“داعش” ما بعد الجائحة.. المغرب “يبطل” فيروس الإرهاب

تحول واضح في تكتيك داعش لزعزعة استقرار المغرب، كشفه استغلال التنظيم الإرهابي لفترة الحجر الصحي، لترتيب صفوفه استعدادا لمُخططات أكثر دموية بالمملكة.

تغيير يؤكده مُحللون ومُختصون استنادا إلى الخلية الإرهابية التي فككتها السلطات المغربية المُختصة مؤخرا، ما يدق جرس خطر يهدد بظهور موجة جديدة من مد إرهابي يستفيد بشكل كبير من معطيات عديدة أبرزها جائحة فيروس كورونا المستجد.

والخميس الماضي، نجحت عمليات أمنية دقيقة ومتوازية على مُستوى 4 مُدن مغربية، نفذها المكتب المركزي للأبحاث القضائية، في تفكيك خلية إرهابية تنشط في طنجة (شمال)، وتيفلت وتمارة والصخيرات (ضواحي العاصمة الرباط)، وتوقيف 5 متطرفين تتراوح أعمارهم بين 29 و43 عاماً.

وإلى جانب الموقوفين، حجزت السلطات حُزمة من المُعدات والمواد المُستعملة في إعداد المتفجرات، ناهيك عن بضع سُترات تضم أحزمة ناسفة جاهزة للاستعمال.

فيما كشفت التحريات أن الموقوفين كانوا على وشك تنفيذ هجمات إرهابية توقع مسؤولون أمنيون أنها كانت ستكون “حمام دم”.

أخطر خلية

وفي هذا الصدد، وصف بوبكر سبيك، الناطق الرسمي باسم المديرية العامة لمراقبة التراب المغربي (المُخابرات المدنية)، الخلية التي تم تفكيكها بأنها “من أخطر الخلايا التي فككها المكتب المركزي للأبحاث القضائية”.

وأوضح سبيك، في تصريحات إعلامية، أن “ما تم ضبطه لدى الخلية من سترات وأحزمة ناسفة، يدل على أنها كانت بصدد إحياء أسلوب العمليات الانتحارية”.

وكشف أن هذه الخلية كانت تُراهن على عمليات تفجيرية وأخرى انتحارية تهدف إلى إحداث أكبر قدر من الخسائر، مُشدداً على أن “المقاومة العنيفة ضد عناصر التدخل السريع تُظهر الطبيعة العنيفة لهذه الخلية”.

وبخلاف الخلايا السابقة التي تم كشف تورطها في تجنيد المغاربة بأراضي النزاع، أو حيازتها لأسلحة ومضبوطات محظورة، فإن الخلية الأخيرة حصلت على “سُترات وأحزمة ناسفة جاهزة للتفجير”، ناهيك عن “الجديد في صناعة المُتفجرات، والمتمثل في استعمال طنجرة الضغط عبوة ناسفة يمكن استخدامها أيضا في التفجير عن بعد”.

ولفت إلى أن “الخبرات التقنية أظهرت أن المضبوطات كافية لصناعة 4 أنواع من المتفجرات والعبوات الناسفة، إضافة إلى استعمال المسامير ومواد أخرى كانت ستضاف إلى العبوات الناسفة للرفع من خطورة ودرجة التفجير”.

وخلص سبيك إلى أن “كُل هذه المُعطيات تُحيل إلى “مشروع إرهابي له مجموعة من الأهداف والارتباطات والتقاطعات بالغة التعقيد”، مؤكدا أن “إجهاض هذا المخطط الهدام لم يكن سهلا، بل تطلب عملا جبارا لعدة شهور، وتكلل بإجهاضه قبل ساعات من تنفيذه”.

خلايا نائمة وتجنيد مقنع

بدوره، أوضح رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ابن طفيل بالمغرب، أن “هذه التنظيمات تستغل أي ظرف وأي سياق لتحقيق أهدافها الخبيثة”.

واستشهد لزرق، في حديث لـ”العين الإخبارية” بقيام الخلية الأخيرة باستغلال الحجر الصحي وجائحة كورونا للإعداد لإغراق البلاد في حمام دم، لولا التدخل الأمني الذي تم في الوقت المناسب.

وتابع موضحا: “هُنا، نكتشف أن الدعوة التي سبق لتنظيم داعش أن وجهها لأنصاره في مارس/آذار المنصرم، والمتمثلة في الالتزام بالإجراءات الصحية ضد كورونا، كانت في الواقع دعوة مُبطنة لـ”الحث على الدخول في مُعسكرات استعدادا لهجمات إرهابية دموية مُباشرة بعد تخفيف الإجراءات الصحية”.

وأرجع الخبير دخول أذناب التنظيم في حالة من “الكُمون”، بسبب صُعوبة التحرك وتنفيذ المُخططات الإجرامية، نظراً لكون الإجراءات الاحترازية كانت مصحوبة بتحركات أمنية وعسكرية كثيفية بمُختلف مُدن المغرب، وبالتالي جعل منها فُرصة لـ”إعادة بناء الذات من خلال التنظيم والتحضير المُتستر والمُتخفي، في انتظار ساعة الصفر”.

تغيير استراتيجي

وبخصوص حجم تواجد التنظيم من عدمه على الأرض، يقول لزرق: “نعم التنظيم غير موجود بشكل فعلي على أرض الواقع، أو على الأقل بالشكل الذي كان عليه قبل سنوات”.

وأرجع ذلك إلى تدمير بنياته وكوادره في كُل من سوريا والعراق، وفشله في جعل ليبيا قاعدة شبيهة بسوريا، ما يجعله موجوداً فقط في العالم الافتراضي، سواء عبر شبكة الإنترنت، أو في عُقول الموالين للتنظيم.

ولفت إلى أن التنظيمات الإرهابية كانت تعمل على استقطاب مُقاتلين إلى مناطق النزاع، وتجنيدهم ضمن مُخططاتها، غير أنها باتت اليوم تعتمد نظام “اللامركزية”.

وموضحا الجزئية الأخيرة، أشار إلى أن تلك التنظيمات تستقطب الأشخاص، وتوفر لهم التدريب الإجرامي عبر شبكة الأنترنت، ليقوموا بتنفيذ مُخططاتهم إما من خلال ما يُسمى بعمليات “الذئاب المُنفردة” أو من خلال العمليات الانتحارية، كما كانت تُعد له الخلية التي تم تفكيكها مؤخرا.

وبحسب الخبير، فإنه في حال تتبع المُعطيات الأمنية المرتبطة بالخلايا التي تم تفكيكها، ووضعها على محور زمني، فسيظهر ذلك 3 محطات رئيسية، وهي: “مرحلة التجنيد في مناطق النزاع”، ثم مرحلة “تسليح الخلايا المُنتشرة في الدول”، وصولاً إلى المرحلة الحالية المتمثلة في “توفير التدريب عن بُعد، والاعتماد على وسائل مُتاحة في الأسواق”.

ويدفع الخط الزمني نحو اكتشاف مُعطيين مُترابطين، وفق لزرق، الأول هو أن “التنظيمات الإرهابية تُعاني كثيراً من تضييق الخناق على أنشطتها في العالم كُله، وخاصة مناطق النزاع”.

أما الثاني الذي يُعد نتيجة للأول، فهو الأخطر، إذ يتمثل في التأقلم مع هذه الأوضاع، ومُحاولة خلق أساليب عمل جديدة تتجاوز القيود الأمنية، ما يستدعي يقظة أكبر وجاهزية أوسع.

أولوية

وشدد لزرق على أن “مُكافحة الإرهاب تُعتبر أولوية في ظل تحول الظاهرة إلى أهم مُهدد للأمن والسلام في دول الساحل والصحراء”، مُشيراً إلى أن المغرب تبنى مقاربة استباقية جعلته يحبط العديد من العمليات سواء داخل حدوده أو خارجها، ضمن استراتيجيات فعالة.

وحذر من أن الموقع الجغرافي للملكة، وتواجدها قرب دول الساحل والصحراء التي تعد من أفقر بلدان العالم، ناهيك عما تعيشه هذه الدول من توترات داخلية تجعلها مجالاً خصبا لتواجد الحركات الارهابية، يزيد من الخطر الإرهابي، خاصة في ظل تطوير التنظيمات لأساليب نشاطها.

كما أن الموقع الاستراتيجي للمملكة، والحرب التي تخوضها ضد الإرهاب، يجعلها مُستهدفة من طرف داعش وغيره من التنظيمات ممن تُجند كُل طاقاتها لضرب الاستقرار الداخلي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى