توسيع للحكومة التونسية أم فضّ للائتلاف الحاكم.. تفاصيل الخلاف بين الفخفاخ والنهضة وكيف سينتهي؟
تتواصل ضغوط حزب النهضة على رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ من أجل توسيع الائتلاف الحاكم في تونس في ظل انتقادات توجّه له على خلفية شبهات فساد تواجهه.
وبدا أن النهضة تلمح إلى أن أمام الفخفاخ خيارين وهما: إما الاستقالة أو توسيع الائتلاف الحاكم في تونس، رغم أنها رفضت الإعلان عن موقفها النهائي.
فلماذا تسعى النهضة إلى توسيع الائتلاف الحاكم في تونس؟ وما أسباب رفض الفخفاخ ومكونات الائتلاف الأخرى لفكرة التوسيع؟
أزمة تواجه رئيس الحكومة
أعلنت النهضة في بيان لها أن “شبهات تضارب المصالح” التي تلاحق الفخفاخ أضرّت بصورة الائتلاف، وأنها ستعيد تقدير موقفها من الحكومة.
وقدم رئيس مجلس شورى حركة “النهضة” في تونس، عبدالكريم الهاروني، الخميس، النصح لرئيس الحكومة، إلياس الفخفاخ، الذي تلاحقه “شبهة تضارب المصالح” بالاستقالة.
ورفض الهاروني، في حوار مع راديو “إكسبرس إف إم” (خاص)، الإدلاء بموقف حركة “النهضة” النهائي من الحكومة، قبل انعقاد الدورة المقبلة لمجلس الشورى الذي لم يحدد موعده بعد.
“النهضة” قالت أيضاً، في بيانها، إنها ستعيد تقدير موقفها من الحكومة والائتلاف المكون لها، وستدرس الأمر في مجلس الشورى القادم الذي هو بمثابة برلمان الحركة.
ويترأس الفخفاخ، منذ 27 فبراير/شباط الماضي، ائتلافاً حكومياً يضم 4 أحزاب رئيسية وكتلة برلمانية، هي: حركة “النهضة” (إسلامية- 54 نائباً من 217)، التيار الديمقراطي (اجتماعي ديمقراطي أو يسار وسط 22)، حركة الشعب (ناصري- 14)، حركة تحيا تونس (ليبرالي- 14)، وكتلة الإصلاح الوطني (مستقلون وأحزاب ليبرالية- 16).
طلب لتنحي الفخفاخ
أعلنت لجنة برلمانية تونسية، الأربعاء، أنها تدرس طلباً تقدم به نواب كي يتنحّى الفخفاخ عن منصبه، مع تفويض صلاحياته لأحد الوزراء، إلى حين انتهاء التحقيقات المتعلقة بقضيته.
ونفى الفخفاخ، في جلسة برلمانية الخميس، صحة وجود “تضارب مصالح وفساد”، وقال إنه صرّح بمكاسبه، لدى هيئة مكافحة الفساد (دستورية مستقلة)، منذ حصل على ثقة البرلمان، وتخلى عن مسؤولية بمجلس إدارة إحدى الشركات منذ شهرين.
واقترحت “النهضة” على الفخفاخ ضم أحزاب إضافية إلى الائتلاف الحاكم، لتوسيع الحزام السياسي والبرلماني للحكومة، إلا أنه رفض ذلك، داعياً الحركة إلى الاقتناع بالائتلاف الراهن والاستثمار فيه.
موقف “النهضة” اعتبره كثيرون تهديداً ضمنياً منها بالانسحاب من الائتلاف الحاكم، خاصة بعد الجدل الذي أثير في الساحة السياسية حول “شبهة تضارب المصالح”، التي تلاحق الفخفاخ، وينفي صحتها.
وضع محرج لرئيس الحكومة
اعتبر وزير الثقافة السابق، الباحث في علم الاجتماع، مهدي المبروك، أن “شبهة تضارب المصالح التي وجهت إلى الفخفاخ تعد من العوامل التي ستدفع بالنهضة إلى توسيع الحزام السياسي”.
وقال المبروك للأناضول إن “الأخير (الفخفاخ) يدرك جيداً أن التحالف الحكومي بلا نهضة سيجعل الحكومة غير صامدة”.
ورأى هشام الحاجي (محلل سياسي) أن البيان الأخير لحركة النهضة “كأنه تذكير للفخفاخ بأنه ليس في وضعية مريحة، وأن الأفضل له أن يتفاعل بصورة إيجابية مع النهضة، التي لها وزن ومكان مهم في البرلمان، وهي واحد من الأرقام الصعبة في الحياة السياسية”.
وتابع الحاجي أن “الجدل المطروح بشأن توسيع الائتلاف الحاكم في تونس، ورفض الفخفاخ لذلك، أخذ منعرجاً جديداً في ظل شبهات تضارب المصالح التي تحوم حول الفخفاخ”.
وأردف: “يبدو أن النهضة اعتبرت الظرف مناسباً لتعيد طرح مقترح سبق لها أن تقدمت به”.
واستطرد: “من حيث المبدأ قد يكون توسيع الحكومة أمراً مطلوباً؛ لأنه قد يوفر أغلبية أوسع لرئيس الحكومة في البرلمان”.
واستدرك: “طرح هذا المطلب حالياً قد يُفهم على أنه شكل من أشكال المقايضة السياسية، تتمثل في توسيع الحزام الحكومي مقابل التعاطي بطريقة مختلفة مع شبهة تضارب المصالح التي تواجه رئيس الحكومة”.
ورأى أن “توقيت توسيع الائتلاف الحكومي في السياق الحالي محرج للفخفاخ، الذي قد يبدو وكأنه يشتري سلامه وأمنه مقابل ذلك”.
وشدد على أن “كل المتابعين للوضع في تونس يعلمون أنه بغياب حركة النهضة أو انسحابها عن الائتلاف فإنه لا يمكن أن نتحدث عن تشكيل حكومة”.
لماذا تريد النهضة توسيع الائتلاف الحكومي؟
قال المبروك إن “الجدل المتعلق بتوسيع الحزام الحكومي بدأ منذ أن تشكلت الحكومة، حيث ذهبت النهضة مكرهة إلى الحكم مع تحالف تم للضرورة، ولم يكن مبنياً على رضا متبادل بين مكوناته”.
وتابع أن “الائتلاف الحكومي قام على مزاج رئيس الجمهورية (قيس سعيد)، والفخفاخ كان واقعاً تحت هذا المزاج الرئاسي”.
وأردف: “كل تلك العوامل اضطرت الجميع إلى الذهاب إلى حكومة الضرورة، لتصدر بعد أيام من تكوينها تصريحات متشنجة من مختلف أعضائها”.
وزاد بقوله: “تم حينها تغييب أحد أقوى الأطراف البرلمانية، وهو حزب قلب تونس (ليبرالي- 38 نائباً)، بدعوى تهم الفساد الموجهة لرئيسه نبيل القروي”.
واعتبر أن “التحالف الحكومي بدأ اليوم يفقد تضامنه الأدنى، مقابل وجود تقارب كبير بين النهضة وقلب تونس على مستوى البرلمان”.
وأضاف أن “ما زاد الوضع تعقيداً هو شبهة تضارب المصالح، التي أُثيرت مؤخراً واتُّهم فيها الفخفاخ”.
واعتبر المبروك أن “النهضة أشارت في مناسبات سابقة إلى مسألة توسيع الحزام الحكومي، حتى لا تواجه المنافسين في البرلمان بمفردها”.
ائتلاف مفكك ولا يستطيع إنجاز الملفات الصعبة
رأى الحاجي أن “الدعوة إلى توسيع الحكومة تخفي الوضع الحالي للائتلاف الحكومي، لأنه غير متماسك، نُلاحظ جميعاً حالياً أنه مفكك، وهناك صراعات علنية بين أهم مكوناته، والفخفاخ في هذا الصدد يستند إلى حركة الشعب والتيار أكثر مما يعتمد على النهضة”.
وأضاف أن “الائتلاف ينقسم اليوم إلى معسكرين، هما النهضة من جهة والتيار الديمقراطي وتحيا تونس وحركة الشعب من جهة أخرى”.
وتابع: “ذلك يطرح في العمق مسألة أهم من توسيع الحزام، وهي مدى قدرة حكومة تشقها تناقضات وصراعات سياسية وأيديولوجية على أن تنصرف إلى الإنجاز وتطبيق برنامج، يضاف إلى ذلك أن شبهة التضارب أساءت كثيراً لصورة الحكومة، وقد يصعب على الفخفاخ أن يتجاوز هذه الوضعية بيُسر”.
واعتبر الحاجي أنه “لا يمكن إصدار أي موقف إلا بعد استكمال التقصي بشأن هذه الشبهة.. لكن صورة رئيس الحكومة كرجل يقاوم الفساد قد وقع المسّ بها”.
“قلب تونس”.. طوق نجاة بالنسبة للنهضة
واعتبر المبروك أن حزب “قلب تونس يمثل في هذه المرحلة طوق نجاة لحركة النهضة من خلال التصويت لصالحها في البرلمان، في حين وجدت النهضة أن حلفاءها في الحكومة ينكلون بها في كل مرة”.
وتابع أن “قلب تونس قدم هدايا برلمانية (تصويت) لحركة النهضة، وبدا ذلك جلياً في جلسة مساءلة رئيس مجلس نواب الشعب (البرلمان) راشد الغنوشي (رئيس النهضة) أو في بعض اللوائح التي كانت ضد حركة النهضة”.
وأردف: “النهضة مدينة لقلب تونس، وقد يكون هناك في الأيام القليلة المقبلة تليين للمواقف مع بداية الموسم السياسي الجديد وانقضاء العطلة البرلمانية (بداية سبتمبر/أيلول)، وحينها قد يحصل تعديل وزاري جزئي”.
الحركة تريد حائط صد أمام أصدقاء الإمارات، وهكذا سيكون رد الفخفاخ المتوقع
رأى الحاجي أن مقترح النهضة “ينطلق من ملاحظة موضوعية، وهي أن الائتلاف الحاكم ضعيف، وبالإمكان تعزيزه محاولة مشاركة فرض قلب تونس، ولها في ذلك أهداف أخرى، منها رغبتها بمحاولة فك شيء من العزلة السياسية عن نفسها في مجلس النواب، فليس لها حلفاء ثابتون اليوم سوى قلب تونس وائتلاف الكرامة”.
ومضى قائلاً: “اليوم تريد (النهضة) خلق جبهة أمام اتهامات الحزب الدستوري الحر، (الذي يتهم بأنه ينفذ أجندة إماراتية) الذي لا يؤمن بكل المؤسسات التي انبثقت عن الثورة التونسية، وتحول إلى عامل إرباك بالنسبة إليها”.
واستطرد: “قلب تونس حزب ناشط وموجود على الساحة السياسية، رغم أنه فقد عدداً من قياداته، لكنه لا يزال متماسكاً وله حضور برلماني وله جمهوره، وهو من أقوى الأحزاب حالياً”.
وختم الحاجي بترجيح أن “الفخفاخ سيتجاوب ويتفاعل لاحقاً إيجابياً مع طلبات النهضة، وإلا سيجد نفسه في وضعية جديدة، خاصة مع بدء الموسم السياسي القادم”.
“النهضة” ما زالت تدعم الحكومة
فيما قالت فريدة العبيدي، البرلمانية عن “النهضة”، للأناضول، إن “الحركة لا تزال تسند هذه الحكومة وتدعمها وتحيي المجهودات التي قامت بها أثناء مكافحتها فيروس كورونا، وتعتبر أن الحكومة اشتغلت ولا تزال في ظروف اقتصادية صعبة”.
وأضافت أن “الحركة تنتظر مآل التحقيقات بشأن شبهة تضارب المصالح الموجهة إلى الفخفاخ حتى تحدد موقفها منه”.
وفيما يتعلق بتوسيع الحزام الحكومي، قالت فريدة إن “ذلك يمثل طلباً مبدئياً لحركة النهضة منذ انضمامها لتشكيل الحكومة، لقناعتها بأن الوضع الاقتصادي والاجتماعي يقتضي حزاماً سياسياً يدعم الحكومة ويعزز البرلمان في تمرير القوانين”.
وأوضحت أن “الغرض الرئيس من توسيع الائتلاف هو أن تشتغل الحكومة والبرلمان في أريحية، وليس من هدف خاص بحركة النهضة، وهذا موقف ليس بجديد ولا يحتاج تأويلات”.
ويُنظر إلى تونس على أنها التجربة الديمقراطية الوحيدة الناجحة بين دول عربية شهدت ثورات شعبية، ضمن ما تُسمى الموجة الأولى من الربيع العربي، والتي بدأت بتونس في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010.
ولكن، لماذا ترفض الأحزاب المشاركة في الحكومة توسيع الائتلاف الحاكم؟
وقال رئيس مجلس شورى حركة “النهضة”، الخميس، إن “النهضة دعمت الفخفاخ وصبرت على اختياراته وتحاورت معه وحاولت إقناعه بتطوير الحكومة، لكن للأسف كان لهذا الأخير قناعة، وهو متمسك بالتركيبة الحالية وغير مستعد لتوسيعها”.
وأضاف الهاروني: “منذ البداية طالبنا بتوسيع الحكومة، وبالتضامن داخل الحكومة، بعيداً عن الأيديولوجيات والحسابات الضيقة والمعارك الهامشية، وأن يتم التعاون مع البرلمان ورئيس الجمهورية (قيس سعيد) ومنظمات المجتمع المدني”.
وتابع: “إلى الآن لم نصل إلى حكومة وحدة وطنية، والفخفاخ لم يقتنع بعد بهذا الخيار، وهناك أطراف داخل الائتلاف الحالي تخشى توسيع الحكومة، على غرار التيار الديمقراطي وحركة الشعب”.
واستطرد: “إنهم (التيار والشعب) يتصورون أن دخول أطراف أخرى إلى الحكومة سيكون على حسابهم، ولكننا لسنا في محل محاصصة حزبية”.
وشدد الهاروني على أن “توسيع الحكومة مفتوح للجميع، وليس مقتصراً على ضم (حزب) قلب تونس (ليبرالي- 38 نائباً)”.
وتابع: “سنعمل داخل النهضة على الوصول إلى هذه الحكومة (وحدة وطنية)، التي لديها قاعدة وسياسية برلمانية واسعة، حتى يستقر الحكم وتحل مشاكل تونس الحقيقية، ونبتعد عن الصراعات الحزبية والأيديولوجية”.