“رئيس واحد فقط”.. تفاصيل اتفاق تقاسم السلطة في أفغانستان الذي أنهى فوضى الرئاستين

“أفغانستان لها رئيس واحد وليس رئيسين”، كان هذا خلاصة اتفاق تقاسم السلطة في أفغانستان الذي أعلن التوصل إليه الأحد 17 مايو/أيار 2020 بين الرئيس الأفغاني أشرف غني وخصمه السياسي عبدالله عبدالله.

ويؤمل أن يؤدي الاتفاق إلى إنهاء نزاع مرير استمر 8 أشهر على السلطة يقول فيه كل طرف منهما إنه رئيس البلاد الشرعي، بناء  على تأويله لنتيجة الانتخابات الرئاسية، بينما لا تعترف حركة طالبان بأي منهما، رغم أنها أبرمت اتفاق سلام مع الولايات المتحدة الأمريكية.

ووفقا لاتفاق تقاسم السلطة، فإن الرئيس الأفغاني أشرف غني سيسند ثاني أهم  منصب في البلاد إلى منافسه عبدالله عبدالله.

لماذا يدعي كل منهما أنه الرئيس؟

تعاني أفغانستان من فوضى سياسية منذ أن أعلنت لجنة الانتخابات في البلاد في ديسمبر/كانون الأول فوز غني في الانتخابات التي أجريت في 28 سبتمبر/أيلول الماضي بأكثر من 50٪ من الأصوات.

في المقابل، حصل عبدالله على أكثر من 39٪ من الأصوات ، وفقاً للجنة الانتخابات، لكنه وهو لجنة شكاوى الانتخابات تحدثوا عن مخالفات واسعة النطاق في التصويت، واعترض عبدالله على النتيجة بناء على هذه الشكاوى.

وأعلن كل من غني وعبدالله عن رئاستهما في مراسم تنصيب موازية في مارس/آذار 2020، ودخلا في صراع على السلطة منذ ذلك الحين.

المبعوث الأمريكي إلى أفغانستان زلماي خليل زادة يصافح رئيس وفد حركة طالبان الملا عبد الغني بعد توقيع الاتفاق بين الحركة وواشنطن في الدوحة/رويترز

كان عبدالله يشغل منصب رئيس السلطة التنفيذية بموجب اتفاق سابق لتقاسم السلطة، لكنه خسر المنصب عقب هزيمته في الانتخابات الرئاسية التي فاز بها غني، الخبير الاقتصادي السابق لدى البنك الدولي.

ودفع الخلاف إدارة ترامب إلى إعلان أنها ستقطع مليار دولار من المساعدة لأفغانستان إذا لم يتمكن الاثنان من تسوية خلافاتهما.

وبعد توقيع اتفاق سلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في 29 فبراير/شباط الماضي، أثيرت دعوات للقوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي لمغادرة أفغانستان.

وينظر إلى هذه الظروف على أنها أفضل فرصة لأفغانستان لتحقيق السلام بعد عقود من الحرب.

تفاصيل اتفاق تقاسم السلطة في أفغانستان

الاتفاق السياسي سيبقي غني رئيساً للدولة التي مزقتها الحرب، حسبما ذكر المتحدث باسم الرئيس صديق صديقي.

في المقابل تدعو الاتفاقية عبدالله لقيادة المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية في البلاد، وسيكون قادراً على تعيين نصف حكومة غني ونصف حكام الولايات.

عبدالله، بصفته رئيس مجلس المصالحة، سيكون له سلطة تحديد جميع الشؤون المتعلقة بعملية السلام والموافقة عليها وقيادتها، ويمكنه إصدار أوامر تنفيذية. وسيكون للمجلس خمسة نواب من كلا الفريقين، حسبما أظهر الاتفاق المكون من خمس صفحات.

وأفاد فريدون خاوزن المتحدث باسم عبدالله عبدالله بأن شخصيات سياسية ووطنية تحظى باحترام واسع ستشرف على تطبيق الاتفاق.

نقطة أخرى مهمة في الاتفاق هي منح رتبة المشير للجنرال عبد الرشيد دوستم، وهو مؤيد قوي لعبدالله ونائب رئيس سابق.

 وكات دوستم، أمير الحرب الأوزبكي السابق، قد غادر أفغانستان عام 2017 إلى تركيا بعد أن بدأ مكتب المدعي العام تحقيقاً في مزاعم بأن أتباعه قاموا بتعذيب وإساءة جنسية ضد حليف سابق تحول إلى خصم سياسي.

عند عودة دوستم إلى كابول في عام 2018، نفذ انتحاري من تنظيم داعش هجوماً بالقرب من المطار، مما أسفر عن مقتل 14 شخصاً ونجا دوستم بصعوبة.

وأكد أوم ميسم، المتحدث باسم فريق عبدالله، أنه تم توقيع اتفاق في القصر الرئاسي، وقال: “سيعمل فريق فني على تنفيذ الاتفاقية وسيتم نشر التفاصيل لاحقاً”.

الجذور العرقية والسياسية لهذا النزاع المرير، ومن كان وراء الاتفاق؟

وبينما أصرّ غني على أن التفهم جاء من دون وساطة دولية، فإن تقارير عدة تحدثت عن ضغوط أمريكية قوية لإتمام الاتفاق، في ظل رغبة ترامب في الانسحاب من أفغانستان.

وأظهرت صور نشرها قصر الرئاسة عبدالله وغني وهما جالسان جنباً إلى جنب في حفل التوقيع، بحضور شخصيات أفغانية بارزة؛ بينها الرئيس الأسبق حامد كرزاي.

وينتمي الرئيس أشرف غني إلى العرقية البشتونية أكبر عرقيات البلاد، والمسيطرة عليها تاريخياً، والتي ينتمي إليها أغلب أعضاء طالبان كذلك، ويرى البشتون أنهم الأحق بحكم البلاد، وينظرون للترتيبات التي تمت بعد إسقاط حكم طالبان بأنها في غير صالحهم رغم أن الرؤساء كان من بين ظهرانيهم.

ومع أن عبد الله عبدالله ينحدر من إحدى قبائل البشتون، إلى أنه يقال إن والدته من قومية الطاجيك، ويرى فيه البشتون أنه كان الذراع اليمنى لأحمد شاه مسعود القائد الطاجيكي الذي سارع بدخول كابول عام 1992 عقب انهيار النظام الشيوعي السابق، وهو ما نظر له من قِبل البشتون بأنه محاولة لاستلاب السلطة منهم.

ومنذ انهيار النظام الشيوعي، أصبح تحالف الشمال الذي يقوده الطاجيك (الذين يمثلون ثاني أكبر قومية  في البلاد)، في صراع مع الأحزاب البشتونية إلى أن جاءت طالبان وهزمت الجميع، ثم أصبح تحالف الشمال حليفاً للأمريكيين خلال غزوهم لأفغانستان، ونظر إلى التحالف دوماً بأنه ممثل للأقليات غير البشتونية، فيما عانى البشتون من غياب قوة مؤثرة باستثناء طالبان.

الناتو يرحب، فهل أصبح السلام وشيكاً؟

رحب أمين عام حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ينس ستولتنبرغ، بالتوصل إلى اتفاق تقاسم السلطة في أفغانستان خاصة أنه جاء في ظل تفشي فيروس كورونا واستمرار حركة طالبان في أعمال العنف”.

وقال ينس: “على طالبان تنفيذ التزاماتها وخفض العنف والمشاركة في محادثات السلام”.

وأضاف أن “كافة أعضاء الحلف وشركائه ملتزمون بتحقيق الأمن والاستقرار في أفغانستان والوصول لاتفاق سلام عبر مختلف أنواع الدعم”.

ومع الأهمية البالغة للاتفاق، فإنه يظل مجرد خطوة في طريق إرساء السلام في البلاد في ظل عدم اعتراف حركة طالبان بالسلطة القائمة رغم تخفيضها الهجمات منذ اتفاقها مع الأمريكيين، فيما يقوم تنظيم داعش بهجمات أكثر دموية وفوضوية لا تستثني المدنيين.

وعقب الانتقال إلى المرحلة الثانية من عملية السلام إثر الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان، أعلنت الحركة عدم اعترافها بالحكومة الأفغانية كجهة تفاوض وحيدة، بل هي تعتبرها مكوناً من جهة تفاوض تشمل جميع الأطياف السياسية الموجودة في البلاد. ولهذا السبب، اعترضت الحركة على الهيئة التي سمّتها الحكومة للحوار معها، واصفة إياها بغير الشاملة.

وينص الاتفاق بين طالبان وواشنطن على الإفراج عن خمسة آلاف مقاتل من سجون الحكومة الأفغانية، مقابل إفراج “طالبان” عن ألف معتقل لديها، وبدء مفاوضات السلام بين كابول وطالبان.

وبالفعل بدأت عملية التفاوض بين الجانبين، ولكنها متعثرة، والجدول الزمني للإفراج عن الأسرى أبطأ من المتفق عليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى