تصاريح عمل لـ30 ألف عامل.. تسهيلات إسرائيلية غير مسبوقة لغزة، هل هي مؤشرات لقرب إتمام صفقة التبادل؟

في خطوة استثنائية أعلنت وزارة العمل في غزة عن تلقّيها موافقة أمنية إسرائيلية لدخول عشرات آلاف العمال الفلسطينيين للعمل داخل الخط الأخضر، في خطوة هي الأولى منذ وقف إسرائيل إصدار تصاريح العمل لقطاع غزة، عقب اندلاع انتفاضة الأقصى قبل عقدين من الآن.

على وقع ذلك بدأت وزارة العمل في غزة، التابعة لحكومة حماس، الأحد 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، استقبال طلبات العمال إلكترونياً، وفق شروط حدَّدتها الوزارة، أهمها أن يتجاوز عمر مقدم الطلب 26 عاماً، وأن يكون متزوجاً، وأن يكون حاصلاً على شهادة التطعيم لفيروس كورونا، وألا يكون موظفاً، سواء في حكومتي غزة أو الضفة الغربية.

علم “عربي بوست” من مصادر حكومية في غزة، أن إسرائيل وضعت سقفاً لاستقبال 30 ألف عامل من غزة، بدءاً من العام 2022، ضمن احتياج سوق العمل الإسرائيلي، الذي يشهد نقصاً في الأيدي العاملة، بسبب النمو الذي يشهده الاقتصاد الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة، وسيتركز عمل هؤلاء العمال في المناطق القريبة من غلاف غزة والنقب وبئر السبع، في مهن كالزراعة والصناعات الغذائية وقطاع البناء، وسيكون لجهاز الشاباك الإسرائيلي دور مباشر في القبول أو رفض الأسماء التي تقدَّمت للحصول على تصريح عمل.

تسهيلات ما قبل المفاوضات

وأضافت المصادر أن إسرائيل وافقت على هذه الخطوة، التي تقدمت بها حركة حماس كأحد مطالب وشروط عودة المفاوضات حول الملفات العالقة كالإعمار وصفقة التبادل، ولتثبيت معادلة الهدوء في غزة، على أن تكون هذه الخطوة وما يتبعها من إجراءات اقتصادية لاحقة، مقدمة للوصول لتفاهمات طويلة الأمد مع حماس، تتضمن الوصول لهدنة تمتد لخمس سنوات، بهدف نزع فتيل التوتر عن الملفات التي قد تُفجّر الأوضاع الميدانية من جديد.

بالتوازي مع هذه الخطوة، جاءت الموافقة الإسرائيلية على منح تصاريح دخول عمال غزة للعمل داخل الخط الأخضر ضمن حراك مكثف تقوده كل من مصر وقطر، لتقريب وجهات النظر بين حماس وإسرائيل، لطيّ ملف صفقة الأسرى بين حماس وإسرائيل، إذ ترى حكومة بينيت أن رزمة التسهيلات على المعابر وتحسين أوضاع غزة الاقتصادية قد تدفع حماس لتخفيض بعض شروطها، بما لا يتسبب في إحراج الحكومة أمام جمهورها.

وكانت إسرائيل قد أعلنت عن رزمة تسهيلات في الأسابيع الأخيرة، تضمّنت الموافقة على دخول مواد البناء لإعادة إعمار غزة، وإعادة العمل بالمنحة القطرية التي جمَّدتها إسرائيل لعدة أشهر بعد حرب غزة الأخيرة، والسماح بتصدير المنتجات الزراعية من أسواق غزة للضفة الغربية، بالإضافة لوعود بإنشاء مدينة صناعية بالقرب من الحدود مع غزة، ورفع عدد التصاريح لتجار غزة للمرور للخط الأخضر والضفة الغربية بـ10 آلاف تصريح جديد.

وفي سياق متصل، تشهد الأوضاع الميدانية في غزة حالةً من الهدوء والاستقرار الأمني، في ظل قبول الطرفين -إسرائيل وحماس- بمعادلة الهدوء والأمن مقابل الاقتصاد في غزة، إذ ترى حماس أن الوصول لهذه المرحلة يعد مكسباً سياسياً، يجب استثماره لإبرام صفقة تبادل قبل أي تغيير في الموقف السياسي من قِبل إسرائيل تجاه غزة، خصوصاً أن حكومة بينيت لا تشهد استقراراً على مستوى الائتلاف الحكومي، التي قد تسقط في أي لحظة بسبب حجم التناقضات داخل مكوناتها.

حماس واستحقاق التهدئة

محمود مرادوي، عضو مكتب العلاقات الوطنيّة في حماس، قال لـ”عربي بوست” إن “المعادلة القائمة في غزة ليست مشروطة بثمن سياسي تتحمله حماس، نحن نراقب الموقف الإسرائيلي، ونرى أن عليه استحقاقاً يجب أن يدفعه، التسهيلات الأخيرة قد تؤدي لعودة المفاوضات من جديد حول الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى الحركة، والتي توقفت منذ أسابيع بسبب تشدد الموقف الإسرائيلي ورفضه تحمل الثمن السياسي لهذه الصفقة”.

وأضاف المتحدث “كسر الحصار عن غزة وإحداث نقلة نوعية في الأوضاع المعيشية لسكان القطاع هو أحد أهدافنا التي لن نتنازل عنها، رفع إسرائيل لحصارها عن غزة قد يكون جزءاً من صفقة شاملة، ولكن لن يكون على حساب الشروط التي حددناها سابقاً في ملف صفقة التبادل وهي الجنود مقابل الأسرى”.

وتابع “تقييمنا في حماس أن حكومة بينيت تحاول شراء الوقت وتقديم أكبر قدر ممكن من التسهيلات لغزة، لتحقيق الهدوء، على أن أمل أن يغير ذلك من قناعات وموقف حماس من صفقة التبادل والهدنة طويلة الأمد في غزة، نحن نتابع ونقيّم الموقف الإسرائيلي وما سيصدر عنه في الفترة القادمة، وقيادة المقاومة على أهبة الاستعداد، خشية من أي مفاجأة أو تغير في الموقف الإسرائيلي لتوجيه ضربة استباقية لغزة”.

تسعى إسرائيل بكل ثقلها السياسي لإبرام صفقة تبادل مع حماس، ولعل الزيارة الخاصة التي أجراها رئيس الوزراء نفتالي بينت لشرم الشيخ، ولقاءه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في 13 سبتمبر/أيلول الماضي، كانت بمثابة منح مصر تفويضاً للمضي في ملف الصفقة.

لم تمضِ ساعات على انتهاء زيارة بينيت للرئيس السيسي حتى أظهر بينيت نواياه بجدية طرح إسرائيل لملف الصفقة، وذلك بعد لقائه بعائلة الأسير أفيرا منغيستو، قائلاً إنه “ملتزم شخصياً باستعادة الجنود والمدنيين المحتجزين لدى حماس”.

معلومات عن مصير الجنود

أحد الاحتمالات وراء التسهيلات الإسرائيلية الأخيرة لغزة قد يكون مرتبطاً بمفاوضات غير معلنة، تقوم من خلالها حماس بتقديم معلومات أو إشارات عن وضع الجنود الإسرائيليين الأسرى لديها، إذ ترى إسرائيل أنها غير ملزمة بتحمل الثمن السياسي لإبرام صفقة مع رفات جنود تحتجزهم حماس دون التأكد من وضعهم الصحي.

وسام عفيفة، مدير شبكة الأقصى الإعلامية التابعة لحماس، قال لـ”عربي بوست”، إن “وصول إسرائيل لقناعات بأنه من الاستحالة بمكان تغيير موقف حماس من صفقة التبادل، دفعها لتقديم مقاربة جديدة في التعامل مع هذا الملف، المقاربة الجديدة تقوم على مبدأ ربط كل الملفات ببعضها البعض، لتحقيق أكبر قدر ممكن من الإنجازات على الصعيد السياسي والأمني، كالوصول لهدنة طويلة الأمد، وربط أوضاع غزة المعيشية باستقرار الحالة الأمنية، وقد تجد هذه الرؤية قبولاً لدى حماس، التي ترى أن على سكان غزة التمتع بقدر من الهدوء والاستقرار، بعد سنوات طويلة من الحصار والحروب التي شنتها إسرائيل”.

مؤمن مقداد، محرر الشؤون الإسرائيلية في شبكة الهدهد الإخبارية، قال، إن “كل الجهود الإسرائيلية التي تعطل ملف الصفقة نابعة من تحدّيين رئيسيين، تواجههما حكومة بينت، الأول نابع من ضغط عائلات الجنود على الحكومة التي لا تزال تنظم مظاهرات أسبوعية أمام مقر الحكومة، لإجبارها على تسريع صفقة التبادل، أما التحدي الثاني فهو تقدير المؤسسة الأمنية بأنه لا يجب تكرار تجربة شاليط، والسماح لنشطاء حماس بالخروج من السجون للعودة للعمل العسكري، وبذلك تحاول إسرائيل استثمار حالة الهدوء، على أن تتغير الظرف لصالحها، وتقبل حماس بتخفيض شروطها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى