ثقافة وأدبثقافة وفنون

 تصريح قرداحي.. يظهّرِ ثقافة البيعة 

سليم الزريعي

ألا يكشف وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان جذر الهجمة السعودية على لبنان،  عندما يعترف بأن الإشكالية في لبنان هي أكبر من تصريح وزير، وإنما تكمن في سيطرة وكلاء إيران؟، ثم أليس هذا التصريح لوزير الخارجية السعودي،  هو تدخل سافر واستقواء فج على لبنان، يدحض كل الذرائع التي تربط ما يجري بتصريح رجل إعلام عبر عن رأيه قبل أن يصبح وزيرا؟

ليكون السؤال ما هي علاقة النظام السعودي بالشأن اللبناني، حتى تعتبر أن كتلة بشرية وازنة من الشعب اللبناني وكلاء لإيران، فيما هي أيضا لها أدوات وليس وكلاء في لبنان من أحزاب ورجال سياسة ودين وإعلام، حتى وصل الأمر بها احتجاز رئيس الوزراء سعد ، الذي يعتبر هو وفريقه السياسي ممثلا للسعودية في لبنان، فلم تحفظ له  كرامته  وكرامة من يمثل، بل وأملت علبه أن يقدم استقالته على الهواء من الرياض وأن يتهم حزب الله؟

هذا الوقائع تكشف أن السعودية التي جعلتها مكنة الشراء ورشوة حتى دول، تصنف أي لقوى مستقلة لا تنصاع لسياساتها بمثابة أعداء وهذا هو موقفها من حزب الله وكل القوى المستقلة  والنظيفة في لبنان وغيرها، وتبعا لذلك فإن هذا الموقف من لبنان التي تريد السعودية أن يكون مطية في يدها، لا تستوعب وجود قوى تقف في الخندق الآخر مناقضة لسياسة وسلوك السعودية، فكيف بشخص تجرأ على أن يعبر عن رأيه ضد جريمة حرب السعودية في اليمن؟!

 ومن ثم لا يمكن لعاقل أن يقتنع بأن كل هذه العدوانية السعودية على لبنان وشعبه هي بسبب تصريح جورج قرداحي، الذي وصف حرب السعودية على اليمن بأنها عبثية، وإنما هي ذريعة واستقواء وابتزاز تذرعت فيه السعودية والملحقات العائلية الخليجية الأخرى  في هذا الهجوم غير المسبوق على لبنان بأن الإعلامي جورج قرداحي والوزير لاحقا، صرح قبل أن يصبح وزيرا بأن جماعة “أنصار الله” التي يحاربها التحالف السعودي تدافع عن نفسها ضد “الاعتداءات”، واصفا الحرب في اليمن بالعبثية التي يجب أن تتوقف.

لكن سرعان ما حل وزير الخارجية السعودي اللغز، عندما قال إن “الـمشكلة في لبنان هي أبعد من تصريح” ، وهذا يعني حسبا لبن فرحان أن هذا الاستهداف للبنان هو أمر مبيت ومعد مسبقا، وهو أيضا أمر عمليات لتنفيذ لهذه الحملة كان ينتظر الذريعة فقط، وهذا ما وجدته السعودية في تصريح الإعلامي والوزير لاحقا قرداحي، ليبين الوزير السعودي أن مسرحية الغضب السعودي والعائلي الخليجي هي أبعد من شخص قرداحي الجريء والشجاع عندما يتحدث الوزير السعودي الـمشكلة في لبنان هي أبعد من تصريح، فهي حسب قوله في من سماهم وكلاء إيران، أي حزب الله تحديدا.

ليصل الوزير بن فرحات في حديثه إلى المس بلبنان مكونات وكيان ودولة، عندما يقول إن لبنان بحاجة إلى إصلاح شامل يعيد له سيادته وقوته ومكانته في العالم العربي، وسندعم أي جهود في هذا الاتجاه والحوار مستمر مع الأفرقاء العالميين.

وادعى بن فرحان أن المملكة لا تتدخل في لبنان، ولا تملي عليه أي شيء، مؤكدا أنها ستدعم “أي جهود لإصلاح شامل يعيد لبنان إلى العالم العربي، فيما الوقائع تدحض هذا الادعاء، ويبدو أن بن فرحان نسي أن السعودية هي من انتهكت سيادة لبنان وكرامته وكرامة رئيس وزرائه ومن ثم الكل اللبناني عندما احتجزت رئيس الوزراء سعد الحريري حليفها في نوفمبر2017 في العاصمة السعودية الرياض وأهانته وأجبرته على تقديم الاستقالة، لولا تدخل الرئيس الفرنسي شخصيا من أجل إطلاق سراحه.

إن حديث وزير الخارجية السعودي قطع قول كل خطيب، فلم تعد مسألة استهداف لبنان موضوع تحليل أو تكهنات بعد إعلان السعودية عن نواياها من أن لبنان يحتاج إلى إصلاح بسبب سيطرة حزب الله على مفاصل القرار، وإنه لمن السذاجة بمكان بعد ذلك، استمرار الإمساك بذريعة تصريح جورج قرداحي، الذي رد على الحملة التي استهدفته من خلال اتخاذ موقفه من الحرب على اليمن ذريعة لابتزاز الدولة اللبنانية ، قائلا: إنه لم يخطئ حتى يعتذر أو يستقيل.

ومن الواضح من الهجمة الإعلامية والسياسية الشاملة على لبنان من قبل السعودية ودول خليجية أنها توعز إلى أدواتها في لبنان من أحزاب وقوى سياسية وإعلام، أن تصعد من التناقض اللبناني اللبناني واعتبار أن المشكلة في لبنان هي حزب الله في حين أن السفارة السعودية في بيروت هي سابقا وفي كل الأوقات كانت  مقررا في الشأن اللبناني الداخلي والخارجي.

والسؤال بماذا بمكن أن نوصف ما سميت بـ “عاصفة الأمل” التي أطلقها محمد بن سلمان منذ ست سنوات، ونتج عنها حتى 24 مارس 2021 ، وهل هناك من توصيف أقل من تكييف ما يجري بأنه عدوان وجريمة؟ ألا تشكل هذه المعطيات التي أوردها مركز “عين الإنسانية” للحقوق والتنمية دليلا دامغا على هذا الإجرام الذي تقوم به السعودية وشركاءها ضد الشعب اليمني.. وفق هذه البيانات..

– عدد الشهداء والجرحى جراء القصف المباشر للعدوان على اليمن بلغ 43 ألفاً و593 شهيداً وجريحا

– عدد الشهداء المدنيين بلغ 17 ألفاً و97، بينهم 3821 طفلاً و2394 امرأةً، و10881 رجلاً

–  بلغ عدد الجرحى 27 ألفاً و496 بينهم 4183 طفلاً و2815 امرأة

– في مجال البنى التحتية طيران العدوان استهدف 15 مطاراً، و16 ميناء، و4764 طريقاً وجسراً.

ألا تشير هذه المعطيات أن ما يجري في اليمن  هو عدوان موصوف وجريمة مستمرة منذ ست سنوات،  حسب إحصائيات المؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.. وأن ما قاله جورج قرداحي هي كلمة حق،  في ظل صمت نخب ومثقفي هذه الأمة، الذين ابتلعوا ألسنتهم أمام سطوة المال السعودي الإماراتي.. فيما جهر قرداحي برأيه .. وقبل أن يصبح وزيرا.. ثم ألا يمكن اعتبار أن الهجمة على لبنان هي الوجه الآخر لما فعلته في جمال خاشقجي، وهو للأسف سلوك وسياسة مستقرة تحكم الثقافة السياسية للمملكة  أي( ثقافة البيعة) التي تستهدف من يصعب شراءه ويخالفها الرأي والموقف، ومن ضحايا هذا السلوك المناضل النقابي ناصر السعيد مرورا بالروائي عدالرحمن منيف وصولا إلى الكاتب جمال خاشقجي؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى