة” التي جاءت بهدف تعبئة الاقتصاد وتنظيمه خلال فترة الحرب، بهدف توفير جميع احتياجات القوات المسلحة خلال فترة الحرب وتمويل المتطلبات الناتجة عنها.
وتضمن ملامح خطة عزيز صدقي، خفض مخصصات المياه والإنارة والانتقالات، سواء بالسكك الحديدية أو بوسائل النقل الأخرى بنسبة 10%، وخفض مخصصات الدعاية والإعلان والحفلات بنسبة 25%، وتخفيض مخصصات الأعياد والمواسم بنسبة 75%.
كما شملت الخطة ترشيد الإنفاق ومراجعة مخصصات الصيانة للمرافق التابعة لوزارات الري والإسكان والبترول وهيئة البريد، وإلزام تلك الجهات بتحقيق خفض إضافي في المصروفات الخاصة بمستلزمات الشراء 2%، و5% لمستلزمات التشغيل.