تهديد الحريديم بالعودة لديارهم الأصلية.. وهشاشة الكيان 1/2
سليم الزريعي
عندما يتظاهر الآلاف في كيان الاحتلال يطالبون حكومة نتنياهو الائتلافية بإنهاء إعفاء الرجال اليهود المتدينين من الخدمة العسكرية الإجبارية. فهم يعكسون أحد أكثر أزمات الكيان تعقيدا، كونها رافقت زرعه منذ 1948، كأحد مكونات أزمته البنيوية.
وهي لا ترتبط بالحرب على غزةـ ولكن الحرب أضافت لها بعدا جديدا بتعلق بأن الحرب ليست ككل حروب الكيان السابقة ارتباطا بصدمة الكيان من واقعة 7 أكتوبر التي كشفت هشاشته أمام قوى مسلحة وليست دول.
وما زاد من حالة الاحتدام الداخلي، وكشفت أن الكيان ليس إلا فقاعه كبيرة هي محصلة جمع فقاعات عرقية من عشرات الأعراق والدول. أكدها بكل جلاء تلويح الحاخام الشرقي الأكبر لإسرائيل، يتسحاق يوسف، بأن الحريديين سيهاجرون من “إسرائيل” إذا ما جرى إجبارهم على التجنيد في صفوف الجيش الإسرائيلي.
تهديد الحاخام الحريدي الأكبر كشف طبيعة التحدي الداخلي الذي يواجه الكيان، وهو تحدي تاريخي وفق وزير الحرب الصهيوني يوآف غالانت الذي قال إن “عبء الخدمة يشكل تحدياً منذ 75 عاماً، ويأتي الآن في زمن حرب لم نعرفه منذ 75 عاماً. لذلك، نحن مطالبون بالتوصل إلى اتفاقات وقرارات لم نتخذها منذ 75 عاماً” .
ردود الفعل
وقد أثارت تصريحات الحاخام الأكبر ضجة في كيان الاحتلال، في ظل الجدل الحاصل حول مسألة خدمة الحريديين في صفوف الجيش.
وتتالت ردود الفعل على أقوال يوسف. واعتبر زعيم المعارضة، يائير لابيد، أن تصريحات الحاخام “وصمة عار وإهانة لجنود الجيش الإسرائيلي الذين يضحون بحياتهم من أجل الدفاع عن البلاد.
من جانبه، قال بيني غانتس، الوزير في “كابينيت الحرب” ورئيس “المعسكر الوطني”: إن “تصريحات الحاخام يوسف إساءة أخلاقية للدولة والمجتمع الإسرائيلي.
كما انتقد رئيس حزب “يسرائيل بيتنا”، أفيغدور ليبرمان، تصريحات يوسف، وقال: “من العار أن يواصل الحاخام يوسف والحريديون الإضرار بأمن إسرائيل والتصرف بما يتعارض مع الشريعة”.
اليهود “الحريديم”
اليهود الحريديم هم اليهود الأرثوذكس المتشددون ، وتعني كلمة حريديم الذين يهابون الله، وقد أطلقت تسمية حريديم في البداية على تلامذة الحاخامات اليهود الأوروبيين الذين عكفوا على دراسة التوراة طوال حياتهم وكانوا ينفذون تعاليم التوراة وفروضها بدقة وتزمت،ويتنكر يهود «الحريديم» للصهيونية، وينتمون في معتقداتهم إلى التوراة والأصول الفكرية اليهودية القديمة.
ويتكون يهود «الحريديم» من كثير من المجتمعات المختلفة، تتمحور كل منها حول حاخام، ويتشاركون في عاداتهم الخاصة في العبادة والطقوس والتشريعات التوراتية واللباس والحياة اليومية.
وهناك يعيش الجميع حياة مكرسة للإيمان، فهم يجتمعون في المعابد 3 مرات في اليوم للصلاة، ويتعلمون في المعاهد الدينية الكبرى، ويعقدون حفلات زفاف بانتظام، وتجمعات احتفالية.
ويرفض اليهود المتشددون التجنيد الإجباري، ويطالبون بالحق في الدراسة بالمعاهد اللاهوتية بدلاً من الخدمة بالزي العسكري طوال السنوات الثلاث.
الحريديين والتجنيد
شكلت مسألة تجنيد الشبان المتدينين الحريديم للجيش الصهيوني إحدى المسائل التي تلعب دوراً بارزاً في الصراع بين هذه المجموعة ومجموعة الأغلبية اليهودية غير المتدينة، وكذلك في الصراع بينها وبين الصهيونية الدينية، وكانت بداية الإشكال الخاص بتجنيد الحريديم مع نشأة الاحتلال الإسرائيلي في 1948، لكن رئيس الحكومة حينها دافيد بن غوريون توصل إلى تسوية مع هذه الفئة عام 1948، تقضي بإعفائهم من التجنيد، ليستمروا في دراستهم في المدارس الدينية (ييشيفوت)، وكان عدد الطلاب المتدينين الحريديم في ذلك الوقت يصل إلى حوالي 400 طالب، وكان لدى “بن غوريون” في ذلك الوقت مجموعة من الأسباب التي دفعته لاتخاذ هذا القرار وعلى رأسها السعي لتثبيت أركان المجتمع الداخلي الإسرائيلي ودرء الانقسامات التي يمكن أن تتسبب، فضلاً عن أن عدد أعضاء طلاب هذه الفئة في ذلك الوقت لم يكن كبيراً، ما يعني هامشية مسألة تجنيدهم في مقابل الحفاظ على استقرار المجتمع الخاص بالكيان الإسرائيلي، بالإضافة إلى وجود قناعة لديه بأن إسرائيل ومع الوقت سوف تكسب شرعية كونها مركز لليهودية الأرثوذكسية بعد تدمير المراكز اليهودية التقليدية في أعقاب الهولوكوست.