تخفيض المنحة القطرية لحماس.. رسالة أمريكية لسوريا
سليم يونس الزريعي
جاء تخفيض إمارة قطر ميزانية عناصر وموظفي فرع الإخوان المسلمين في فلسطين (حماس) الذي يسيطر على غزة منذ انقلاب يونيو 2007 ” ليطرح سؤال ما السبب؟ وما الذي أثار حفيظة الدوحة لتعاقب حليفتها حماس الواجهة الإسلامية الوحيدة لها في المنطقة بعد فشلها في العديد من الدول العربية ؟ ومن ثم هل هي “قرصة أذن” ؟ أم أن الأمر يتعدى ذلك، إلى تدفيع كل حماس ثمن تجاوز فرعها في غزة محددات قطر السياسية التي بنت عليها مشروعها فيما يتعلق بموقفها ودورها الوظيفي من بعض الدول العربية، كواجهة وهو الدور الذي بلغ ذروته وظهرت فيه إعلاميا وماليا وفي بعض المواقع عسكريا كعراب وقائد لمشروع ما يسمى بالتغيير الديمقراطي العربي، مع أنها نظام حكم عائلي ريعي ليس له علاقة بقيم الديمقراطية؟
شراء .. المواقف
وربما يرى البعض أن موقف قطر ليس مستغربا ، لأن فرع حركة الإخوان المسلمين فرع فلسطين( حماس) كان قد قبل شرط الشراء القطري مقابل احتضانه وتمويله خاصة بعد انقلابه على السلطة الفلسطينية عام 2007، الذي بموجبه اتخذت الدوحة قرارا استراتيجيا باحتضان حركة حماس وفق محدد: أن أي علاقة لحركة حماس مع أي طرف عربي يجب أن تطلع عليها قطر. وهذا الشرط لا يقف عند عناصر حركة حماس في الدوحة ، ولكن إلى كل عناصر حماس في عموم الشرق الأوسط . وهذا القبول من قبل حماس يعني مراعاة موقف قطر وسياستها العربية. وأن لا يكون مناقضا له.
ووفق منطق التاجر الذي يحرص على استيفاء ما يعتبره حقه، حمَّلت الدوحة حسب مصادر من حماس، قيادة فرع حماس في غزة ، المستفيد الأول من الدعم القطري، مسؤولية عدم تلبية شرط المقابل المادي والدعم السياسي والإعلامي والمعنوي واحتضان قيادة حماس في الدوحة ، ولذلك قررت الدوحة معاقبته بتخفيض المبلغ المخصص كمرتبات لأعضاء التنظيم وموظفي حكومة حماس ، بأن قلصت المنحة الشهرية للحركة وقدرها 30 مليون في الأشهر الأخيرة ومن بينها 10 ملايين دولار لدعم رواتب موظفي حماس، بأن تراجع جزء المرتبات 70%، أي إلى 3 ملايين دولار مؤخرا.
وأرجعت تلك المصدر من حماس(غزة) السبب في تقليص الدوحة المبالغ المقدمة لحماس إلى خطوات التقارب بين فرع الحركة في غزة وسورية، بعد قطيعة بين الطرفين بسبب اتخاذ حماس موقفا منحازا للمعارضة السورية ولمشروع إسقاط الحكم في دمشق. وكان الرئيس السوري بشار الأسد، استقبل في تشرين الأول الماضي وفدا من “حماس” برئاسة نائب قائد الحركة في قطاع غزة، خليل الحية، وذلك بعد قطيعة منذ حوالي 10 أعوام.
الديمقراطية القروسطية
ومع أن فرع الإخوان المسلمين قد انقلب وبشكل دموي على الديمقراطية عبر تصفيه وجود السلطة الفلسطينية في غزة فقد عززت الدوحة وبشكل استثنائي علاقتها مع من نفذ الانقلاب وهو كل حركة حماس، وكانت ذروة ذلك زيارة أمير قطر السابق إلى قطاع غزة في ظل حكومة حماس 2012 التي اعتبرت تدشينا لهذه العلاقة، متجاهلة أن ما جرى في غزة عام 2007 من سيطرة حماس على القطاع كان انقلابا دمويا موصوفا على الديمقراطية، لكن الدوحة لم تعر مدى شرعية أو قانونية ذلك وبما أنتجه من آثار مدمرة على النسيج الوطني الفلسطيني وعلى القضية الفلسطينية، أي اهتمام، كون المهم بالنسبة للدوحة هو أن تنظيم الأخوان بصفته الأيديولوجية والسياسية والتنظيمية قد سيطر على قطعة من أرض فلسطين مهما كانت الوسيلة. وهو ما ينسف كل الادعاءات الدوحة حول دورها في التغيير الديمقراطي فيما سمي بالربيع العربي عام 2011 بكل النتائج الكارثية التي أسفر عنها في العديد من الدول التي كانت محلا للعبث القطري المالي والإعلامي والسياسي وحتى العسكري في بعض المواقع، وكم هو باهظ ذلك الثمن الذي دفعته شعوب تلك الدول جراء تبني ورعاية قطر لتنظيم الإخوان في تلك الدول كي يصل للسلطة. بذريعة تحقيق الديمقراطية وإسقاط النظم الاستبدادية.
لكن المفارقة في هذه الوصاية القطرية على الديمقراطية هي في رفعها لافتة التغيير الديمقراطي والحرية فيما هي نظام عائلي ريعي قروسطي، وهي لا تستطيع أن تكون إلا ذلك، وما يؤكد ما ذهبنا إليه هو أنها عندما قررت أن ترد عن نفسها تهم اللا ديمقراطية، وكي تقطع على الآخرين حجة أنها نظام عائلي قروسطي جاءت بقانون انتخابي محلي يجمع بين التعيين والانتخاب ويعكس ثقافة وذهنية اللا مساواة واللا مواطنة، لنكون أمام قانون أقل ما يمكن أن يقال فيه حسب مراقبين من منظمات حقوق الإنسان أنه قانون تمييزي عنصري، فهو نظام ديمقراطي جزئي، يجري فيه انتخاب برلمان بشكل جزئي بجانب 15 عضواً يعينوا أميرياً، وذلك بعد أن قسم النظام الانتخابي المُقر المواطنين إلى ثلاث درجات، درجة تضم من سمتهم “القطريين الأصليين” الذين يحق لهم الترشح والانتخاب ولا تتجاوز نسبتهم الــ5 في المئة، ودرجة ثاتية القطريين المجنسين المولودين في قطر وجدهم قطري وهم 10 في المئة ، وهم من يحق لهم الانتخاب من دون الترشح، وفئة ثالثة في درجة أدنى تضم القطريين المجنسين الذين لم يولدوا في البلاد، وهؤلاء لا يحق لهم الترشح ولا الانتخاب.
دور وظيفي
لكن إصرار الدوحة على رفع لافته الانتصار للقيم الديمقراطية والحريات والتداول السلمي للسلطة، عبر تدخلها في توجيه سياسات القوى المرتبطة بها ضد الدول التي تعتبرها غير ديمقراطية، هو دور يتعدي وزن قطر الجيوسياسي الذي يبقى في سياق الدور الوظيفي، فيما المشغل هي أمريكا بشكل أساسي وبعض الدول الأوروبية، ومن ثم فإن قطر عندما دعمت القوى الإسلامية وكل القوى من مدنية وإرهابية متعدية للدول كي يقوم هذا الخليط المتناقض سياسيا وفكريا الإطاحة بتلك الأنظمة وإقامة أنظمة ديمقراطية بمواصفات قطرية، ومع فشل هذا الدور الوظيقي في كل الدول التي تبنت ومولت فيها الدوحة القوى التي سعت للإطاحة بتلك الحكومات، ومع ذلك فإنها لم تستوعب درس فشلها لأنها تنفذ إرادة أعلى منها ، لأن المشغل ما يزال يريد منها ذلك .
ونقدر أن معاقبة الدوحة لتنظيم الإخوان فرع غزة بقدر ما يظهر الاستقواء المالي غير المبرر وذهنية الشراء للآخرين، كون قطر التي تعاقب فرع حماس في غزة لم تعارض عودة سوريا للجامعة العربية وهي التي صرفت مليارات الدولارات لإسقاط الدولة السورية، لكنها مع ذلك تريد معاقبة حماس على خطوة التقارب مع سوريا، بتقليص دعم قطر لحكومة حماس، بهدف التأثير على نتائج الانتخابات الداخلية للحركة في غزة، ذلك أن الدوحة لا ترغب في تصدر أسماء محددة قيادة الحركة عبر الانتخابات، خاصة أن تلك القيادات المنتخبة سابقا كانت وراء إعادة حماس حساباتها بمقاربة الملف السوري.
لكن ألا يكشف سلوك الدوحة في استخدام المال للتأثير الانتخابي على حلفائها أو أدواتها، أن تبني الدوحة لمشروع التغيير الديمقراطي الذي اجتاح العديد من الدول الغربية وبشكل دموي ، أن قطر كانت تعمل في سياق المشروع الأمريكي التي بشرت وعملت عليه هيلاري كلينتون، وأن قطر لم تكن إلا وكيل وكيس نقود، في حين أن لا علاقة لها بالديمقراطية كحياة وسلوك وثقافة، وقانونها الانتخابي يقول ذلك، فيما يكشف سلوكها مع حليفتها حماس هذه الحقيقة.
وفي كل الأحوال فإن الدوحة هنا لا تمثل نفسها ولكنها أيضا تقوم بدورها الوظيفي في الاستراتيجية الأمريكية تجاه بعض دول المنطقة الذي يضيق ويتسع ارتباطا بموقف واشنطن من تلك الدول، وهذا الموقف من حماس لا يتعلق بموقف قطر من حماس كمشروع أيدلويوجي سياسي تنظيمي، وإنما هو يستهدف علاقة حماس بسوريا وهي تضغط بالمال من خلال تقليص المنحة لترتيب وضع رأس الهرم في حركة حماس في غزة وفق ما يتفق مع سياساتها ونظرتها للإقليم ونظرة مشغلي الدوحة في واشنطن والعواصم الغربية.
الرسالة لسوريا
ومهما كان سبب تخفيض إمارة قطر لميزانية عناصر وموظفي أجهزة حركة حماس التي تحكم قطاع غزة بنسبة 70% ، فإنها ولا شك رسالة أمريكية في الأساس، كون هذا الدعم كان وما يزال يمر بموافقة الكيان الصهيوني وبتسهيل أجهزته الأمنية وبموافقة أمريكية أولا؟ مع العلم أن نسبة كبيرة من عديد أجهزة حكم حماس التحقت بها في سياق ما يمكن تسميته الاستقطاب المالي عبر الوظيفة في ظل الوضع الاقتصادي الحرج لمئات الآلاف من سكان القطاع.
وفي تقديري أن الدوحة التي تحتضن قيادة فرع إخوان فلسطين ( حماس) في الدوحة لن تفرط في علاقاتها معها كونها مصلحة أمريكية صهيونية أولا وحماس قبلت بذلك وتعاملت معه ، وقطر هي اللاعب المناسب حتى إشعار آخر للقيام بهذا الدور ، وأن المستهدف من خطوة الدوحة ضد (حماس فرع غزة) هو سوريا وأي قوة فلسطينية أو عربية تنتصر لها، حتى لو كان هذا المستهدف المباشر هو البعض من حماس.