آخر الأخبارتحليلات و آراء

حتى لا تصبح غزة.. بيئة طاردة

سليم الزريعي

يبدو أن حركة حماس غير معنية بما يجري لأهل غزة من حرب إبادة مستمرة، منذ إعلان طوفانها في 7 أكتوبر2023، في ظل سياسة صهيونية وأمريكية تريد أن تجعل من القطاع منطقة غير صالحة للحياة، لدفع السكان البحث عن مناطق لجوء آمنه خارج القطاع، على قاعدة أن الفلسطينيين يعتبرون أن تمسك الفلسطيني بالحياة، هي في ذاته مقاومة.

لأنه يصبح نوعا من التضليل المتعمد، ادعاء أن هناك مقاومة لحرب الإبادة، في حرب تسير في اتجاه واحد، ضحيتها أهل غزة، وبنية القطاع المادية، في ظل التفاوت الفادح في ميزان القوى،  بين الكيان الصهيوني وحماس، ضمن ما تسميه حماس حرب الاستنزاف، وفق رسالة يحيى السنوار إلى زعيم الحوثيين عبدالمالك الحوثي، لكن السؤال هل تستطيع إدارة حماس في غزة أن تجاري العدو في ذلك، في ظل حرب الإبادة المدعومة أمريكيا، وهي التي لا تملك سوى ورقة المختطفين للمساومة بها، وهي الورقة التي لم تعد بذات الأهمية بعد هذه الحرب، وسياسة الكيان، التي ربما تعتبر ضمنا أن الرهائن هم أيضا ثمن مستحق، على غرار مقولة حماس، من أن شهداء غزة وتدمير القطاع هو ثمن مستحق من أجل التحرير، في حين أن هدف الكيان هو استهداف الإنسان الفلسطيني في ذاته في غزة، لدفع جزء لا بأس به  من أهله على مغادرته كرها أو طوعا، من أجل إنقاذ حياته من هذه المحرقة.

لكن المخجل بالمعني الفكري والسياسي والأخلاقي، أن يجري في الكيان الصهيوني كل هذا الجدل والصراع السياسي بين قواه المختلفة، من أجل تصويب مسارات عدوانه، وهو بالمناسبة صراع يسبق طوفان حماس، فيما تعتبر حماس أن طوفانها فعل مقدس وغير قابل للنقاش، مع كل الخراب الذي لحق أهل غزة والضفة، والقضية الفلسطينية جراءه،  في ظل غيبوبة فكرية وسياسية عاشتها وما تزال تعيشها حركة حماس فيما المعطيات الملموسة،  تكشف بؤس هذا التفكير، ليسن لأن المقاومة ليست حقا مشروعا، ولكن الأمر يتعلق بكيفية توظيف هذه المقاومة، وبالطبع ليس بالادعاء أن عملية 7 أكتوبر كانت ضربة استباقية، لأن الضربة الاستباقية،  هي في القدرة على منع العدو من أن يعتدي عليك لاحقا، أي في تحييده كليا أو جزئيا، أو القول إن حماس قامت بعمليتها حسب المثل الشعبي، “اتغدى بيه قبل ما يتعشى بيك” ، وفي حين أن المثل يقول بتحييد العدو مسبقا من أجل منعه من أن يتعشى بك، لكن الذي حدث هو أن العدو ما يزال منذ ما يقارب العام والنصف وهو يمارس عدوانه بشكل غير مسبوق في تاريخ الصراع مع الكيان الصهيوني، بأن باتت غزة والضفة حاضرتان في كل وجباته!.

ولم يقتصر الأمر على الشعب الفلسطيني، وإنما طال الشعب اللبناني والسوري، بأن أخرج حزب الله ليس من معادلة الصراع مع العدو، وإنما من دوره في المشهدين اللبناني والعربي، حتى أنه أجبر على ممارسة الآن فضيلة الصمت أمام استمرار الحرب على غزة، حتى أنه نفى علاقته بإطلاق صواريخ على الجليل: وقال إنهم ملتزمون باتفاق وقف إطلاق النار، بعد أنهت الحكومة الجديدة في لبنان مقولة الحزب حول معادلة “الجيش، الشعب ، المقاومة”، بالتأكيد على أن قرار السلم والحرب هو فقط في يد الدولة اللبنانية. وهذا متغير يطال لبنان والعراق وإيران، باستثناء الحوثيين الذين يطلقون بعض القذائف تجاه فلسطين المحتلة، وهي تأتي في سياق الدعم المعنوي، ولا تشكل أي إضافة في ميزان القوى المادي، ومع ذلك فهم يتعرضون لعدوان أمريكي بريطاني ردا على استهداف الكيان الصهيوني والملاحة في البحر الأحمر، وشتان ما بين نتائج قصف الحوثيين فلسطين المحتلة، ونتائج العدوان الأمريكي البريطاني على مناطق الحوثيين.

وأمام فشل الوصول لحل إنساني أو أفق سياسي، بعد أن تشرد معظم أهل غزة، ازدادت الأمور تعقيدا، جراء استئناف العدوان على القطاع، بأن عادت أوامر العدو بالإخلاء والنزوح مجددا، وهذا المستجد يطرح سؤال كيف يفكر أهل غزة؟،  يمكن قراءة ما يفكر فيه أهل القطاع من خلال الاستطلاع الذي أجراه معهد غالوب قبل استئناف الكيان الصهيوني عدوانه الجديد، ونشرته صحيفة “تلغراف” البريطانية يوم 21 مارس الجاري، الذي كشف أن الكثيرين من أهل غزة،  ممن هم دون الأربعين سنة، أي فئة الشباب،  يفكرون  في الخلاص الفردي، بأن كشف استطلاع للرأي، أن ما يقرب من نصف سكان غزة مستعدون لمغادرة القطاع إذا أتيحت لهم الفرصة، أي أكثر من مليون شخص.

وأظهر الاستطلاع، الذي أجري بين 532 من سكان غزة البالغين في الفترة من 2 إلى 13 مارس الجاري، قبل استئناف العمليات العسكرية الإسرائيلية، أن 52% من المشاركين سيغادرون غزة بطريقة أو بأخرى، 38% مؤقتا بقصد العودة، و14% بشكل دائم.

وجاء في الاستطلاع أن “الشباب الذين تقل أعمارهم عن 34 عاما وسكان المناطق الأكثر تضررا مثل مدينة غزة وخان يونس هم الأكثر احتمالا للتفكير في المغادرة. أي أن القطاع تحول جراء عدوان اليهود الصهاينة، وبؤس سياسة وخيارات حماس، إلى بيئة طاردة.

إن قراءة الاستطلاع، تظهر أن زرع الشعور بعدم الأمان بالمعني الشخصي والعائلي، والتدمير المتعمد لمصادر الرزق في الزراعة والصناعة والعمل الحرفي، وغياب الأفق السياسي، كانت الوسيلة لدفع الناس للبحث عن الأمان، وفرص للعيش خارج القطاع،  الذي كان لسنوات أكبر معتقل في العالم، بعد انقلاب حماس على السلطة الفلسطينية يونيو 2007، وفصله عن الضفة الغربية، وطوال تلك السنوات أكدت حماس أنها تفتقد إلى الحس بالمسؤولية كسلطة لكل الناس، ومن ثم فإنه بات من الصعب على الكثيرين البقاء في غزة في  ظل وجودها الأمني والعسكري والتجربة المرة تحت مسؤوليتها، كونها لم تُدر القطاع بشكل يحقق غاية المقاومة من جانب، وحماية غزة وأهلها من جانب آخر، وهذه هي النتيجة حرب إبادة.

ولذلك من الضروري ، أن لا تعاد تجربة سلطة حماس من أي طرف فلسطيني، والمقصود هنا، ليس حماس الناس، من أعضاء ومناصرين، ولكن حماس السلطة والادعاء أنها ربانية، غير خاضعة للنقد، وهذا هو التحدي بعد تجربة حماس، وأيضا تجربة حركة فتح، أي سلطة رام الله، التي كشفت الحرب بؤس مواقفها، ومقارباتها السياسية ودورها كسلطة لكل الفلسطينيين داخل فلسطين، ، في حين أنها كانت تستطيع، ولكنها لم تقم بذلك، بعد أن باتت مكبلة بالمصالح والشيخوخة، وهي الثنائية البغيضة التي أفرزت عجزا لا يليق بها.

ولذلك يجب على القوى الحية في شعبنا، تطويق محاولة العدو جعل غزة بيئة طاردة، كي لا تستغلها القوي المعادية لتنفيذ تلك المشاريع المشبوهة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى