خسائر بالملايين وعزل تل أبيب عن العالم.. سر استهداف المقاومة مناطق حساسة في إسرائيل
إضافة إلى وصول صواريخ المقاومة الفلسطينية إلى جميع مناطق إسرائيل، من الواضح أن “بنك الأهداف” هذه المرة يحمل دلالة على أن الهدف الأساسي يبدو وكأنه الاقتصاد وأمور أخرى.
وقبل الدخول إلى تفاصيل قصة “بنك الأهداف” الإسرائيلية التي قصفتها صواريخ المقاومة الفلسطينية، من المهم التذكير بالكيفية والأسباب التي أشعلت هذا الصراع هذه المرة.
تحمل هذه الجولة من الصراع عنواناً رئيسياً هو “بنيامين نتنياهو ليس مستعداً لإنهاء مسيرته كأطول رئيس وزراء في تاريخ إسرائيل بدخول السجن حال إدانته”، والمقصود هنا هو أن نتنياهو، الذي يحاكم حالياً بتهم الفساد والرشوة وخيانة الأمانة يسعى للبقاء في منصبه بأي ثمن، وأدى تحالفه في الانتخابات الأخيرة مع المستوطنين اليمينيين، ومنهم جماعة “لاهافا” المتطرفة، إلى تفجير الأوضاع في القدس الشرقية المحتلة وصولاً إلى الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، ما أدى إلى تأجيج مشاعر الفلسطينيين.
وطالبت حركة المقاومة الإسلامية حماس وحركة الجهاد الإسلامي وغيرهما من الفصائل الفلسطينية الحكومةَ الإسرائيليةَ بوقف الاعتداءات في القدس والمسجد الأقصى، وبالطبع لم يحدث ذلك، بل ازدادت الاعتداءات حدة ووصلت إلى تحويل ساحات الأقصى لساحة حرب في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، فكان إطلاق أول رشقة صواريخ من قطاع غزة تجاه إسرائيل، فردّت إسرائيل بضربات جوية هدمت أبراجاً سكنية، وبدأ سقوط الشهداء، وذلك منذ الإثنين 10 مايو/أيار.
خسائر إسرائيل بالملايين
وقد استشهد 65 فلسطينياً، بينهم 16 طفلاً و5 سيدات ورجل مسن، وأصيب أكثر من 1000 بجروح جراء الغارات الإسرائيلية “الوحشية” المتواصلة على قطاع غزة منذ الإثنين، إضافة إلى مواجهات بالضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة، وفق مصادر فلسطينية رسمية، فيما قُتل 6 إسرائيليين في القصف الصاروخي الذي تشنه الفصائل من قطاع غزة.
ورغم أن الضربات الإسرائيلية متواصلة، وكذلك إطلاق الصواريخ من غزة، ولا أحد يمكنه التوقع كيف يمكن أن تنتهي هذه الجولة من الصراع، فإن هناك عدة سوابق من الصعب تجاهلها بشأن صواريخ المقاومة والأهداف التي ضربتها هذه المرة.
فقد أعلن اتحاد المصنعين في إسرائيل صباح اليوم الخميس، 13 مايو/أيار، أن “الضرر على اقتصاد إسرائيل من إطلاق حماس صواريخ من غزة وصل إلى 540 مليون شيكل (نحو 160 مليون دولار)، وذلك خلال ثلاثة أيام فقط (من الإثنين إلى الأربعاء).
وإذا أضيف إلى تلك الفاتورة التي تأتي فقط من قطاع واحد وهو قطاع الصناعة الأضرار التي لحقت بقطاع الطاقة، بعد استهداف صواريخ المقاومة لخط أنابيب إيلات-عسقلان، واشتعال النيران في صهاريج الوقود الضخمة في ميناء عسقلان منذ مساء الإثنين، يتضح أن هناك ما يمكن وصفه بخطة المعركة من جانب فصائل المقاومة في غزة.
والمقصود هنا هو أن ما تسميه إسرائيل ببنك الأهداف في قطاع غزة المحاصر، والذي يبدو أنه يركز بشكل واضح على تدمير الأبراج السكنية في القطاع، وتشريد أكبر عدد ممكن من السكان المدنيين، وكذلك قتل عدد كبير من السكان لرفع “فاتورة المعركة” على المقاومة، يقابله بنك أهداف نوعي من جانب حماس والفصائل الأخرى في القطاع، هدفه ضرب إسرائيل اقتصادياً وعزلها عن العالم.
استهداف المطارات الإسرائيلية
وربما تكون هذه هي المرة الأولى التي تنطلق فيها صافرات الإنذار في أغلب المدن الإسرائيلية بسبب صواريخ المقاومة التي يتم إطلاقها من قطاع غزة، وأدى ذلك للمرة الأولى أيضاً لتعليق الطيران في مطار بن غوريون في تل أبيب بعد أن استهدفته صواريخ المقاومة.
واليوم الخميس قالت كتائب القسام -الجناح العسكري لحماس- في بيان، إن صاروخاً أُطلق نحو مطار رامون، الذي تم تحويل الطائرات القادمة إلى إسرائيل نحوه بدلاً من مطار بن غوريون.
وكانت وكالة رويترز قد كشفت مساء الأربعاء أن إسرائيل حولت مسار رحلات قادمة إلى مطار بن غوريون إلى مطار رامون، القريب من منتجع إيلات على البحر الأحمر، الذي صُمم منذ عامين فقط ليكون بديلاً في زمن الحرب لمطارها الدولي الرئيسي في تل أبيب.
وبحسب آفي شارف، المحرر في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فإن رحلة طيران شركة العال الإسرائيلية رقم 332 في طريقها للهبوط في مطار رامون بالقرب من إيلات. وتشير بيانات على الإنترنت إلى أن الرحلة كانت قادمة من بروكسل.
واليوم الخميس قالت صحيفة “هآرتس” على موقعها الإلكتروني: “ألغت شركات طيران كبرى من أوروبا والولايات المتحدة رحلاتها إلى إسرائيل، في ظل تدهور الوضع الأمني”.
وأضافت في هذا الصدد “أعلنت كل من (دلتا) و(يونايتد إيرلاينز) و(لوفتهانزا) والخطوط الجوية النمساوية والخطوط الجوية البريطانية أنه سيتم تعليق رحلاتها”.
وتابعت: “قالت لوفتهانزا والخطوط الجوية النمساوية إن رحلاتها من فرانكفورت وفيينا وميونيخ لن تمضي قدماً يومي الخميس والجمعة، بينما قالت شركتا يونايتد إيرلاينز ودلتا إن الرحلات الجوية ستستأنف يوم السبت”.
وفي هذا السياق، كشف الناطق باسم كتائب القسام أبوعبيدة، في بيان، عن صاروخ جديد يبلغ مداه 250كم، ويحمل اسم الشهيد المهندس يحيى عياش، مضيفاً أنه بقوة تدميرية هي الأكبر، وتابع “ندخل صاروخ عياش 250 للخدمة، ونقول للعدو مطاراتك وكل نقطة من شمال فلسطين إلى جنوبها في مرمى صواريخنا، وها هو سلاح الردع القادم يحلق في سماء فلسطين نحو كل هدفٍ نحدده ونقرره”.
وقال نفس البيان إن القائد العام محمد الضيف يدعو شركات الطيران العالمية إلى “وقفٍ فوريٍّ لرحلاتها إلى أي مطار في نطاق جغرافيا فلسطين المحتلة”.
تكاليف القبة الحديدية واستدعاء الاحتياط
هناك أيضاً جانب آخر، اقتصادي أيضاً، يتمثل في تكلفة تشغيل القبة الحديدية -أي نظام الدفاع الصاروخي الذي تتباهى به إسرائيل وتسعى لتصديره إلى دول أخرى- حيث تقول التقارير إن كل صاروخ واحد تطلقه تلك القبة يتكلف ما يزيد عن 180 ألف دولار.
وجاء مشهد هروب المستوطنين من مظاهرة كانت تستهدف اقتحام المسجد الأقصى، بسبب الصواريخ التي أطلقت من غزة، ومشهد فض جلسة للكنيست الإسرائيلي للسبب ذاته، بمثابة دليل دامغ على فشل نظام القبة الحديدية التي يبدو واضحاً أن فصائل المقاومة قد تأقلمت معها بعد عقد من تشغيلها، وتمكنت الفصائل من تطوير صواريخها وتنويع طرق إطلاقها بصورة لافتة هذه المرة.
ومن المرجح أن تتسبب تلك الجولة من الصراع في أضرار بالغة بسمعة القبة الحديدية التي تسوّقها إسرائيل باعتبارها من أنجح تقنياتها العسكرية، فقد نجحت صواريخ المقاومة هذه المرة في استهداف تل أبيب التي أغلقت إسرائيل مطارها، وتفيد تقارير بأن المناطق التي استهدفتها صواريخ الفصائل الفلسطينية يسكنها نحو 4.5 مليون إسرائيلي، تم شل حياتهم بسبب هذه الهجمات، من جرّاء اضطرار كثير منهم للهروب إلى الملاجئ.
ضرب السياحة وتصنيف إسرائيل الائتماني
ومن الطبيعي أن تؤثر تلك النجاحات التي حققتها صواريخ المقاومة على احتمالية تأجيل استئناف السياحة الوافدة إلى إسرائيل، ففي 13 أبريل/نيسان الماضي، أعلنت وزارة السياحة الإسرائيلية عن عودة رحلات السياحة الأجنبية اعتباراً من 23 مايو/أيار 2021، بعد فتح كافة المرافق، عقب عمليات تطعيم واسعة ضد فيروس كورونا.
لكن انطلاق صواريخ القبة الحديدية من منصاتها المثبَّتة في محيط مطار بن غوريون الدولي للتصدي لهجمات غير مسبوقة بالصواريخ، أدى إلى إعلان هيئة الطيران المدني الإسرائيلية تعليق إقلاع جميع الرحلات من مطار بن غوريون في تل أبيب، وتحويل مسار الطائرات إلى اليونان وقبرص الرومية.
وقد يدفع استمرار هجمات الفصائل الفلسطينية بالصواريخ رداً على القصف الإسرائيلي لمناطق واسعة في قطاع غزة، إلى إعلانٍ آخر بتعليق الرحلات الوافدة إلى مطار بن غوريون، كذلك لم تشهد المدن الإسرائيلية منذ عقود، حالة العصيان والاشتباكات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين كما هي عليه الآن؛ الأمر الذي دفع إسرائيل إلى إعلان حالة الطوارئ في مدينة اللد (وسط).
وكما أسواق الأسهم، فالسياحة المحلية والوافدة سريعة التأثر سلباً بأية توترات أمنية، إذ تقع مدن القدس وتل أبيب وصولاً إلى مشارف إيلات (جنوب)، في مرمى صواريخ الفصائل الفلسطينية.
يأتي ذلك، بينما تجهزت المرافق السياحية بإسرائيل لاستقبال أول الوفود السياحية الأجنبية في 23 مايو/أيار الجاري، ولم يصدر أي تحديث عن وزارة السياحة الإسرائيلية حتى صباح الأربعاء، بشأن استقبال السياحة الوافدة، فيما يبدو أنه انتظار لأية تطورات دولية قد تفضي إلى عودة الهدوء.
واليوم الخميس، حذَّرت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية من أن الجولة الحالية من الصراع قد يكون لها أثر سلبي على التصنيف السيادي لإسرائيل.
وكانت فيتش قد أكدت في يناير/كانون الثاني، تصنيف إسرائيل البالغ A+ مع نظرة مستقبلية مستقرة، لكنها قالت إن المخاطر السياسية والأمنية ذات التأثير الخطير طويل الأمد على الاقتصاد قد تكون دافعاً إلى “تحرك نحو تقييم سلبي”. وقال محللو الوكالة في تقرير نُشر الخميس: “أعمال العنف الأحدث قد تهدد النظرة المستقبلية”.
الخلاصة هنا أن إسرائيل تسعى من جانبها لهدم أكبر عدد من الأبراج السكنية والمباني بقطاع غزة، والتسبب في حصيلة بشرية ضخمة من الشهداء والمصابين؛ لإجبار حماس والفصائل الأخرى على وقف إطلاق الصواريخ والرضوخ في نهاية الأمر، بينما تسعى المقاومة من خلال صواريخها إلى ضرب إسرائيل اقتصادياً وعزلها عن العالم لتحقيق الهدف نفسه.