رغم الشكوك المثارة حوله.. لماذا تعتمد الإمارات على لقاح “سينوفارم” الصيني وتصدره إلى جيرانها؟

تقول دولة الإمارات العربية المتحدة إنها في طريقها للحصانة ضد فيروس كورونا المستجد. وتعتبر الدولة الخليجية ضمن قائمة الدول الأسرع في توزيع لقاحات كورونا، كما أنها تأتي ضمن البلدان التي تصدرت قائمة أعلى نصيب لقاحات للفرد بنسبة 8.3%، متجاوزة بذلك حتى المملكة المتحدة 5.3%.

وبحلول منتصف يناير/كانون الثاني 2021، أعطت الإمارات ما يقرب من 13 جرعة لكل 100 من السكان، لتكون في المرتبة الثانية بعد إسرائيل. ومع ذلك، تهدف الإمارات إلى تلقيح نصف السكان بحلول أبريل/نيسان القادم. فيما تحتل جارتها البحرين، المرتبة الثالثة بست جرعات تقريباً لكل 100 مواطن أو مقيم، وحتى هذا هو ضعف المعدل في أمريكا، كما يقول تقرير لمجلة Economist البريطانية.

لكن هناك أسباب واضحة لسرعة الإنجاز المبكر لدى هاتين الدولتين، وكلاهما دولة صغيرة: في البحرين أقل من مليوني نسمة، والإمارات أقل من 10 ملايين معظمهم وافدون أجانب. كما أن أنظمة الرعاية الصحية المركزية والمجهزة جيداً تعاملت بشكل جيد أثناء الجائحة. ويمكن للمقيمين في كلا البلدين التسجيل للحصول على جرعة عن طريق تطبيق الهاتف. لكن العديد من الدول الغربية لديها قواعد مفصلة تحدد ترتيب اختيار اللقاحات، ما قد يؤدي إلى إبطاء التوزيع. فيما تقول حكومات الإمارات والبحرين إن لديها ما يكفي من اللقاحات وهي متاحة للجميع. لكن هناك أسباب أخرى توضح اختلاف هاتين الدولتين عن غيرهما، ويبدو أن الإجابة الأبرز تكمن حول اللقاح الصيني.

دخلت الإمارات في شراكة مع شركة سينوفارم الصينية لتصنيع وتوزيع اللقاح على السوق الإقليمي/ وام

ما هو اللقاح الصيني الذي تعتمد عليه الإمارات؟

لكن ربما يكون الاختلاف الأكبر هو أن الإمارات والبحرين تعتمدان على لقاح صيني من إنتاج شركة Sinopharm المدعومة من الدولة الصينية. في وقت مبكر تبنت الدولتان الخليجيتان منتجاً لاقى شكوكاً في أماكن ودول أخرى، حيث ستؤتي هذه الصفقة ثمارها السياسية، وتعميق العلاقات مع الصين كنوع طموح من دبلوماسية اللقاحات، وترسيخ مكانة الإمارات العربية المتحدة، كقوة إقليمية في الشرق الأوسط.

الإمارات تعتمد على لقاح “سينوفارم” الصيني وتصدره إلى جيرانها/ رويترز

ويُعرف اللقاح الصيني الذي تعتمده الإمارات باسم BBIBP-CorV، ويُشتهر باسمه التجاري “لقاح سينوفارم“، وهو أحد اللقاحين اللذين طورتهما شركة Sinopharm (مجموعة الصين الوطنية للصناعات الدوائية).

ويختلف لقاح Sinopharm الذي تعتمده الإمارات، عن لقاح CoronaVac الصيني الآخر الذي تنتجه شركة الأدوية البيولوجية Sinovac، والذي نشرت حوله دراسة علمية صينية واحدة في المجلة العلمية The Lancet، كما أن لقاح Sinovac خضع للمرحلة الثالثة من التجارب في بلدان مختلفة، حيث أظهرت البيانات من التجارب الأخيرة في تركيا وإندونيسيا أن اللقاح كان فعالاً بنسبة 91.25% و65.3% على التوالي.

لكن فيما يتعلق بلقاح سينوفارم الذي تعتمده دول الخليج، خالفت الصين البروتوكول المتعارف عليه علمياً الصيف الماضي من خلال تقديم حقنة تجريبية لمواطنيها، على عكس صانعي اللقاحات الغربيين، الذين انتظروا التجارب لإظهار أن منتجاتهم آمنة وفعالة. كانت العديد من البلدان مترددة في الموافقة على هذا اللقاح لأنه يفتقر إلى بيانات تجريبية موثوقة.

وعلى الرغم من البداية المشؤومة، فإن لقاح سينوفارم بات يكتسب نوعاً من المصداقية بفضل الإمارات التي قدمت دفعات منه حتى كهدية لدول أخرى في المنطقة مثل الأردن ومصر.

وزيرة الصحة المصرية ومسؤولون من الصين والإمارات في مطار القاهرة الدولي خلال استقبال الدفعة الأولى من لقاح سينوفارم يوم الخميس 10 ديسمبر 2020/ رويترز

لقاح سينوفارم الصيني.. لا بيانات حوله ودول عديدة لا تزال متشككة منه

وفي الإمارات بدأت التجارب على اللقاح في يوليو/تموز 2020 مع 31000 متطوع، وبدأت البحرين تجاربها الخاصة في أغسطس/آب. وكلاهما أجاز اللقاح في ديسمبر/كانون الأول، بعد أن أُعلن أنه فعال بنسبة 86%. ومع ذلك، لم تنشر الدولتان الخليجيتان بيانات لدعم النتائج التي توصلوا إليها؛ ويقول مسؤولون في الخليج إن هذا قرار خاص بـ”سينوفارم”.

يقول الدكتور وليد خليفة المانع من وزارة الصحة البحرينية للإيكونمست: “نحن جزء من هذه الدراسة، لكن ليس لدينا حق في الكشف عن هذا النوع من المعلومات”، حسب تعبيره.

وبذلك، يبدو من غير المحتمل أن تقدم شركة Sinopharm الصينية لقاحها إلى هيئة تنظيمية وطنية صارمة. وبدلاً من ذلك، يتم تقديمه إلى منظمة الصحة العالمية (who)، والتي قد تمنحها تصريحاً طارئاً بحلول مارس.

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، قال تقرير لرويترز إن متحدثة باسم الشركة الصينية امتنعت عن تفسير التناقض حول نسب فاعلية اللقاح، وقالت إن النتائج التفصيلية ستصدر في وقت لاحق. ولكن حتى قبل نتائج المرحلة الثالثة من التجارب، تم بالفعل توزيع اللقاح على ما يقرب من مليون شخص في الصين بموجب برنامج طوارئ.

رئيس الوزراء ونائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة وحاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم يتحدث إلى العاملين قبل أن يتلقى اللقاح الصيني في دبي ، 3 نوفمبر 2020/ رويترز

ولا تزال بعض البلدان متشككة من لقاح سينوفارم. ففي وقت سابق من ديسمبر/كانون الأول، علقت دولة البيرو التجارب على لقاح Sinopharm بسبب “حدث ضار خطير” أثر على أحد المتطوعين، وقالت لاحقاً إنها رفعت التعليق.

وفي الفلبين، تتحدث تقارير عن إحجام عن أخذ اللقاح. وأعلن العلماء في البرازيل في 12 يناير/كانون الثاني أن لقاحاً صينياً آخر، من إنتاج شركة Sinovac، كان فعالاً بنسبة 50% فقط، وهو أقل بكثير من 78% التي تم الإبلاغ عنها في البداية. كما أن البيانات الأولى من تجارب المرحلة المتأخرة، قد تأخرت لأسابيع.

لماذا تتمسك دول الخليج بهذا اللقاح رغم كل هذه الشكوك؟

لكن هناك عدد قليل من التحفظات في دول الخليج حول لقاح سينوفارم، ويرجع هذا -جزئياً- إلى ثقة الجمهور هناك بالحكومات التي تتمتع بسمعة إيجابية في الإدارة، كما تقول الإيكونومست. ونشر عشرات المسؤولين الإماراتيين، بينهم وزير الصحة وحاكم دبي، صوراً لأنفسهم وهم يتلقون اللقاح. وكان أداء كلا البلدين الإمارات والبحرين، جيداً خلال الوباء، حيث سجلت الإمارات 723 حالة وفاة بسبب كوفيد -19، والبحرين 356، والتي (كنسبة من السكان) تضعهم في مرتبة أدنى بكثير من دول الغرب والعالم العربي.

وفي دولة مثل الإمارات لديها القليل من التسامح مع الآراء الانتقادية والمعارضة، أدانت الحكومة “الإشاعات” حول اللقاحات وحذرت من معاقبة انتشارها. وتنقل الصحف المحلية قصصاً عن “السكان السعداء الذين يصطفون في طوابير للحصول على الجرعات”، وهناك عدد أقل من المقالات التي تطرح أسئلة حول بيانات تجارب اللقاح.

شحنات من لقاح “سينوفارم” الصيني تصل من الإمارات إلى الأردن، عمان، يناير 2021/ بترا

كما تقدم الإمارات والبحرين لقاح Pfizer-BioNTech، الذي حصل على موافقة الجهات التنظيمية الغربية. لكن لديهم القليل منه. وفي دبي، فإن فايرز يكون متاحاً فقط لكبار السن والعاملين الرئيسيين. ومع ذلك، قد يخفف ذلك من مخاوف الوافدين. ويقول بعض السكان إنهم يفضلون Sinopharm jab لأنه يعتمد على سلالة معطلة من فيروس sars – c o v -2، وهي طريقة قديمة لصنع اللقاحات، بدلاً من تقنية M RNA الجديدة التي تستخدمها شركة Pfizer والشركات المصنعة الغربية الأخرى.

دبلوماسية اللقاحات والفوائد السياسية للإمارات

تهدف أبوظبي، عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى أن تكون مركزاً لتوزيع اللقاحات في جميع أنحاء المنطقة لترسيخ قوتها الدبلوماسية. وقد افتتحت منشأة تخزين جديدة كبيرة في شراكة مع SkyCell، وهي شركة سويسرية، لإنتاج حاويات شحن مبردة يمكنها الحفاظ على الجرعات باردة أثناء النقل. وتعمل طيران الإمارات في دبي مع شركة فايزر لتوزيع لقاح تلك الشركة. كما تجري الإمارات أيضاً تجارب للقاح سبوتنيك V الروسي.

لكن أقرب علاقة للإمارات هي مع الصين. في وقت لاحق من هذا العام، ستنتقل الإمارات من إعطاء لقاح Sinopharm الصيني إلى تصنيعه. وقد أدى ذلك إلى إثارة الحديث عن دبلوماسية اللقاحات في منطقة سيكون فيها الوصول إلى التطعيمات غير متكافئ. إذ إن مصر وحدها بحاجة إلى كميات ضخمة من اللقاحات لسكانها البالغ عددهم 100 مليون نسمة، أي ضعف عدد سكان الخليج بأكمله. ويتوقع أن دولة لبنان، المفلسة في الواقع، أن يتلقى سكانها 60 ألف جرعة من لقاح فايزر الشهر المقبل. ويمكن أن يؤدي فائض جرعات لقاح سينوفارم في الإمارات إلى اعتمادها على نطاق واسع في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

ومن شأن ذلك أن يرضي الصين، وهي نتيجة مرغوبة للإماراتيين. منذ فترة طويلة سعت الدولتان إلى تنويع علاقاتهما. ومنحت شركات الاتصالات الحكومية في الإمارات عقود 5 جي لشركة Huawei، المدرجة في القائمة السوداء من قبل أمريكا. وتنمو العلاقات العسكرية أيضاً بين بكين وأبوظبي، مع شراء الإمارات العديد من الطائرات بدون طيار الهجومية صينية الصنع، وإرسالها لمناطق أخرى مثل ليبيا. وبالتالي فإن احتضان الإمارات لشركة سينوفارم الصينية سيقربها أكثر في هذه العلاقة الحميمية مع الصين، وسيبرزها كقوة إقليمية بين دول المنطقة الأخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى