سد مقابل سد”.. خطة مصرية لتشجيع دول حوض النيل على مقاطعة كهرباء سد النهضة، إليك تفاصيلها
وتتولى مصر أعمال البناء في سد ستيغلر جورج المقرر إقامته على نهر روفيجي في تنزانيا، وذلك في وقتٍ وصلت فيه أزمة سد النهضة الإثيوبي بين إثيوبيا ودولتي المصب- مصر والسودان- إلى منعطف فارق، حسبما ورد في تقرير لموقع Al-Monitor الأمريكي.
وقال وزير الاستثمار التنزاني، جيفري موامبي، في تصريح صحفي على هامش منتدى رؤساء هيئات الاستثمار الإفريقية الذي عُقد بشرم الشيخ، في 12 يونيو/حزيران الجاري، إن الشركات المصرية بدأت في تنفيذ مشروع سد ستيغلر جورج على نهر روفيجي.
وأشار موامبي إلى أن مصر من أكبر 10 شركاء اقتصاديين لدولة تنزانيا، حيث اتفق البلدان على العديد من المشروعات الكبرى، وقد شرعت مصر في تنفيذ بعضها بالفعل، مثل مشروع سد ستيغلر جورج ومحطة “يوليوس نيريري” للطاقة الكهرومائية الملحقة بالسد.
قبل أيام قليلة من هذه التصريحات، اتصل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بنظيرته التنزانية، سامية حسن صولحو. ووفقاً للبيان الصحفي الصادر عن الرئاسة المصرية في 9 يونيو/حزيران بشأن الاتصال، حيث تحدثت رئيسة تنزانيا مع السيسي عن وجود آفاق واسعة النطاق لتطوير العلاقات بين مصر وتنزانيا، مشيدةً بالدعم المصري لجهود التنمية التنزانية، وبخاصة جهودها في بناء سد ستيغلر جورج ومحطة “يوليوس نيريري” للطاقة الكهرومائية، وهي أكبر المشروعات الوطنية في تنزانيا حالياً.
يحمي البلاد من الفيضانات
في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، قال عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، في تصريح صحفي، إن سد ستيغلر جورج له أهمية خاصة لدولة تنزانيا، حيث يُفترض أن يلبي إنتاجه الطلب المتزايد على الكهرباء في تنزانيا مع تلقيها مزيداً من الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تتطلب إمدادات أكبر من الطاقة.
كما أن تلك المشروعات تتيح لدولة تنزانيا أن تدخل نادي الدول المصدِّرة للطاقة عن طريق بيعها فائض إنتاج الكهرباء من السد والمحطة لدول شرق إفريقيا، حسب تقرير Al-Monitor.
ولفت شراقي إلى أن السد سيحمي الشعب التنزاني من الخسائر المتكررة سنوياً بسبب الفيضانات.
ففي عام 2020، دمَّر فيضان نهر روفيجي أكثر من 3500 منزل، و6600 هكتار من المزارع والأراضي الزراعية.
في غضون ذلك، يُتوقع أن تجني الشركتان المصريتان المشاركتان في بناء السد والمحطة- شركة المقاولون العرب وشركة السويدي- أرباحاً ضخمة لأن المشروعين من أضخم المشروعات في إفريقيا حالياً، وتقدر التكلفة المبدئية لهما بنحو 2.9 مليار دولار.
لماذا يعد سد ستيغلر جورج منافساً لسد النهضة؟
ومع ذلك، يعتقد كثير من المراقبين أن مكاسب بناء سد ستيغلر جورج لا تقتصر على الأرباح الاقتصادية، بل تمتد أيضاً إلى تحقيق مصر مكاسب سياسية كبيرة في قضية السد الإثيوبي، بحسب زكريا عثمان، الباحث السابق بمركز البحوث العربية والإفريقية وخبير شؤون شرق إفريقيا.
قال عثمان لموقع Al-Monitor إن حرص الشركات المصرية على بناء سد في تنزانيا بتوجيهات من السيسي يدحض جميع الاتهامات التي وجهتها إثيوبيا ضد مصر، والتي زعمت فيها أن السلطات المصرية غير معنية بمصالح الدول الإفريقية، بل فقط بمصالحها الخاصة.
واتهمت السلطات الإثيوبية مصر مراراً بعرقلة تنمية إفريقيا، من خلال ما وصفته السلطات الإثيوبية بـ”تعنت مصر في مفاوضات سد النهضة”، ومع ذلك فقد نفى عديد من المسؤولين رفيعي المستوى في مصر هذه المزاعم. وقال السيسي في خطاب رسمي يوم 7 أبريل/نيسان إن مصر تحترم حق إثيوبيا في التنمية ما دامت لا تضر بمصالح مصر.
كيف ستستفيد مصر من ذلك؟
على النحو نفسه، قال أحمد علوي، وهو باحث في الشؤون الإفريقية بـ”المركز الديمقراطي العربي” في ألمانيا، لموقع Al-Monitor، إن سد ستيغلر جورج ومحطة “يوليوس نيريري” للطاقة الكهرومائية سيكون لهما دور مهم في حل أزمة سد النهضة.
وأشار علوي إلى أن “مصر ربما تتبنى حالياً حلولاً غير تقليدية للأزمة، منها توفير بدائل للدول التي تخطط لاستيراد فائض الطاقة الكهربائية من سد النهضة. ومحطة الطاقة الكهرومائية للسد التنزاني هي أحد البدائل. من ثم، فإن وجود هذه البدائل سيُتيح للدول المجاورة لإثيوبيا مقاطعتها وعدم اللجوء للإنتاج الكهرومائي من السد الإثيوبي”.
بمجرد اكتمالها، يُتوقع أن تنتج محطة “يوليوس نيريري” للطاقة الكهرومائية نحو 2115 ميغاوات من الكهرباء يومياً.
وقال وزير الكهرباء المصري، محمد شاكر، في تصريحات صحفية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، إن إنتاج المحطة من الكهرباء سيُلبي جميع احتياجات تنزانيا من الطاقة مع تحقيق فائض يمكن تصديره إلى دول شرق إفريقيا.
في المقابل، يُتوقع أن ينتج السد الإثيوبي نحو 6 آلاف ميغاوات يومياً.
وفي هذا الصدد، قال علوي إنه على الرغم من التباين الكبير في كميات الكهرباء المنتجة، فإن السد التنزاني سيظل قادراً على المنافسة.
إيجاد بدائل لسد النهضة
وأرجع علوي ذلك إلى أن “احتياجات إثيوبيا من الطاقة محلياً أكبر من احتياجات تنزانيا، ما يعني أن النسبة الأكبر من إنتاج سد النهضة ستستهلكه إثيوبيا محلياً. كما أن السد التنزاني يعتبر أحد البدائل لتوفير الكهرباء لدول شرق إفريقيا، لكنه ليس البديل الوحيد، حيث تبحث مصر إنشاء العديد من السدود الأخرى التي يمكن أن تلبي احتياجات دول شرق إفريقيا من الطاقة الكهربائية”.
يُشار إلى أن “الهيئة العربية للتصنيع” التابعة للقوات المسلحة المصرية كانت أعلنت في عام 2019 عن بناء محطات ضخمة للطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء في عدد من دول شرق إفريقيا، وأغلبها من الدول المجاورة لإثيوبيا، ومن أبرزها الصومال وإريتريا.
يعتقد العديد من الخبراء، ومنهم علوي، أن التحركات من أجل التوصل إلى تفاهمات مع جيران إثيوبيا في شرق إفريقيا لمقاطعة شراء الكهرباء التي يُفترض أن ينتجها سد النهضة، وإيجاد بدائل واعدة، ستدفع السلطات الإثيوبية إلى التراجع عن تعنتها حيال مصر والسودان، لا سيما أن إثيوبيا يُتوقع أن تعتمد اعتماداً كبيراً على تصدير فائض كهرباء السد لتغطية تكاليف إنشائه وتحقيق أرباح منه.
سد في جنوب السودان
وفي مشروع يبدو مشابهاً، تشارك مصر في مشروع إنشاء سد بجنوب السودان، وأوضحت وزارة الموارد المائية والري المصرية، أنها قامت بإعداد دراسات لمشروع سد “واو” في دولة جنوب السودان.
يقع المشروع على نهر سيوي، أحد فروع نهر الجور الرئيسي بحوض بحر الغزال، على مسافة 9 كيلومترات جنوب مدينة “واو” في جنوب السودان.
يهدف السد إلى توليد 10.40 ميغاوات من الكهرباء، بالإضافة إلى توفير مياه الشرب لنحو 500 ألف نسمة، والاستفادة من المياه فى الري التكميلي، لنحو 30 – 40 ألف فدان.
وأكدت وزارة الموارد المائية والري، أن خبراء المركز القومي لبحوث المياه قاموا بإعداد الدراسات الهيدرولوجية والهيدروليكية والأعمال المساحية، والخرائط الكنتورية لموقع السد وبحيرة التخزين، وكذلك الدراسات الجيولوجية والجيوتكنيكية والإنشائية والبيئية، وأعمال التصميمات المبدئية للسد، والمنشآت التابعة له.
وقالت وزارة الري المصرية إنه تم التعاقد مع وزارة الكهرباء والطاقة المصرية؛ لإسناد أعمال التصميمات الخاصة بالمحطة الكهربائية وملحقاتها، ودراسة الجدوى الاقتصادية لها، من خلال إحدى الشركات المتخصصة التابعة لها، والتي تعاونت مع أحد المكاتب الاستشارية الكبرى؛ لإعداد الدراسات المطلوبة.
وأكدت وزارة الري، في بيانها، أنه تم تسليم الدراسات للسلطات في دولة جنوب السودان في عام 2015.