تعاون أم صراع جديد؟.. عودة طالبان إلى الحكم تقلق الصين وروسيا، لكن لماذا تعد إيران الخاسر الأكبر؟
ولما كانت تلك الوكالات تهدف إلى قطع الطريق أمام مزيدٍ من التقدم الكاسح لحركة طالبان وسيطرتها على مختلف مناطق البلاد، فإنها قد شرعت في البحث عن شراكات استخباراتية تضمن حضوراً طويل الأجل على الأرض.
وفي الوقت الذي تسعى فيه وكالات الاستخبارات الغربية إلى تجنيد عملاء جدد وأصول استخباراتية، تستمر حالة عدم الاستقرار المتصاعدة في أفغانستان وتبرز ملامح المنافسة الجارية بين القوى العظمى، الولايات المتحدة والصين وروسيا. كل هذا يُعسِّر على واشنطن اللجوء إلى نهج أحادي الجانب لمكافحة الإرهاب.
من جهة أخرى، وعلى الرغم من استمرار المفاوضات بين الحكومة الأفغانية وطالبان، فإن محادثات السلام لم تسفر عن نتائج ملموسة. وبينما لا تزال النخب والساسة في كابول على انقسامهم، بل الآن أكثر من أي وقت مضى، ظلت طالبان مستمسكة بنهجها المتمثل في تحقيق المزيد من المكاسب على الأرض.
تنسيق أم صراع جديد على النفوذ؟
الخلاصة بحسب الموقع الأميركي، فإن مستقبل الحكومة الأفغانية في خطر كبير، والقيادة الأفغانية لا تزال عاجزة وفاسدة في محاولاتها المدعاة لمحاربة الإرهاب الدولي. ويبدو أن جهاز الاستخبارات الحالي في أفغانستان، أو ما يُعرف بـ”المديرية الوطنية للأمن”، مؤسسةٌ ضعيفة وأعجز من أن تمنع الهجمات المتواصلة في أنحاء البلاد.
كما أنه، بحسب ما ورد، فإن عدداً من الأجهزة الأمنية الأخرى، التي درَّبتها ودعمتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، كانت مسؤولة عن عديدٍ من وقائع القتل الجماعي والاختفاء القسري وسلسلة من انتهاكات الحقوق الأخرى.
بالإضافة إلى ذلك، حاولت وكالات استخباراتية أوروبية استعادةَ التواصل مع نجل أحمد شاه مسعود، زعيم المجاهدين الأفغان الشهير، والذي يسعى حالياً إلى إعادة تشكيل التحالف الذي سبق أن شكَّله والده في تسعينيات القرن الماضي لمقاومة حركة طالبان. غير أن التحالف لا يزال في مراحله الأولى، وتشكِّك مصادر الاستخبارات الغربية في قدرة أحمد شاه مسعود على توحيد الفصائل المتناحرة تحت رايته.
في غضون ذلك، فإن الاقتراح الذي تسرَّب مؤخراً باستخدام القواعد الجوية الباكستانية لإطلاق عمليات مكافحة الإرهاب “من قواعد جوية أو بحرية خارجية” تذهب آراء عديدة إلى أنه سيأتي بنتائج عكسية. ويستدل المنتقدون لهذا الاقتراح بعلاقات إسلام أباد التاريخية مع طالبان، إضافة إلى فشل مؤسستها العسكرية في أن تكون شريكاً موثوقاً، بمعايير الولايات المتحدة، في حرب واشنطن على الإرهاب، للإشارة إلى أن تطبيق هذا الاقتراح سيفضي إلى عواقب أمنية وخيمة.
من ثم، يشير المقال إلى أن التعاون الاستخباراتي الإقليمي في أفغانستان قد يتطلب اتجاه أجهزة الاستخبارات الغربية شرقاً وتشكيل تحالف أوسع نطاقاً لمكافحة الإرهاب بالتعاون مع دول من جنوب ووسط آسيا.
لعدة سنوات، حرصت قوى شرقية، مثل الهند وإسرائيل وإيران وروسيا والصين، بدرجات متفاوتة، على حضور استخباراتي نشط لها في أفغانستان. وفي حين أن الهند وإسرائيل قد عزَّزتا من علاقاتهما الأمنية مع الولايات المتحدة هناك، فإن إيران وروسيا والصين دأبت على الاشتغال بمنافسةٍ جيوسياسية مناوئة لمصالح واشنطن هناك.
لكن، وعلى الرغم من انخراط إيران وروسيا والصين في منافسة جيوسياسية إقليمية مع الولايات المتحدة، فإن الدول الثلاث تمسكت بمصلحةٍ إستراتيجية ثابتة لها في الحفاظ على الاستقرار في أفغانستان، لا سيما مع مُتاخمتها لحدود الدول الثلاث إلى جانب ما تتيحه من وصول إلى آسيا الوسطى وأوروبا.
لماذا تقلق إيران من عودة طالبان؟
فيما يتعلق بإيران، فإن ازدهار طالبان قد يعني تصاعد النفوذ السني، واحتمالات بتوثيق العلاقات مع السعودية. وعلى النحو نفسه، تشترك روسيا والجمهوريات السوفييتية السابقة في حدود أفغانستان، ما يعني أن عودة طالبان قد تؤدي إلى تقوية مجموعات تقع ضمن تصنيف الإرهاب في تلك الدول، مثل “حركة أوزبكستان الإسلامية” ومجموعات أخرى مختلفة في الشيشان.
وفي حالة الصين، على الرغم من أن الحكومة ربما تكون منتشية بشأن انسحاب الولايات المتحدة، فإنها لا تزال قلقة بشأن التطرف المتزايد في جنوب ووسط آسيا. وقد يشكِّل ذلك تهديداً ليس فقط لمبادرة الحزام والطريق الصينية التي تبلغ تكلفة استثماراتها تريليون دولار، بل إنه قد يوفر أيضاً إلهاماً أيديولوجياً لحركات أخرى، مثل “منظمة تحرير الإيغور” (ULO) و”حركة تركستان الشرقية الإسلامية” (ETIM).
أخيراً وليس آخراً، وعلى الرغم من انحياز باكستان إلى الجانب الصيني في تنافس الأخيرة مع الولايات المتحدة، فإن ذلك لا ينفي أنها اضطلعت بدور رئيسي في جميع مراحل عملية السلام بين الولايات المتحدة وطالبان، عن طريق تسهيل المفاوضات وتعزيز العلاقات الأمنية مع كابول. بالإضافة إلى أن باكستان تواجه حالياً انتفاضات تمردية مختلفة، منها حركات البلوش والبشتون، علاوة على صراعها الإقليمي الخارجي مع الهند، وكلها عوامل تُضاعف من خطر تورطها في جبهة قتال جديدة مع طالبان.
من الجدير بالذكر أن إسلام أباد تدعم حركة طالبان منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، وهي تدرك الآن تماماً أن حركة طالبان الأفغانية، في ظل قيادتها الحالية التي يغلب عليها البشتون، يمكن أن تكون مصدر إلهام لنظيرتها الباكستانية، “حركة طالبان باكستان” (TTP)، وغيرها من الحركات المطالبة باستقلال البشتون، مثل “حركة حماية البشتون” (PTM)، المطالِبة بدولة مستقلة للبشتون.
بناء على ذلك، سيتفاقم التهديد المتزايد بعدم الاستقرار في كابول ليتحول إلى خطر كبير إذا لم تُمنح الدول الخارجية ذات المصالح الاستراتيجية، لا سيما تلك التي تعيش على تخومها، مصلحةٌ مباشرة في مناقشة مستقبل أفغانستان.
وبحسب الموقع الأميركي فمن ثم، إذا أرادت وكالات الاستخبارات الغربية الحفاظَ على آلية تعاون استخباراتي فعالة، يتعين عليها، جنباً إلى جنب مع أجهزة الاستخبارات في الدول الشرقية، إنشاء مجموعة عمل استخباراتية غير رسمية لمشاركة المعلومات بشأن الأوضاع على الأرض. وهي ليست المرة الأولى التي تتعاون فيها وكالات الاستخبارات الغربية مع شركاء غير متوقعين، وأبرز مثال على ذلك هو التعاون المشترك لقوة “دلتا” الخاصة الأمريكية مع الحرس الثوري الإيراني في الإطاحة بنظام طالبان في عام 2001.
فما هو الحل أمام الولايات المتحدة؟
كما أن الاتفاق على شراكة غير رسمية سيوفر وضعاً أمنياً مريحاً للجانبين، إذ إن التعاون الوظيفي بين المنافسين الإقليميين ييسر سبل تأمين الاستقرار في كابول. في المقابل، فإن الحروب الاستخباراتية بالوكالة التي استمرت لعقود من الزمان في أفغانستان كان لها دور مباشر في حالة عدم الاستقرار طويلة الأمد في البلاد. وكانت إدارة بايدن قد مهدت الطريق لتمكين تعاونٍ من هذا النوع، فهي تسعى إلى إعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي مع إيران وإصلاح العلاقات مع بكين.
خلاصة الأمر، أنه يتعذر على الولايات المتحدة أن تحشد قدرات مكافحة الإرهاب في أفغانستان من قواعد جوية أو بحرية بعيدة، لكن لديها بعض الخيارات القابلة للتطبيق، جنباً إلى جنب مع الأطراف الإقليمية التي لديها مصلحة ثابتة في ضمان استقرار أفغانستان المتاخمة لحدودها. ومع اقتراب الموعد النهائي لانسحاب وكالات الاستخبارات الغربية من أفغانستان، فإن التوجه شرقاً من أجل التعاون مع دول مثل إيران والصين وروسيا سيُوفر دعماً جديداً وثابتاً للعمليات الاستخباراتية على أرض الميدان.