حكومة “برأسين”.. قصة التناوب على رئاسة الوزراء في إسرائيل من شامير إلى نتنياهو
وطرأت هذه التساؤلات بعد أن أعلن يائير لابيد زعيم حزب “هناك مستقبل” منتصف ليل الأربعاء 2 يونيو/حزيران نجاحه في التوصل لاتفاق مع 7 أحزاب أخرى لتشكيل حكومة لتنتهي بذلك رئاسة نتنياهو للوزارة والتي استمرت منذ أكثر من عقد متصل.
اتفاق تشكيل الحكومة الجديدة ينص على أن يتولى نفتالي بينيت رئيس حزب “يمينا” رئاسة الوزراء أولاً لمدة عامين حتى سبتمبر/أيلول 2023، ثم يخلفه “لابيد” حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2025.
ويضم الائتلاف الحكومي 8 أحزاب: “هناك مستقل” (وسط – 17 مقعداً من أصل 120 بالكنيست) و”يمينا” (يمين – 7 مقاعد) و”العمل” (يسار – 7 مقاعد) و”أمل جديد” (يمين – 6 مقاعد)، و”أزرق – أبيض” (وسط – 8 مقاعد)، و”ميرتس” (يسار – 6 مقاعد) والقائمة العربية الموحدة (4 مقاعد)، و”إسرائيل بيتنا” (يمين – 7 مقاعد).
هل هذه أول مرة لحكومة برأسين في إسرائيل؟
كلا، فقد شهدت إسرائيل تشكيل حكومة ائتلافية نصَّ اتفاقُ التوصل إليها على مبدأ التناوب على رئاسة الوزارة في أكثر من مناسبة على مدى تاريخها البالغ نحو 73 عاماً فقط.
وتحمل حكومة بينيت-لابيد – التي من المنتظر أن تؤدي اليمين الدستورية خلال عشرة أيام – الرقم 36 في قائمة الحكومات الإسرائيلية منذ عام 1948، بينما الحكومة رقم 35 برئاسة نتنياهو تشكلت بالأساس على مبدأ التناوب على رئاسة الحكومة.
وكان نتنياهو زعيم حزب الليكود وبيني غانتس زعيم حزب أزرق – أبيض قد وقَّعا على اتفاق لتشكيل حكومة طوارئ في إسرائيل، بعد الانتخابات الثالثة – الانتخابات الأخيرة في مارس/آذار 2021 كانت الرابعة في غضون عامين – على وقع تفشي وباء كورونا والرغبة في تفادي سيناريو الانتخابات الرابعة.
وتضمن الاتفاق بين نتنياهو وغانتس أن يتناوب الزعيمان على منصب رئيس الوزراء، حيث يستمر نتنياهو في المنصب لمدة 18 شهراً، يكون خلالها غانتس نائباً له ووزيراً للدفاع، ثم يصبح الأخير رئيساً للوزراء في أكتوبر/تشرين الأول 2021 لمدة 18 شهراً أخرى.
وأدى اختلاف الرجلين حول مدة الموازنة العامة للدولة إلى تأكد غانتس من أن نتنياهو لا ينوي احترام الاتفاق بينهما والتنازل له عن رئاسة الحكومة بالفعل في الموعد المقرر، فانفضت حكومة الطوارئ وتم إجراء الانتخابات الرابعة التي نتج عنها اتفاق تشكيل حكومة برأسين بين “بينيت ولابيد”.
وهناك أيضاً تجربة أخرى لحكومة برأسين في إسرائيل تحمل الرقم 23 في قائمة الحكومات، وكان بطلاها إسحق شامير زعيم الليكود (يميني) وشمعون بيريز زعيم حزب العمل (يساري)، وكان ذلك خلال ثمانينات القرن الماضي، بحسب موقع الكنيست الإسرائيلي.
ووقتها تولى شامير رئاسة الحكومة لمدة ست سنوات بالتناوب مع غريمه السياسي شمعون بيريز، وقد تولى الاثنان بالتناوب وظيفتي رئيس الوزراء ووزير الخارجية، وأدى التزامهما بما تم الاتفاق عليه إلى إكمال الحكومة مدتها الدستورية وقتها، عكس تجربة نتنياهو-غانتس.
ماذا يحدث للوزراء عند تبديل رئيس الحكومة؟
ولا شك أن تجربة التناوب على رئاسة الحكومة بهذا الشكل أو تبادل الأدوار الوظيفية تطرح تساؤلات بشأن مصير الوزراء على سبيل المثال. فهل يكون من حق رئيس الوزراء الجديد أن يعيد تشكيل الحكومة بالكامل ويقيل وزراء أو يغير حقائبهم الوزارية؟
من المهم في هذا السياق توضيح أن تشكيل حكومة ائتلافية يمثل الاستثناء وليس القاعدة في هذا الشأن، بمعنى أن الأصل هو أن يتولى حزب الأغلبية في النظام البرلماني – كالنظام في إسرائيل – تشكيل الحكومة، بينما يكون الحزب الآخر الأكبر ضمن المعارضة.
ولكن عندما تأتي نتيجة الانتخابات البرلمانية متقاربة ولا تعطي أغلبية لأحد الأحزاب الرئيسية، هنا يأتي الاستثناء وتبدأ المفاوضات بين زعماء الأحزاب الحاصلة على أعلى الكتل البرلمانية، وتحمل الحكومات التي يتم تشكيلها في هذه الظروف أسماء متعددة، أبرزها حكومة ائتلافية أو حكومة طوارئ أو حكومة وحدة وطنية.
وتكون المفاوضات الهادفة إلى تشكيل مثل هذه الحكومات من أصعب المفاوضات السياسية على الإطلاق، ربما حتى أصعب كثيراً من التفاوض بين دولتين بينهما صراعات. ويكون زعماء الأحزاب التي تتفاوض في هذه الحالات تحت ضغوط متنوعة. وتأتي أول تلك الضغوط من القاعدة الانتخابية للحزب، حيث تنتخب تلك القاعدة أعضاء الحزب على أساس أجندة تكون على الأرجح مختلفة عن أجندة الأحزاب الأخرى.
ويقع على كاهل زعيم الحزب المكلف بتشكيل الحكومة إجراء صفقات وتوازنات وتقديم تنازلات للأحزاب الأخرى التي يسعى لكسبها ضمن التحالف. وتحتم هذه الصورة على جميع الأطراف عدم ترك أمور مثل المناصب الوزارية لما بعد اكتمال عملية التشكيل، وهو ما يعني أن الاتفاق يشمل – في العادة – توزيع المناصب الوزارية واختيار الوزراء طوال عمر الحكومة الدستوري.
الخلاصة هنا أن رئيس الحكومة الذي يتولى المنصب في العامين التاليين – في حالة الحكومة الإسرائيلية الحالية سيكون يائير لابيد – لن يمتلك صلاحية إجراء تغيير وزاري سواء شامل أو محدود بشكل منفرد.
ماذا عن وضع بيني غانتس الآن؟
ربما تكون حالة وزير الدفاع الحالي بيني غانتس نموذجاً جيداً لتوضيح وضع الوزراء في حالة حكومة التناوب أو “الحكومة ذات الرأسين” كما توصف. ففي حكومة الطوارئ، اتفق نتنياهو وغانتس (زعيم حزب أزرق – أبيض الذي حل ثانياً في الانتخابات الثالثة العام الماضي وحصل على 33 مقعداً بعد ليكود نتنياهو الحاصل على 36 مقعداً) على التناوب على رئاسة الحكومة، فظل نتنياهو رئيساً للوزراء وتولى غانتس منصب وزير الدفاع و”نائب رئيس الوزراء”.
ومن المهم هنا أن نذكر أن “نائب رئيس الوزراء” هو لقب وليس منصباً رسمياً، أي أن صاحبه لا يمتلك صلاحيات تتعلق بمنصب رئيس الوزراء من الأصل، ونسمع كثيراً – ليس في إسرائيل وحدها ولكن في دول أخرى كثير منها عربية – عن وجود أكثر من نائب لرئيس الوزراء.
وبعد أن نكث نتنياهو بوعوده بالتنازل عن رئاسة الحكومة لغانتس بعد مرور عام ونصف – حسب ما خلص إليه غانتس قياساً على إصرار نتنياهو تقديم موازنة عامة لعامين – وتحولت حكومة الطوارئ إلى حكومة تصريف أعمال وأجريت الانتخابات الرابعة، ظل غانتس محتفظاً بمنصبه وزيراً للدفاع.
وشهدت حصة حزب أزرق – أبيض في الانتخابات الرابعة تراجعاً إلى المركز الثالث من حيث عدد المقاعد التي حصل عليها، حيث حصد 8 مقاعد فقط (تراجع كبير في شعبية الحزب عن الانتخابات الثالثة أرجعه أغلب المحللين إلى موافقة غانتس على التحالف مع نتنياهو لتشكيل حكومة الطوارئ).
ورغم ذلك، قد يتبادر إلى الذهن أن من حق غانتس – وليس بينيت زعيم حزب يمينا (7 مقاعد – أن يتناوب مع لابيد (17 مقعداً) على رئاسة الحكومة، والواقع أن نتنياهو تقدم بالفعل بطعن إلى مكتب الرئيس الإسرائيلي على اتفاق التناوب بين لابيد وبينيت، لكن تم رفض الطعن.
ووافق غانتس على أن يتولى منصب وزير الدفاع في الحكومة الائتلافية، وهو ما يشير إلى أن بينيت الذي سيتولى رئاسة الوزارة أولاً ولابيد الذي سيتناوب على الرئاسة بعد عامين اتفقا على أن يتولى غانتس حقيبة الدفاع طوال السنوات الأربع، هذا على افتراض أن تجربة الائتلاف والحكومة برأسين نجحت بالفعل في الصمود أمام المتحفز نتنياهو.
الخلاصة هنا أن تجربة الحكومة ذات الرأسين تندرج تحت مقولة “الحاجة أُم الاختراع” وتشبه إلى حد ما زواج المصلحة، وتظل فرص نجاحها معلقة باستمرار المصلحة التي من أجلها وافقت الأطراف المتنافرة على التوحد ولو مؤقتاً.