رحيل مؤثر لمحمد الجولاني “فان جوخ فلسطين”.. شعلة فن أطفأها السرطان
توفي الفنان التشكيلي المقدسي محمد الجولاني، الجمعة، بعد صراعٍ استمر عدة سنوات مع مرض السرطان، تاركا إرثا وبصمات فنية بارزة.
ونعت وزارة الثقافة الفلسطينية، في بيان لها، الفنان محمد الجولاني، وقالت “إن رحيله يشكل خسارة للمشهد الفني والثقافي الفلسطيني”.
وكان للفنان الشاب، حسب وزارة الثقافة، إسهامات كثيرة في تدريب جيل قادر على الاستكشاف، كما تعكس لوحاته هذه الروح المغامرة الباحثة عن مساحات من الطمأنينة والحرية والاحتراف.
وتخرج الفنان محمد الجولاني في جامعة القدس بدرجة بكالوريوس في الفنون الجميلة عام 2009، ودرّس الفنون البصرية في جامعة القدس بين عامي 2011 و2013.
كما درّس الفنون البصرية في مدرسة “الفرندز” للبنين بين عامي 2016 و2018، وعمل فناناً مستقلاً ومدرباً فنياً في العديد من المؤسسات الثقافية، وحصل على عدة جوائز ومنح دولية وفلسطينية.
ولد محمد الجولاني، في القدس، عام 1983 وعاش في البلدة القديمة للقدس، معظم حياته.
مبادرات تلوين
كان الفنان محمد الجولاني من أصحاب المبادرات المجتمعية التي تخدم المجتمع المقدسي، إذ أطلق عدة مبادرات لتلوين ورسم الجدران، والشوارع، في ضواحي القدس، المختلفة، خاصة في البلدة القديمة للقدس.
ومن تلك المبادرات أيضاً برنامج “متحف الشارع”، ضمن مشروع “رسائل من القدس”، الذي استهدف الطلاب بين سِنّي 13و16 عاماً، بهدف تعزيز الهوية الفلسطينية لديهم، عبر الدورات والمحاضرات.
وتميز الجولاني برؤيته العميقة في تقديمه لمشاريعه الفنية، ما دَفَعَ العديد من المُقَيّمين والفنانين إلى إطلاق لقب “فان جوخ فلسطين” عليه.
وحصل الجولاني على إقامةٍ فنيّةٍ في باريس عام 2018، وشارَكَ في برنامج (Insight of China) في العام ذاته، وشارك في بينالي الفنانين الشباب في ألبانيا 2017، وفي عام 2016 حصل على المرتبة الثانية في جائزة إسماعيل شموط، وكان قد حصل على جائزة التعليم العالي عام 2007.
ثلاثية فنية من وحي كورونا
وخرج الجولاني بمشروعٍ فنّيٍ يُحاكي جائحة كورونا، بدعمٍ من المركز الثقافي الفرنسي في القدس، يشتَمِل على ثلاث لوحاتٍ، أُولاها صورةٌ شخصيةٌ يرتدي فيها الكمامة بينما تعْصِبُ عينه اليسرى بشاشٍ طبيٍّ وكأنها أُصيبَتْ برصاصٍ احتلاليّ.
وتُظْهِرُ اللوحة الثانية انعكاس صورتِه في المرآة بينما كان يرسُمُ الأولى، وكانت اللوحة الثالثة تُحاكي السابقَتَين حيث يرسُمُ نفسَهُ وهو يرسُمُ انعكاسَ صورتِهِ في المرآة.
وفي معرضه الأخير قدم محاولةٍ لاستكشاف فكرة عزل الدول والمدن والأفراد، وتشبيهها بأن أحداً ما يرسُمُ دوائرَ من حولنا، ووصف تجربته هذه بقوله: “إنها تجربةٌ استثنائيةٌ.. الوقت الذي يستَمِرُّ في الطيران على الرغم من الانقطاع القسري، وعلى الرغم من ثبات المكان، ثمَّةَ مساحةٌ ضيقةٌ تتَّسِعُ لاستيعاب العمل الدائم والمستمر، بضعة أشهرٍ مكثفةٍ كما لو كانت محاكاةً مع سيف ديموقليس فوق الرأس!”.
إشادة بمسيرة فنية
وأثارت وفاة الفنان الشاب تفاعلاً كبيراً على منصات رواد الثقافة والفن في المجتمع الفلسطيني، وسط ترحم على الفقيد وإشادة بمسيرة الفنية والثقافية.
وكتب الفنان خالد حوراني في صفحته على “فيسبوك”: “وفاة الفنان والصديق والأخ العزيز محمد الجولاني، اليوم الجمعة، في مدينة القدس، عند الثانية عشرة والنصف، بعد مرضٍ عُضالٍ لم يُمْهِلْهُ طويلاً، خبرٌ صادمٌ وحزينٌ.. رحيلٌ مفاجئٌ لعزيزٍ كبيرٍ ظَلَّ يشغلنا بِفَنِّهِ الصادق ومَرَحِ رُوحِهِ الذي بلا حدود”.
وتقدم لأهل الفقيد وأصدقائه ومحبّيه وللفن والفنانين في فلسطين، بكل العزاء في هذا المُصاب الجلل، قائلا: “إنَّهُ الفقدُ العزيزُ والخسارةُ الكبيرةُ للحياة التي لا تُعَوَّض.. وداعاً يا حبيب الروح، وداعاً يا محمد”.
الشاعر جاد عزت الغزّاوي، وكيل وزارة الثقافة، نعى الفقيد في منشور له عبر “فيسبوك”، قائلاً: “الحبيب محمد الجولاني، إلى روحِكَ الرّحمة والسلام.. لقد أصبَحَتْ الألوانُ ناقصةً”.
وبحسب منصة الاستقلال الثقافية فإن لوحات الجولاني تُصَوِّرُ الصفاءَ والغضبَ والإحباطَ، فيما عَمَلُهُ يبدو كنتيجةٍ لمرحلةٍ متناميةٍ من الاستكشاف حيث يطرحُ أسئلة أساسية تتواصل كأسئلة الهويّة والفضاء والحريّة، على سبيل المثال لا الحصر.