ذكرى ميلاد تشارلي تشابلن.. أسطورة كوميدية حلمت بالمدينة الفاضلة
يرى تشارلز تشابلن جونير، الابن الأكبر لتشارلي تشابلن، الذي تحل الخميس ذكرى ميلاده، أن والده الممثل الكوميدي الشهير حلم بخلق مدينة فاضلة من خلال الفن، تقوم على تفاعل الثقافات، كما أنه انحاز للكادحين، وكان يدعو لنبذ التعصب، نافيا اعتناقه الشيوعية.
وكتب تشارلز مذكراته تحت عنوان “تشابلن أبي”، وصدرت ترجمتها العربية مؤخرا عن دار المدى في بغداد، عبر 385 صفحة من القطع المتوسطة.
وتوثق المذكرات سيرة تشارلي تشابلن، الذي ولد في 16 أبريل/نيسان 1889، وتوفي في 25 ديسمبر/كانون الأول 1977، ولكن من منظور عائلي، وتكشف حياته بعيدا عن الكاميرات.
وتشابلن ممثل كوميدي إنجليزي، وهو أيضا مخرج وكاتب سيناريو ذاع صيته في زمن السينما الصامتة، وأصبح أيقونة في جميع أنحاء العالم من خلال شخصيته الشهيرة “الصعلوك أو المتسَكِّع”، وكان الأبرز في تاريخ صناعة السينما طوال أكثر من نصف قرن، وامتدت حياته المهنية لأكثر من 75 سنة.
ويستعرض كتاب “تشابلن أبي” سيرة الابن (تشارلي تشابلن النحم) مع والده الذي عاش طفولة تعيسة، وكان والده سكيرا غائبا معظم الوقت عنه، وكانت والدته تكافح لكسب المال.
وحسب المذكرات، تميزت طفولة تشابلن بالبرودة منذ البداية، وكان الجوع والبرد من الأحاسيس التي لازمته باستمرار، وعندما بلغ الـ5 عاش تجربة مريرة، إذ وضعته العائلة في ملجأ لأنها كانت عاجزة عن رعايته.
وكان نظام هذا الملجأ قاسيا، أشبه بثكنة عسكرية على الدوام، وظل هناك لعامين قبل أن تسترده والدته من جديد، وتعود به إلى البيت، لكنه كان أدرك أن “الفقر خير معلم”.
وفي حواره مع ابنه، قال تشابلن ذات يوم “عليك فقط أن تؤمن بنفسك، ذلك هو السر، فحتى عندما كنت أعيش في الملجأ، أو أهيم على وجهي بحثا عما يسد رمقي ويبقيني على قيد الحياة كنت أعتبر نفسي دائما أعظم ممثل في العالم، وفي تلك اللحظات بالذات كان عليّ أن أشعر بهذا الامتلاء الذي يأتي من الثقة الكلية بالنفس، ودون ذلك سيكون مصيرك الهزيمة”.
وتضاف إلى التراجيدية التي عانى منها تشارلي تشابلن في طفولته وشبابه المبكر، أن أمه عانت من أعراض مرض عقلي لم يفارقها، وكانت الأعراض تزداد ظهورا مع مضي السنين، وتزداد معها الرغبة في الانسحاب من عالم الواقع، فكانت تمر عليها أوقات تعجز فيها عن التعرف على ولديها”.
بدأ تشابلن الأداء المسرحي في سن مبكرة، وكان فنانا متجولا، إلى أن عمل كممثل مسرحي وكوميدي، وعندما بلغ سن 19 وقّع عقدا مع شركة “فريد كارنو” المرموقة، وسافر للولايات المتحدة في عام 1914، ثم بدأ نجمه بالظهور مع “استوديوهات كيستون”.
وقال الابن “لم نكن نرى والدنا لفترات طويلة، وكنا أصغر سنا من أن تبهرنا حقيقة كونه تشاري تشابلن العظيم، كما أننا لم نتذكر بالتأكيد مرارة زواجه القصير بأمنا الذي انتهى بالانفصال ثم الطلاق”.
ويستعيد الكتاب أطيافا من سيرة تشابلن في بريطانيا، حين جاءته الفرصة التي غيرت حياته، بعد أن أدى دورا في مسرحية غاب ممثلها، لكنه تمكن من أن يظهر الصعلوك الذي بداخله، وهي الشخصية التي يرى الابن أنها كانت “الذات البديلة” التي كان تشابلن يخفيها داخله، وأبقته دوما طفلا لا يكبر أبدا.
وفي غضون شهور قليلة، أصبح الممثل والمخرج الأعلى أجرا في العالم، في عام 1916 كان يحصل على 670 ألف دولار أمريكي سنويا، وهو رقم تصدر صحف العالم وقتها.
وبعد أن شكلت شخصية “الصعلوك” قاعدة جماهيرية كبيرة بدأ بعدها في إخراج أفلامه الخاصة، واستمر في صقل موهبته، وتنقل بين استوديوهات إساناي وموتوال للأفلام وفيرست ناشيونال، وبحلول عام 1918 أصبح أحد أكثر الشخصيات المعروفة في العالم.
لكن الشهرة لم تجعله يفقد الشعور بواجباته تجاه عائلته، فعندما أنجب ولديه كان يجاهر بأنه ينبغي على الدولة أن تأخذ الأطفال من ذويهم كي تقوم هي نفسها بتنشئتهم، ولم تكن هذه الفكرة شكلا من أشكال الدعاية الشيوعية، لأن تشابلن الذي يؤمن بالروح الفردية كان يبغض فكرة الخضوع للدولة، لكن تلك الرغبة كان سببها تجنيب الأطفال الآخرين المعاناة العميقة التي عاشها هو نفسه في طفولته.
ويستعرض تشابلن الابن مسيرة والده ونجاحه الأسطوري في هوليوود، حيث تمكن من النجاة من الفقر الذي رافق طفولته بفضل “روح المرح الذي عجز أي شيء عن قتلها بداخله، حيث استطاع أن يتسلل من أعماق المأساة ليخترق السطح”.
ويرى الابن أن المشكلات الشخصية التي عاناها تشابلن عقب زواجه في نيويورك ضاعفت من شعوره بالألم، فقد أصبح انفصاله عن زوجته ميلدريد هايس مادة مثيرة لعناوين الصحف.
وتمثلت المفارقة في أن تشابلن الذي التمس الخصوصية أكثر من أي شخص آخر، بدأ يعاني عذاب رؤية مشكلات حياته، وقد صارت مادة للصحف، ومع ذلك واصل نجاحه رغم كل شيء، وواصل كذلك شغفه بالنساء، وتحول إلى شخصية تتمتع بنفوذ كبير.
وكان فيلم “الطفل” (1921) أول فيلم طويل له، يليه “امرأة باريس” (1923)، “حمى الذهب” (1925)، و”السيرك” (1928).
وفي ثلاثينيات القرن الـ20، رفض الانتقال إلى السينما الناطقة، وبدلا من ذلك أنتج فيلم “أضواء المدينة” (1931)، و”الأزمنة الحديثة” (1936)، بدون حوار صوتي.
وأصبح “تشابلن” يميل إلى السياسة بشكل متزايد، وكان فيلمه التالي “الديكتاتور العظيم” (1940)، وتهجم فيه على أدولف هتلر.
ويصف شارلز والده قائلا: لم يكن هناك أب أكثر مرحا من والدنا، فقد كانت حركاته تضحكنا طوال الوقت الذي نمضيه معه”، إلا أنه كان بالمقابل شديد التحفظ، وتمتع بحدس مرهف تجاه الناس، فهو قادر على التعرف على الخصال الجوهرية الكامنة في أعماق نفوسهم.
وبنى تشارلي تشابلن مجده في فن التمثيل، إلا أنه قاوم رغبات أبنائه في العمل بالفن، ورفض عقدا وقعته طليقته مع إحدى الشركات نيابة عن ولديها للتمثيل، ورفع قضية لإبطال التعاقد، وصرح أمام المحكمة بأنه يرغب في سعادة أبنائه وتمتعهما بطفولة طبيعية، وأنه يخشى أن يؤدي دخولهما عالم الفن في سن مبكرة إلى التأثير على تعليمهما، وتم فسخ العقد بناء على حكم محكمة، اقتناعا بهذه الحجة.
وكثر الجدل في أربعينيات القرن الـ20 حول الآراء السياسية لـ”تشابلن” عقب اتهامه بالتعاطف مع الشيوعية، وتورطه في دعوى نسب أبوة، وبفضيحة زواجه من قاصر.
واضطر حينها إلى مغادرة الولايات المتحدة والإقامة في سويسرا، والتخلي عن شخصية “الصعلوك” في أفلامه الأخيرة، مثل فيلم “السيد فيردو” (1947)، “الأضواء” (1952)، “ملك في نيويورك” (1957)، و”الكونتس من هونج كونج” (1967).
وفي عام 1972، وكجزء من التقدير المتجدد لأعماله حصل “تشابلن” على جائزة الأوسكار الفخرية مقابل “الأثر الكبير في صناعة الصور المتحركة كشكل فني في هذا القرن”.
واستمر اهتمام “تشابلن” بأن تكون أفلامه “حمى الذهب”، “أضواء المدينة”، “الأزمنة الحديثة”، و”الديكتاتور العظيم” مصنّفة على قوائم أعظم صناعة للأفلام مرت على التاريخ، وتوفي في 25 ديسمبر 1977.