زيارة مسؤولين أمريكيين إلى سوريا.. هل غيرت واشنطن من سياستها تجاه دمشق؟

في ظل ما تعانيه سوريا جراء التدخلات الأمريكية على أراضيها، كشفت وسائل إعلام أمريكية عن أن مسؤولا في البيت الأبيض قام مؤخرا بزيارة سرية إلى دمشق للمرة الأولى منذ قطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا عام 2012، وأجرى اجتماعا مع الحكومة السورية.

الزيارة التي أكدت صحتها بعض المصادر السورية، جاءت لطلب الإفراج عن مواطنين أمريكيين اثنين محتجزين لدى السلطات السورية، وتقول وسائل الإعلام الأمريكية إن هناك أربعة آخرين لا تتوفر عنهم معلومات.

وقال مراقبون إن “الزيارة تعتبر اعترافًا ضمنيًا لأمريكا بفشل مشروعها لإسقاط الدولة السورية، وتغيير أمريكي لموقعها السياسي في معادلات المنطقة، والتعامل مع الحكومة السورية بمنطق مختلف”.

زيارات أمريكية

نقلت صحيفة “الوطن” السورية عن مصدر محلي، صحة المعلومات التي أفادت بها وسائل إعلام أمريكية حول زيارة مسؤولين أمريكيين إلى دمشق ولقاء مسؤولين سوريين.

وبحسب “الوطن”، فإن المصدر السوري، الذي وصفته بأنه واسع الاطلاع، ذكر أن مسؤولين أمريكيين رفيعين زارا العاصمة دمشق منذ فترة قريبة بهدف البحث في عدة ملفات، منها ملف ما يسمى “المخطوفين” الأمريكيين، والعقوبات الأمريكية على سوريا.

وقالت الصحيفة أن المصادر كشفت أن كلاً من روجر كارستينس، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي لشؤون المخطوفين، وكاش باتل مساعد الرئيس الأمريكي ومدير مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، زارا دمشق في أغسطس/ آب الماضي، واجتمعا باللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني في مكتبه في دمشق، وناقشا سلة واسعة من المسائل حملت جملة من العروض والطلبات، وأضافت المصادر التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها: “أن هذه ليست الزيارة الأولى لمسؤولين أمريكيين بهذا المستوى الرفيع وأنه سبقتها ثلاث زيارات مشابهة إلى دمشق خلال الأشهر والسنوات الماضية”.

ووفقا للصحيفة، حاول المسؤولان الأمريكيان كسب تعاون دمشق مع واشنطن في ملف “المخطوفين” الأمريكيين في سوريا وعلى رأسهم من يقال إنه صحفي أمريكي مستقل يدعى “أوستين تايس”، لكن دمشق بقيت متمسكة بمطلب الانسحاب الأمريكي قبل البحث في أي مسألة أخرى.

وقالت وسائل إعلام أمريكية، يوم أمس الأحد، إن “مسؤولا بالبيت الأبيض سافر إلى دمشق لعقد اجتماعات سرية مع الحكومة السورية”.

وبحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”، عقد المسؤول الأمريكي اجتماعات سرية مع حكومة دمشق، سعيا للإفراج عن مواطنين أمريكيين اثنين على الأقل تعتقد واشنطن أن “الحكومة السورية تحتجزهم”.

وقالت الصحيفة نقلا عن مسؤولين بالبيت الأبيض إن كاش باتل، أكبر مسؤول عن مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، سافر إلى دمشق في وقت سابق من العام.

اعترف أمريكي بالفشل

الدكتور أسامة دنورة، المحلل السياسي والاستراتيجي، عضو الوفد الحكومي السوري المفاوض في جنيف، قال إن “هذه الزيارة ليست الأولى في المدة الأخيرة، بل سبقتها ثلاث زيارات مشابهة إلى دمشق خلال الأشهر والسنوات الماضية”.

وأضاف في تصريحات صحفية، أن “على المستوى الاستراتيجي والجيوبوليتيكي تعكس هذه الزيارات اعترافًا أمريكيًا وقناعة ضمنية بفشل مشروع لإسقاط الدولة السورية، وتغيير موقعها السياسي في معادلات المنطقة، بما في ذلك تحويلها إلى حليف يقبع تحت الهيمنة الغربية، وطرف قابل بالتسوية مع إسرائيل دون استعادة الأرض والحقوق”.

وتابع: “بل أن هذه الزيارات تحمل في مدلولاتها سحب مشروع الحل الصفري ضد دمشق، واستعادة المنظور البراغماتي الأمريكي حيال سوريا بما يقتضي الإقرار بضرورة التواصل مع دمشق على وضعها السياسي الراهن”.

وأكد أن “من هذا المنطلق فإن هذا التواصل يشير إلى أن سياسة الضغوط القصوى على دمشق يجب النظر إليها على أنها أداة ضغط تفاوضية وليست أداة تهدف لتحقيق تغيير جوهري في منظومة الحكم السورية”.

أما على المستوى التكتيكي – والكلام ما يزال على لسان دنورة- فمن المفهوم عمليًا أن ترامب دخل مرحلة حرجة وفاصلة يمكن أن يعتبر أي إنجاز فيها بمثابة رافعة سياسية تحسن شعبيته التي تبدو متدهورة قبل الانتخابات، فالوصول إلى أي إنجاز وإن كان على مستوى العثور على أمريكيين مفقودين واستعادتهم سيتم توظيفه لمصلحة حملة ترامب الانتخابية”.

ومضى قائلًا: “الموقف السوري كان واضحا حسب التسريبات، وهو لا يقبل على الإطلاق التعاطي وفق معادلة تخفيف العقوبات مقابل المساعدة السورية في معرفة مصير واسترداد أمريكيين مفقودين، بل المعادلة التي تصر عليها دمشق هي إنهاء الاحتلال الأمريكي للمناطق الشرقية السورية قبل أي بحث في ملف إنهاء أو تخفيف العقوبات بصرف النظر عن المقابل المطلوب أمريكيًا، فالانسحاب الأمريكي يعني زوال العدوان على السيادة السورية من قبل الولايات المتحدة، وهو شرط لازم، وربما يكون كافيًا أيضًا لإطلاق حوار سياسي”.

وأشار إلى أن “الانسحاب الأمريكي هو بحد ذاته ميزة لإدارة ترامب، التي ستثبت بذلك التزامها بالتخلص من “الحروب اللا نهائية” (endless wars) التي لطالما وعد ترامب بإنهائها، وستنهي التورط الأمريكي في ساحة لا تبدو فيها مصلحتها المباشرة واضحة المعالم، في حين يبدو من العسير سوريا وإقليميا ودوليا المضي في بناء رؤية استراتيجية للاحتلال الأمريكي وأهدافه في شرق سوريا دون تحويل هذا المشروع إلى ساحة تورط أمريكية جديدة”. 

سياسة أمريكية

من جانبه قال المحلل السياسي السوري، الدكتور فريد سعدون، إن “أمريكا لم تغير سياستها تجاه المنطقة وسوريا، فهي لم تتغير منذ بداية الأزمة وإلى الآن، حيث لم ترفع شعار إسقاط النظام، لكنها تبحث عن تغيرات تناسب سياستها وأجندتها في المنطقة”.

وأضاف في تصريحات صحفية أن “أمريكا تتصرف بناء على أجندتها ومصالحها السياسية والاقتصادية، ولهذا دخلت المنطقة الغنية بالنفط في شمال شرق سوريا، والتي لها علاقة مباشرة جغرافيا مع العراق وإقليم كردستان، ودعمت القوى المسلحة الموجودة في شمال شرق سوريا لتحقيق هذه الأهداف”.

وتابع: “ترامب الآن يحاول أن يقدم شيئًا يعزز من فرص نتائجه في الانتخابات الأمريكية، فعندما يقوم بإطلاق صراح أحد المعتقلين سيضاف لرصيده في الحملة، فهو لا يقدم تنازلات بقدر ما يحاول أن يكسب العوامل التي تساعده في تحقيق مآربه في الانتخابات الأمريكية”.

وأكد أنه “أرسل مبعوثه لسوريا من أجل التفاوض على إطلاق سراح الموجودين في سوريا، الأمر لا يتعدى أكثر من ذلك، لكن السياسية الأمريكية في المنطقة لم تتغير ولن تتغير في المستقبل”.

كانت آخر محادثات معروفة بين البيت الأبيض والمسؤولين السوريين في دمشق في عام 2010. وبعدها قطعت الولايات المتحدة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا في عام 2012.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى