خطة الرئيس الصيني المعقدة للتغلب على محاولات أمريكا عرقلة صعود بلاده.. هل تنتهي بقيادة بكين للعالم؟
إذ يمكننا تفهم صدمة المراقبين في الغرب، والولايات المتحدة على وجه التحديد الذين يجدون صور السباق نموذجاً للفارق بين نجاحات الصين وإخفاقات بلادهم التي دمرتها الجائحة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
ويظهر في الصور آلاف الرياضيين يندفعون على مقربة من بعضهم البعض في شوارع المدينة، في حين لوح المتفرجون بالأعلام وهتفوا لهم من جانبي الطريق. وبالكاد يمكن رؤية كمامات في تلك الصور.
تشيرنوبل الأمريكية تكشف أبرز نجاحات الصين
منذ عام تقريباً لم تكن هناك أي حالات كورونا في الصين، يمثل هذا أبرز نجاحات الصين الذي يظهر أكثر الفشل الأمريكي في مواجهة الجائحة.
وفي الشهور الأولى من العام 2020، قال بعض المعلقين الأمريكيين إن الارتفاع الحاد في أعداد الإصابة والاستجابة المتخبطة في البداية من جانب السلطات المحلية في مدينة ووهان الصينية يمكن أن يخلقا “تشيرنوبل” صينية، وهي كارثة تاريخية قد تكشف الإخفاقات الجوهرية لحكم بكين المعتم الاستبدادي ذي الحزب الواحد.
لكن بينما يوشك العام على الانتهاء، صار شبح تشيرنوبل يلوح أكثر في الولايات المتحدة، محلقاً فوق بلد منقسم سياسياً وشهد 300 ألف حالة وفاة متعلقة بفيروس كورونا بحلول أمس الإثنين 14 ديسمبر/كانون الأول، بينما يتواصل الهجوم الشرس من الإصابات الجديدة.
لكن بغض النظر عن خطيئة الصين الأصلية في ظهور المرض- والتساؤل القائم بشأن إحصاءاتها الرسمية لأعداد الوفيات والإصابات-، يملك زعماؤها أسباباً للاعتقاد بأنهم تعاملوا مع المشكلة بشكل أفضل كثيراً من خصومهم الجيوسياسيين في الغرب. إذ إنّه بعد تفشي المرض في ووهان، أحكمت السلطات الصينية قبضتها على تفشي المرض وحدت من انتشاره في المجتمع عندما تفشى في البلاد.
هاهي أمريكا تحاول عرقلة صعود الصين
لكن ما غطى على رصد نجاحات الصين كان التراجع المطرد في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين. إذ فرضت إدارة ترامب رسوماً جمركية على البضائع الصينية، وعقوبات على بعض المؤسسات الصينية، وسعت لإقناع شركائها في أوروبا ومناطق أخرى بإعاقة تقدم الصين في قطاع التكنولوجيا.
وينتقد الرئيس ترامب، وحلفاؤه من اليمين في الغرب، الصين لكونها منتفعاً غير عادل من العولمة في العقود الماضية. وفي واشنطن، يبدو كل من الديمقراطيين والجمهوريين مقتنعين بالحاجة إلى اعتبار الصين خصماً منهجياً لهم. وهي رؤية يُحتمل أن تظل مستمرة حتى بعد تنصيب الرئيس الديمقراطي المُنتخب جو بايدن.
ويبدو أن هذه الرسالة وصلت إلى القيادة الصينية.
وهكذا يضع الرئيس الصيني استراتيجية للرد على الغرب
ففي مواجهة مثل هذا العداء والشك، يسعى الرئيس الصيني لتنفيذ استراتيجية تقاوم هذا الموقف العدائي من الغرب في وقت يصادف عام 2021 الذكرى المئوية للحزب الشيوعي الصيني وظهور برنامج اقتصادي جديد مدته خمس سنوات طرحه المخططون المركزيون في بكين.
وربما انتعش اقتصاد الصين بشكل أسرع من أي دولة رئيسية أخرى خلال الوباء، لكن نموها يزداد تباطؤًا ويدرك “شي” الحاجة إلى محور أعمق.
ففي خطاباته خلال العام، التي انتهت باجتماعات رفيعة المستوى الأسبوع الماضي، أكّد الرئيس شي على ضرورة دعم الصين سوقها المحلي والابتعاد عن النمو المُعتمد على الصادرات كما كان الحال لعقود. ويتحقق ذلك بمواكبة كيف تطورت القوى الاقتصادية الأكثر نضجاً في الغرب عبر الزمن. لكن المزاج العام الحالي أيضاً يعكس رد فعل على المعارك الجيوسياسية التي قامت في السنوات الخمس الماضية.
بينما دفع بعض الصقور في إدارة ترامب إلى ما يُسمى “بالانفصال” عن الصين، وهي عملية تُحرر فيها الولايات المتحدة نفسها من اعتمادها على البضائع وسلاسل الإمداد الصينية. ونظراً إلى مدى تشابك أكبر اقتصادين في العالم، فليست عملية “الانفصال” هذه سهلة. لكن تتبلور حالياً نظرة عدائية مشابهة في الصين.
ما هو مصطلح التداول الثنائي؟
إذ ورد مُصطلح “التداول الثنائي” في البدء خلال اجتماع للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني في مايو/أيار الماضي، ليؤكد على أهمية تقوية السوق الصيني المحلي، بالإضافة إلى وقف اعتمادها على سلاسل الإمداد المرتكزة في أماكن أخرى. وفي بحث مُطول في هذا الصدد، أشار جيمس كرابتري من كلية لي كوان يو للسياسات العامة في سنغافورة إلى أن المصطلح: “يُمثل فهماً جديداً متطرفاً للعولمة ولموقف الصين فيها”.
وأوضح آدم توز، المؤرخ الاقتصادي: “الفكرة هنا هي أن المستقبل الاقتصادي للصين لن يُصاغ بناء على رؤية واضحة من الاندماج المتجانس مع الغرب، وإنما سيُصاغ بطريقين منفصلين: الأول محلي والآخر عالمي. بعبارةٍ أكثر صراحة، بينما كان العالم مُشتتاً مع دراما الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، كشف شي بهدوء عن استراتيجية اقتصادية تتناسب مع حرب باردة جديدة. وستكون عواقبها جوهرية على الأرجح، لكل من الصين والعولمة ذاتها”.
وما يزال تمييز معالم هذا التغيير صعباً. فهو يشير إلى مستقبل تقل فيه تلبية الصين لمطالب الغرب ومصالحه أكثر. وشي من جانبه ما يزال يُصوّر حكومته كمساهم دولي مسؤول، وقد أكد في نهاية هذا الأسبوع على سعي الصين لخفض كثافة انبعاثات الكربون فيها بنسبة 65% على مدار العقد القادم.
بكين تركز على الداخل
ونشهد حالياً تغيراً في وضع بكين العالمي بطرق أخرى، مما يشير إلى أن القلق الغربي من نجاحات الصين يدفعها لتغيير استراتيجيتها
ففي مقال نُشر مؤخراً في صحيفة Financial Times البريطانية، ورد كيف انخفض إنفاق الصين السخي في الأعوام القليلة الماضية على مبادرتها الطموحة “الحزام والطريق”، وهي مشاريع هيكلية ضخمة في بلاد آسيوية وأوروبية تدعمها قروض هائلة من البنوك الحكومية الصينية.
بينما قال يو جي، زميل الأبحاث القديم في معهد تشاتام هاوس، لصحيفة Financial Times: “دعت العلاقات الصينية الأمريكية المتقلبة، والقيود المفروضة على وصول الشركات الصينية للسوق العالمي، أكبر المخططين الاقتصاديين في بكين إلى إعادة التفكير جذرياً في محركات النمو. ومن الطبيعي أنه إذا قررت مؤسسات مملوكة للدولة أن تتحول إلى السوق المحلي تحقيقاً لرغبات قادتها، فستنخفض بالتبعية الموارد المالية المُخصصة للاستثمارات الخارجية”.
في الصين، يؤكد المحللون أن مخاوف الغرب بشأن “وجود إجماع في بكين”- على شكل مستقبل وكيف سيتعاملون فيه مع الدول وفقاً لقواعد يصيغها حكام الصين الاستبداديون- مبالغ فيها.
كتب هوانغ جينغ، عميد معهد الدراسات الدولية والإقليمية في بكين: “حتى لو أرادت بكين ذلك، فإن تخيل أن الصين ستحكم العالم هو في أحسن الأحوال مجرد أمنيات”. “فمسألة صعود الصين مرتبطة بقبول ذلك العالم”.
من ناحية أخرى، فإن مرونة الصين على مدار العام الماضي وتوطيد سلطوية شي المستمر في الداخل تروي قصة مهمة بنفس القدر. يرى Tooze أن ما يحدث هو دليل على خطأ التخيلات الليبرالية في الغرب من أن قوة الروابط العالمية للصين ستؤدي حتماً إلى تحرر سياساتها.
وكتب: “مانراه يقلب الافتراضات الليبرالية حول التاريخ الاقتصادي رأساً على عقب” إن هذا يعني أن المنطق الليبرالي لن يعمل بالطريقة التي قد نتوقعها. ماذا لو كانت الصين تصنع التاريخ بطريقة جديدة مختلفة عن تصورات الغرب الليبرالية؟!