تونس…صراع الرئاستين يحتدم ودعوات لإنهاء الأزمة

اشتدت الأزمة بين رئيسيْ السلطة التنفيذية في تونس وكادت تبلغ طريقا مسدودا، بعد اتهام رئيس الدولة قيس سعيد رئيس الحكومة هشام المشيشي بانتهاك الدستور في التحوير الوزاري وتصعيد الأخير بإقالة 5 وزراء في حكومته.

خطوة زادت في تعميق الأزمة وقلصت خيارات رئيس الحكومة هشام المشيشي، الذي استنفذ جميع المحاولات للمرور بالوزراء الجدد الذين نالوا ثقة البرلمان إلى مرحلة التنصيب ومباشرة المهام بصورة رسمية، خاصة وأن الرياح لم تجرِ بما اشتهت سفن المشيشي.

فالمحكمة الإدارية التي توجه إليها رئيس الحكومة المشيشي، طالبا استشارتها في الإشكال القانوني الحاصل في علاقته بأداء القسم أكدت أن رأيها إن كان رفضا أو مساندة له فإنه لن يغير في الأمر شيئا، لأنه يبقى مجرد رأي استشاري ولا يمكن الأخذ به ولا يحل محل الفصل في النزاع.

الأمر الذي حدى برئيس الحكومة هشام المشيشي إلى التوجه إلى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين التي يُجمع خبراء القانون أنها سترد على استشارة رئيس الحكومة بعدم الاختصاص بالبت في الخلاف حول الصلاحيات بين رأسي السلطة التنفيذية.

بالتزامن مع ذلك، تكاثفت أيضا محاولات الحزام السياسي الداعم للقصبة لتطويق هذه الأزمة وحشد الدعم لحكومة هشام المشيشي، فحركة “النهضة” دعت أنصارها إلى الخروج إلى الشارع وتنظيم مسيرات احتجاجية داعمة للحكومة، بينما حدى حزب “قلب تونس” إلى المطالبة بعزل رئيس الجمهورية قيس سعيد بتهمة تجاوز الصلاحيات الدستورية.

حلول ظرفية

وتعقيبا على ذلك، قال القيادي في حزب التيار الديمقراطي والنائب عن الكتلة الديمقراطية زياد الغناي : “إن أزمة الحكم في تونس تحوّلت من خلاف في الرؤى بين رأسيْ السلطة التنفيذية إلى حالة انسداد واضح للأفق عمقه قرار رئيس الحكومة بإجراء تحوير وزاري ذو خلفيات سياسية”.

ويرى الغناي: “إن الخطوة التي قام بها رئيس الحكومة المشيشي بإعفاء 5 وزراء من المشمولين بالتحوير الوزاري من مهامهم لا معنى لها، وهي محاولة يائسة وبائسة لإيجاد حلول ظرفية لحكومته العرجاء”.

وأضاف الغناي: “الحل للخروج من هذه الأزمة بيد الطرف الذي ذهب بالصراع إلى الأمام وهو رئيس الحكومة هشام المشيشي”، قائلا: “إن الحل واضح وبسيط وهو إما أن يقيل رئيس الحكومة الوزراء الذين تتعلق بهم شبهات فساد وإما أن يعلن استقالته”.

واعتبر الغناي “أن المشيشي باستشارته للمحكمة الإدارية وللهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين وباجتماعه بخبراء القانون الدستوري يحاول تجاهل الأزمة وينتهج أسلوب المواربة”.

وتابع: “مع كل يوم يمضي يزداد الخناق على رئيس الحكومة الذي تجاهل معطى مهم وهو أن السياسة قائمة على توازنات وأن رئيس الجمهورية الوافد الجديد على المشهد السياسي أصبح الشخصية الأكثر شعبية في تونس”.

وانتقد الغناي دعوة “حركة النهضة” أنصارها إلى الخروج إلى الشارع، قائلا: “الشارع محرر وهو ملك للجميع والاحتجاج حق لأي طرف، ولكن الثابت هو أن الشارع غاضب جراء السياسات التي انتهجتها حركة النهضة منذ عشر سنوات، وبالتالي كان من الأجدر بدل النزول إلى الشارع تنزيل قرارات تخدم مصلحة هذا الشارع”. 

الحل في إرساء المحكمة الدستورية

على الجانب الآخر، يرى النائب عن الكتلة الوطنية العياشي الزمال، “أن الحل لتجاوز هذه الأزمة بصفة جذرية هو إرساء المحكمة الدستورية، لاعتبارها الهيكل الوحيد الذي يعنى بالفصل في النزاع على الصلاحيات بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية”.

وقال الزمال: “إن إرساء المحكمة ليس بالأمر الهين خاصة في ظل التجاذبات السياسية الراهنة، مشيرا إلى أن هذا الأمر يتطلب ثلاثة أشهر في أحسن الحالات إذا ما وقع الاشتغال عليها بنسق سريع”.

وأضاف: “إن ما يزيد الأمر تعقيدا هو غياب الإرادة السياسية لتركيز هذه المحكمة، خاصة وأن الأغلبية البرلمانية المكونة للجنة الطوارئ فشلت هذا الأسبوع في التصويت على قرار تمرير قانون المحكمة الدستورية منقحا إلى الجلسة العامة”.

التنازل من الطرفين

وفي انتظار إرساء المحكمة الدستورية، قال الزمال: “إنه على رئيسيْ الجمهورية والحكومة أن يقدما جملة من التنازلات، وأن يبادر الأول بدعوة الثاني إلى التحاور والتفاوض من أجل الخروج بحل وسط يخلص البلاد من هذا المأزق الذي أربك دواليب الدولة”.

وشدد الزمال على “أن المبارزة عن بعد لن تؤدي إلى مخرج وستزيد الوضع تعقيدا، داعيا عقلاء البلاد من سياسيين ومنظمات وطنية للتدخل وتقريب وجهات النظر بين الطرفين”.

وحذّر النائب الأطراف السياسية من الدعوة إلى التظاهر والخروج إلى الشارع في مثل هذا الظرف، منبها من انزلاق هذه الدعوات إلى حرب أهلية مماثلة لتلك التي حدثت في بلدان عربية مجاورة لتونس.

إلى ذلك، اعتبر النائب عن الكتلة الوطنية “أن الأزمة الراهنة والصراع بين رأسيْ السلطة التنفيذية أثبتت صحة التوجه نحو تغيير المنظومة السياسية المعتمدة في تونس والتي أثبتت محدوديتها وفشلها في التعاطي مع العديد من الإشكاليات”.

وبيّن الزمال “أن الصراع بين سعيّد والمشيشي لم يكن الأول، إذ سبقه خلاف بين رئيس الجمهورية السابق المنصف المرزوقي ورئيس الحكومة حمادي الجبالي ثم مع المهدي جمعة، وتجدد الخلاف بين الرئيسين الباجي قائد السبسي ويوسف الشاهد”.

واعتبر الزمال “أن تكرر سيناريو الخلافات أثبت أن الخطأ ليس في الأشخاص بقدر ما هو في المنظومة، داعيا إلى التعجيل بتغيير النظام السياسي باعتباره أصبح عائقا أمام استقرار الحكم وتنفيذ الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى