رغم كورونا… لماذا مدد ترامب العقوبات على سوريا وكيف ستتحرك دمشق؟
في الوقت الذي تدعو فيه المنظمات الدولية كافة إلى وقف العقوبات الاقتصادية التي تفرضها بعض الدول بسبب انتشار كورونا، ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية ترفض تعليق عقوباتها على سوريا وإيران.
وفي بيان نشر، أمس الخميس، على قاعدة البيانات الإلكترونية في السجل الفيدرالي الأمريكي، أعلن أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرر تمديد العقوبات الاقتصادية الأحادية الجانب المطبقة على سوريا لمدة عام آخر.
وقال مراقبون إن “تمديد العقوبات الأمريكية على سوريا متوقع في ظل السياسة الأمريكية التي تقف دائمًا ضد سياسة الحكومة السورية الداعمة لحركات المقاومة في المنطقة، والتي ترفض المشاريع الأمريكية والإسرائيلية، ومنها صفقة القرن، ويهودية الدولة، ومخططات تقسيم العراق وسوريا وبلدان الشرق الأوسط”.
تمديد العقوبات
أشار البيان إلى أن هذه العقوبات تأتي ضمن التدابير التقييدية المختلفة التي وضعتها واشنطن ضد دمشق على التوالي منذ عام 2012 إلى عام 2014.
وكانت 10 دول بينها روسيا والصين وإيران وسوريا قد أرسلت رسالة رسمية إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان طالبت فيها بالعمل الفوري على رفع العقوبات الأحادية التي تفرضها الولايات المتحدة على الدول.
وجاءت الرسالة التي وجهّتها مجموعة الدول المتضررة من العقوبات الأحادية الجانب ولا سيما التي تفرضها الولايات المتحدة، بسبب تأثير العقوبات الخطيرة على مئات الملايين من السكان في هذه الدول.
وأوضحت الرسالة، التي وقعتها كل من روسيا والصين وإيران وسوريا وكوبا وفنزويلا وكوريا الشمالية وزيمبابوي وكمبوديا ونيكارغوا، أن هذه العقوبات هي أداة في ترسانة سياسة الولايات المتحدة الخارجية في انتهاك صارخ ليس فقط للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ولكن أيضاً على حساب حقوق الإنسان الأساسية بما في ذلك الحق في التنمية والحق في التعليم والصحة والغذاء.
وجاء في الرسالة أن “جائحة كورونا خلقت زخماً جديداً للاعتراف بالطبيعة اللاإنسانية التامة للتدابير القسرية الانفرادية وتأثيراتها الفتاكة على السكان المتضررين، وتقوض بشكل خطير التعاون الدولي للحد من الوباء وعلاج المرضى”.
عدوان جديد
الدكتور أسامة دنورة، المحلل السياسي والاستراتيجي والعضو السابق في الوفد الحكومي السوري المفاوض في جنيف، قال إن “في المشهد الدولي العام، لا يمثل اتكاء إدارة ترامب على سلاح العقوبات والإجراءات الاقتصادية أحادية الجانب جديدًا في منطق السياسات القسرية التي تعتمد عليها الولايات المتحدة لتطويع دول العالم لهيمنتها”.
وأضاف ، أن “إدارة ترامب زادت الاتكاء كمًا وكيفًا على هذه الإجراءات الخارجة عن الشرعية الدولية، وذلك ضمن سياق يتعدى العقوبات ليصل إلى الانسحاب من العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، فضلاً عن الانسحاب من بعض المنظمات الدولية ومعاقبتها ماليًا، وآخرها منظمة الصحة العالمية التي قطع ترامب عنها التمويل في ذروة الحاجة العالمية لدورها في مواجهة وباء كورونا”.
وأكد أن
العقوبات ضد سوريا ليست مغطاة بأي قرار من الشرعية الدولية، واستغلال واشنطن هيمنتها على المنظومة المالية العالمية لمعاقبة أعدائها ليس إلا وجه جديد من وجوه العدوان، والذي أرادت إدارة ترامب الابتعاد عن وجهه العسكري، بعد أن استنفدت الإدارات المتعاقبة القدرة السياسية والاقتصادية على التورط في مستنقع جديد بعد أفغانستان والعراق وسواهما.
استراتيجية سورية
وتابع: “تخبط الولايات المتحدة في إدارة محدودية خيارات الدولة العظمى، بما في ذلك مشهد الحرب التجارية مع الصين، يدفع العديد من الدول لكي تميل باتجاه تخطيط اقتصادي مستقبلي مستقل عن العجلة الاقتصادية الغربية، والأمر بالنسبة لسوريا لا يخرج كثيرًا عن هذا الإطار”.
ومضى قائلًا: “سوريا وإيران وبعض القوى الرافضة للهيمنة الأمريكية اعتادت تاريخيًا على أن تكون هدفًا لكل أشكال الحصار والعقوبات والتجويع، وعلى الرغم من أن هذه العقوبات المتصاعدة حاليًا أكثر شدة وشمولاً، إلا أنها من ناحية أخرى تجبر الدول المستهدفة بما فيها سوريا على أن تفطم نفسها عن الارتباط الاقتصادي بالغرب”.
وأكد أن “لهذه الاستراتيجية بعدان؛ أولهما البعد المتعلق بتعزيز الاعتماد على الذات، ومثل هذا الوضع سيكون معبرًا إجباريًا للتحول من صورة الاقتصاد الريعي نحو الاقتصاد المنتج، فحرمان سوريا من غالبية إمكاناتها النفطية نتيجة للاحتلال الأمريكي للمنطقة الشرقية يفرض السير باتجاه التحول نحو الإنتاج”.
أما البعد الثاني – والكلام ما يزال على لسان دنورة، يخص التشبيك الاقتصادي مع الدول خارج التأثير الأمريكي والغربي، وهذا التحول على الرغم من تعقيداته الإجرائية الكبيرة، فهو يصب بالمحصلة نحو التخلص التدريجي من إمكانية استخدام الاقتصاد كسلاح ضد سوريا، لذلك فالتوجه شرقا هو من معالم الاستراتيجية السورية للتغلب على العقوبات.
علاقة سيئة
من جانبه قال غسان يوسف، المحلل السياسي السوري، إن “العقوبات الأمريكية التي قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتمديدها ليست جديدة، ولم يكن من المتوقع أن تقوم واشنطن بوقفها أو عدم تجديدها”.
وأضاف في تصريحات صحفية، أن “هذه العقوبات فرضتها أمريكا عام 2012، حيث كانت واشنطن على علاقة سيئة مع سوريا، وتقف دائمًا ضد سياسة الحكومة السورية الداعمة لحركات المقاومة في المنطقة، والتي ترفض المشاريع الأمريكية والإسرائيلية، ومنها صفقة القرن، ويهودية الدولة، ومخططات تقسيم العراق وسوريا وبلدان الشرق الأوسط”.
وتابع:
لذلك التجديد جاء نتيجة اختلاف في السياسات وقيام سوريا بالتعاون مع روسيا وإيران وبعض الدول بالقضاء على المجموعات الإرهابية، التي سلحتها أمريكا لمحاربة الدولة السورية، وما زالت أمريكا تعول على هذه المجموعات في تقويد دور الحكومة السورية.
وأشار إلى أن “بعض الدول كانت تتوقع ألا تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتجديد العقوبات، والسبب انتشار فيروس كورونا الذي يتطلب من الدول التعاون الإنساني، وضرورة أن تقوم واشنطن برفع الحظر على سوريا لتستورد الآلات الطبية لمحاربة كورونا”.
ومضى قائلًا: “لكن الولايات المتحدة ضربت بالملف الإنساني عرض الحائط وجددت العقوبات وهذا يدل على أن أمريكا لا يهمها أي أمر إنساني ولا الشعب السوري لكن يهمها أن تحقق سياساتها وأن تكون هذه الدولة أو تلك تابعة لسياسة الولايات المتحدة”.
وتشمل هذه القيود حظر الأصول المالية لبعض الأشخاص والكيانات القانونية الخاضعة للولاية القضائية الأمريكية، وحظر تصدير فئات معينة من السلع والخدمات إلى سوريا.