جثامين تبقى منتظرة لأيام، وأخرى تُدفن بالكنائس.. مسلمو إيطاليا لا يجدون قبوراً كافية لضحايا كورونا
شهد أفراد الأقلية المسلمة في إيطاليا كغيرهم تسجيل العديد من الوفيات في صفوفهم جراء فيروس كورونا المستجد الذي فتك بالبلاد، لكنَّ ألمهم تضاعف جرّاء عدم توافر مساحة تكفي لدفن موتاهم، وفقاً لما تنص عليه شعائر الدفن في دين الإسلام.
لا مكان للدفن: بات الأئمة وقادة الجالية المسلمة في إيطاليا يدعون حالياً لإقامة المزيد من المقابر الإسلامية، أو تخصيص مساحة إضافية لهم في مقابر البلاد، إذ يوصي عدد متزايد منهم بدفنهم في بلدهم إيطاليا، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية، الثلاثاء 9 يونيو/حزيران 2020.
إمام مسجد “ميلانو سيستو”، عبدالله تشينا، قال في تصريح للوكالة: “اختبرنا الألم (الناجم عن الوباء)، لكنه تعمّق أحياناً عندما لم تجد بعض العائلات مكاناً تدفن فيه موتاها لعدم وجود أقسام مخصصة للمسلمين في مقابر المدن”.
توفي في إيطاليا أكثر من 34 ألف شخص بالفيروس معظمهم في مناطق الشمال الصناعية، كما عُلقت حركة الطيران في العالم بشكل كامل تقريباً على مدى أشهر.
نتيجة ذلك، لم يكن بالإمكان إعادة المسلمين الذين توفّوا بكوفيد-19 أو غيره من الأسباب إلى بلدانهم الأصلية، كما كان الحال في الماضي، وتسبب ذلك بارتفاع عدد طلبات الدفن وبالتالي اكتشاف أنه لا مكان لهم في مقابر إيطاليا.
يُقدر عدد المسلمين في إيطاليا بنحو 2,6 مليون، أي ما يعادل 4,3٪ من سكان البلاد، ويعيش معظمهم في الشمال ويحمل 56٪ منهم جنسية أجنبية في معظم الحالات من دول في شمال إفريقيا أو جنوب آسيا، ولا توجد إحصاءات رسمية بشأن عدد المسلمين، سواء الإيطاليون أو الأجانب، الذين توفوا خلال فترة تفشِّي الوباء.
مستطيل من الحصى: في مقبرة بروزانو في ضواحي ميلانو، يحدّق مصطفى مولاي (في الخمسينيات من عمره) في قبر ترابي في القسم المخصص للمسلمين ضمن المقبرة الكاثوليكية، ويتحدث عن وفاة زوجته (55 عاماً) بكوفيد-19 في السابع من أبريل/نيسان قائلاً: “إنها مشيئة الله”.
أشار مولاي المولود في المغرب، والذي يعيش في إيطاليا منذ 32 عاماً، إلى أن زوجته أصيبت بالفيروس في مستشفى بميلانو أدخلت إليه قبل شهر على ذلك لإجراء عملية صغيرة في ساقها.
ولا يوجد شاهد على القبر الذي وُضعت حصوات على شكل مستطيل حوله لتحديده، وتبدو القبور الأحدث أفقر بشكل لافت مقارنة بتلك التي دفن فيها من توفوا قبل فيروس كورونا حيث تبدو مُحاطة بالإسمنت ولوح رخامي في بعض الأحيان حفر عليه هلال.
لكن العديد من مسلمي إيطاليا اضطروا لقطع مسافات كبيرة لدفن موتاهم أو ترك الجثث لأيام في المشارح أو حتى في المنازل بحثاً عن مكان لدفنها.
“دفن لائق”: بموجب تعاليم الإسلام، يتعيّن دفن الموتى بأسرع ما يمكن، ويستحسن في غضون 24 ساعة، وكانت قضية حراء إبراهيم، المرأة المقدونية في بيزونيه قرب مدينة بريشا شمالا والتي توفيت والدتها بالفيروس، بين أكثر الحالات صعوبة في هذا الصدد.
بحسب صحيفة “لا ريبوبليكا”، اضطرت هذه المرأة لإبقاء جثة والدتها في المنزل لأكثر من عشرة أيام لعدم وجود مقبرة للمسلمين في منطقتها، وذكرت الصحيفة أن أعداداً لا تحصى من العائلات المسلمة وجدت نفسها في مأزق مأساوي مشابه خلال الأزمة.
في هذا السياق، قال الإمام تشينا إن المشكلة مستمرة حتى بعد انحسار موجات الوفيات الأكبر بالفيروس، وأوضح أنه تم نقل جثة مسلم توفي في ميلانو الأسبوع الماضي إلى منطقة على بعد نحو 50 كلم لدفنها.
أمام هذا الوضع الصعب، فتحت بعض المقابر الكاثوليكية أبوابها لدفن المسلمين فيها، وشكر تشينا رؤساء المجالس البلدية الذين “فتحوا المقابر خلال الأزمة لضمان (حصول الموتى المسلمين) على دفن لائق”.
من جانبه، قال رئيس المركز الإسلامي في ميلانو أبوبكر قدودة إن بعض العائلات في بريشا وبيرغامو (المنطقتين الأكثر تأثّرا بفيروس كورونا المستجد في البلاد) اضطرّت للانتظار “لوقت طويل للغاية” لدفن موتاها، مضيفاً: “لم نفكّر في المسافة. توجّهنا إلى أول بلدة وافقت على استقبال الجثث. كان همّنا الأول قبل أي شيء العثور على مكان” لدفنهم.
عدد قليل من المقابر: يعدّد اتحاد الجالية الإسلامية في إيطاليا 76 مقبرة في البلد الذي يضم نحو 8000 بلدية، وبُنيت أقدم هذه المقابر عام 1856 في مدينة ترييستي في شمال شرق البلاد، بينما تعود تلك المقامة في روما إلى عام 1974.
وبموجب القانون الإيطالي، بإمكان المقابر أن تخصص “أقساماً خاصة ومنفصلة” لغير الكاثوليك لكنها غير مجبرة على ذلك، وبحسب قدودة فإن الحكومة كانت متعاونة في هذا الصدد، لكنه دعا إلى المزيد من “الإرادة السياسية” لإتاحة مساحات إضافية لدفن المسلمين.
لكن مع الوقت، ستزداد الحاجة لتخصيص مواقع لدفن المسلمين في وقت يفضّل فيه المهاجرون وأبناؤهم أن يتم دفنهم في إيطاليا.
في السابق كان هنالك صندوق للدفع لإعادة الجثث إلى بلدان أصحابها الأصلية، لكن الوضع تغيّر، وفقاً لما قاله قدودة، وأضاف: “لا يزال بعض كبار السن يرغبون بأن يتم دفنهم في بلدانهم الأصلية. لكن لدى العديد منهم أبناء وأحفاد في إيطاليا وباتوا يفضلون أن يدفنوا هنا”.