رائحة الطين المر.. رواية جديدة للكاتب سيد محمود
حفى سيد محمود سلام،عن دار “همسة للنشر والتوزيع”،هي حالة خاصة مزج فيها المؤلف بين واقع لمسه بنفسه، وبين الخيال ،حيث معاناة قرية من قرى الصعيد فى سنوات لم تكن يعرف أهلها التلفاز،والكهرباء.
حكاية قرية.. عاش أهلها مرارة اغتصاب أحلامهم.. لم يسلم الأطفال من الافتراس.. طفل يقتل، وآخر يختطف.. وأراضٍ تغتصب.. وسرقات.. ومطاريد.. وليالٍ رغم ما بها من بهجة مغلَّفة بالخوف.. فإنها تثير الرعب فى قلوب الجميع.. فلا يكاد ينتهى حفل زفاف أو طهور أو حلقة ذكر إلا بمشكلة، بل وفى كثيرٍ من الأحيان بعدم اكتمال الحفل.. حتى أيام المزمار التى كانت هى أجمل ليالٍ يتبارى فيها الكبار برقصات العصا.. لم تعد تجمِّل ليالي القرى.
الحكاية مريرة مرارة القهر فى حلق الأم التى تفقد وليدها.. مريرة.. مرارة من يفقد أجمل ما يملك.
حياة كسر فيها الفقر ظهور معظم نساء أهلها ممن كن يعملن ببناتهن فى جنى القطن.. أو أولادهم فى حصاد القمح والفول والسمسم.. حكايات عن الوجع والجوع والعيش على قطع الجبن القديم والخبز المصنَّع من العيش الذرة وليس القمح، حيث كان محصول الذرة هو الأكثر إنتاجًا والأرخص سعرًا..
كان عوض رغم ثراء والده “الحاج متولى” وامتلاكه أكبر مساحة من الأارضي محبًا للسهر.. عاشقًا للسفر والترحال ، يعرفه كل أبناء القرية وخاصة ممن يسمونهم بقطاع الطرق، يسهرون على أطراف البلاد، يعيشون كما “الوطاويط”، ليلهم نهار ونهارهم ليل، وإن مرَّ بينهم يأنس بهم، ويسامرهم وكانوا يأمنونه، ويعرف أسرارهم، وإن سمع ذات يوم عن حادثة سطو.. على حقل.. أو جرن، أو حوش أحد أبناء العائلة بادر على الفور لإستعادة ما سُرِق لأهله دون حاجة لإستخدام السلاح.. عكس شقيقه عبدالعليم الذى كان يشبهه فى حبه للسهر ولكنه غير مهتَّم بشىء، لا تهمه الأرض بقدر ملذاته وإرضاء رغباته فكان مغضوبًا عليه من والده.
كل شىء فى القرية يشبه الحياة البدائية، فالجِمال هى التى تنقل المحاصيل من مكان إلى آخر، من وسط الحقول، فحتى “الخوص” ويسمونه فى هذه القرية” البوص” وهو عيدان الذرة تنقل بالجمال، وهى تقريبًا تمثل جزءًا مهمًا من حياتهم، تمثل لهم حماية من البرد فى الشتاء، منها تعد “السبات” وهى جمع “سباتة” يتم تضفيرها بحبال، لتشبه “الحصيرة” وتسمى “خص” وتغطى بها بعض البيوت المبنية من الطوب اللبن، أو “زرايب الحيوانات” ويسمى فى القرى “الطوب الأخضر”، وتنصب أحيانًا لتشبه البيت، يعيش فيه بعض الفقراء، لكنهم يعانون كثيرًا من العيش فيها فى فصول الشتاء، للبرد القارس، أو لهطول الأمطار.
هى قرية عاشت حياة هادئة، تزرع الأرض وتنبت، كان طينها طيبًا، ينبت طيبًا، لكنها مع دخول وسائل التحضر، تغيَّرت ملامحها.. فالأطماع زادت، والحقد من غير المتعلمين على من يرسلون أبناءهم إلى المدارس يزداد.
حكاية أطماع زوجة ،وخنوع رجل تولى منصب العمدية،وإبن أخ لايملك من أمره شىء ، عوقب بفعل زواج أبيه من فتاة ليس من ثوب عائلته،سنوات مريرية ترصدها سطور الرواية منها ماهو واقعى وملموس حتى اليوم،ومنها ما نسجه المؤلف من خياله لتكتمل الحكاية .
خيوط كثيرة تحملها سطورها ،عن إغتيال براءة أطفال ليس لهم ذنب،غير إنتقام قلوب جاحدة تجمدت بفعل قساوة الأرض التى أنبتت من طينها نبتا شيطانيا له رائحة كريهة.