سر “الفطر الأسود” القاتل الذي يتسلل لأدمغة مرضى كورونا في مستشفيات الهند
فقد طور بعض مرضى فيروس في الهند عدوى فطرية نادرة ومميتة تسمى فطار الغشاء المخاطي، والمعروف أيضاً باسم “الفطر الأسود”، وفقاً لما ورد في تقرير لموقع Live .Science.
إذ يتنامى رصد حالات غزو هذا الفطر الأسود النادر للدماغ في المرضى من أصحاب الحالات الحرجة في الهند، الذين من بينهم المصابين بكوفيد-19، في ظل الضغوط الشديدة التي يواجهها النظام الصحي في صراعه مع الجائحة.
وكانت وزارة الصحة الهندية قد أصدرت يوم الأحد 9 مايو/أيار خطوات إرشادية توضح كيفية الوقاية من هذا المرض. وفي ولاية غوجارات، وسُجلت حوالي 300 حالة في أربع مدن، منها أحمد آباد، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
يقول البروفيسور بيتر كولينيون، عضو لجنة الخبراء المعنية بمقاومة المضادات الحيوية والأمراض المعدية بمنظمة الصحة العالمية، إن هذا الفطر، “شديد الخطورة، ويسبب معدلات وفاة مرتفعة، ويتطلب الخضوع لجراحة وتناول الكثير من الأدوية للتغلب عليه بمجرد أن يتمكن من المريض”.
ما هو الفطر الأسود أو فطر الغشاء المخاطي؟
يحدث داء الغشاء المخاطي بسبب مجموعة من الفطريات تسمى mucormycetes ، والتي تنمو في التربة والمواد العضوية المتحللة، مثل الأوراق المتعفنة والخشب، وفقاً لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الأمريكي (CDC).
وينتشر فطر الغشاء المخاطي أو الفطر الأسود في أماكن كثيرة على مستوى العالم، منها الولايات المتحدة وأستراليا.
وقال الدكتور أكشاي ناير، جراح العيون في مومباي، لبي بي سي نيوز: “إنه موجود في كل مكان ويوجد في التربة والهواء وحتى في أنف ومخاط الأشخاص الأصحاء”. يمكن أن يدخل العفن الجسم من خلال الجروح والجروح الأخرى في الجلد ، أو يمكن أن تنتشر العدوى في الجيوب الأنفية أو الرئتين بعد استنشاق الجراثيم الفطرية. بمجرد دخول الفطر إلى الجسم ، يمكن أن ينتشر أحيانًا عبر مجرى الدم ويؤثر على أعضاء أخرى، مثل الدماغ والعينين والطحال والقلب.
وقد يُصاب به في المستشفيات -ويكثر انتشاره بين مرضى زراعة الأعضاء ذوي الحالات الحرجة- حيث ينتقل على أغطية المستشفيات، أو عبر أنظمة التهوية، أو على المواد اللاصقة.
يقول كولينيون: “الفطر الأسود هو عائلة من الفطريات تدخل الجيوب الأنفية وتترسب فيها، ويمكنها الوصول إلى الفراغات الهوائية في الرأس. وحين لا يتمكن الجهاز المناعي من السيطرة عليها، فإنها تغزو قاعدة الدماغ وحينها تصبح مشكلة حقيقية، وخطيرة جداً”.
ويضيف: “وقد تتعرض أيضاً للإصابة بهذه الفطريات في الأماكن التي تكثر بها أعمال البناء لأنها تتسبب في تحريك التربة، وتثير الكثير من الغبار في المنطقة”.
ضعف جهاز المناعة يساعد على توغل الفطر
وعادة ما تدخل هذه الجراثيم الفطرية إلى الجسم عن طريق التنفس، ورغم أن أجهزة المناعة لدى معظم الناس قادرة على التصدي لها، فالأشخاص المصابون بأمراض مثل السكري أو اللوكيميا التي تضعف جهاز المناعة، أو من يتناولون أدوية مثل الستيرويدات التي تقلل من قدرة الجسم على محاربة الجراثيم، عرضة للإصابة بهذه الفطريات التي تتطور إلى إصابة مرضية.
وهذه الحالة شديدة الندرة، حيث كانت الولايات المتحدة تسجل حوالي 500 حالة سنوياً قبل الجائحة (يصعب تحديد الرقم الدقيق نظراً لغياب متابعة الإصابات على مستوى البلاد).
لماذا يظهر لدى مرض كورونا في الهند؟
عادةً، لا تشكل الفطريات المخاطية تهديداً كبيراً لمن لديهم جهاز مناعة صحي، حسب صحيفة Indian Express الهندية.
لكن مرض السكري تحديداً يقلل من دفاعات الجسم المناعية، ويؤدي فيروس كورونا إلى تفاقم المرض، ومن ثم تعمل المنشطات التي تساعد في محاربة COVID-19 لإضعاف المناعة أكثر”.
يقول كولينيون إن كوفيد-19 أدى إلى ظروف تسببت في انتشار الإصابة بهذا الفطر. إذ إن الفيروس يتسبب في إضعاف الأجهزة المناعية، ويظهر فطر الغشاء المخاطي في المرضى المصابين بمرض السكري على وجه الخصوص أيضاً.
وأضاف: “نعطي الكثير من الستيرويدات بجرعات عالية للأشخاص المصابين بكوفيد-19 إذا انتهى بهم الحال في العناية المركزة لأن الستيرويدات تساعد في علاج الإصابة، لكن الستيرويدات تثبط نظام المناعة أيضاً للأسف”.
وقال أيضاً: “ولهذا لا نحبذ إعطاء الستيرويدات للمرضى لفترة أطول مما ينبغي. إذ إننا نحاول علاج الإصابة باستخدام الستيرويدات ولكن هذا يعني في الواقع أن القدرة على محاربة الإصابات الطبيعية، مثل الفطريات، تضعف أيضاً”.
والمنظومات الصحية في الهند ترزح تحت ضغوط شديدة، كما أن الأماكن المزدحمة والضيقة تمنحها فرصة أكبر للانتشار.
بالإضافة إلى ذلك، اضطرت العديد من العائلات إلى علاج أقاربها من COVID-19 في المنزل ، ما يعني أن الأشخاص قد يتعرضون للعفن بعد تلقي الأدوية أو العلاج بالأوكسجين في ظروف أقل من معقمة، حسبما نقل موقع Live Science عن صحيفة The Times البريطانية.
الغرف التي يوضع فيها مرضى كورونا تسبب في تفاقم المرض
وقال: “عادةً ما نضع الأشخاص المصابين بضعف في أجهزتهم المناعية في ما نسميه غرف الضغط الإيجابي حين يدخلون إلى المستشفى لتقليل خطر الإصابة بعدوى مثل فطار الغشاء المخاطي؛ لأن زيادة الضغط في الغرفة، حتى يخرج الهواء إلى الممر، تقلل من انتشار الفطريات أو الأشياء الأخرى في الهواء التي قد يتنفسها المريض”.
وأضاف قائلاً: “وغرفة الضغط الإيجابي بالطبع هي آخر مكان يمكنك وضع مريض كوفيد فيه لأنها قد تؤدي لانتشار الفيروس (لأن جزيئات الفيروس ستخرج مع الهواء المضغوط من الغرفة)، ويؤدي استبعاد مرضى كورونا عن هذه الغرف إلى زيادة صعوبة الوقاية من فطر الغشاء المخاطي”.
ويُعطى المرضى المصابون بفطار الغشاء المخاطي عقاقير مضادة للفطريات يمكن أن تكون شديدة السمية.
يقول كولينيون: “نحتاج دوماً إلى إجراء عملية جراحية أيضاً لتنظيف مصدر الفطريات، التي تكون عادةً الجيوب الأنفية، والجزء الخلفي من الحلق في مؤخرة الأنف. ونضطر للدخول في هذه المناطق والتخلص من كل المواد الفطرية. وهذه الجراحة قد تُجرى في أماكن شديدة الحساسية مثل قاعدة الدماغ”.
كيف يمكن معرفة المصابين به؟
من أعراض الإصابة بهذا الفطر ألم واحمرار حول العينين والأنف، والحمى، والصداع، والسعال، والقيء الممزوج بالدم، وإفرازات سوداء من الأنف ممزوجة بالدماء، وألم في أحد جانبي الوجه وفي الجيوب الأنفية، وتغير لون الأنف إلى اللون الأسود، وألم في الأسنان، وتشوش وألم في الرؤية.
ويمكن أخذ عينات أنسجة وسوائل لتأكيد الإصابة.
كيفية الوقاية منه وعلاجه؟
يقول كولينيون إن علاج فطار الغشاء المخاطي مُكّلف وصعب، ويتسبب في معدل وفيات تزيد عن 50%، حسبما تنقل عنه صحيفة The Guardian البريطانية.
وأصدر المجلس الهندي للأبحاث الطبية ووزارة الصحة الاتحادية إرشادات تحث الناس على ارتداء الأحذية والسراويل الطويلة والقمصان طويلة الأكمام والقفازات أثناء التعامل مع التربة أو الطحالب أو السماد الطبيعي. وقالت الوزارة إنه يتعين على الناس أيضاً الحفاظ على نظافتهم الشخصية، والتأكد من ضبط السكر إذا كانوا مصابين به، وإنه يتعين على الأطباء التوقف عن إعطاء الأدوية المثبطة للمناعة مثل الستيرويدات فور أن يصبح ذلك ممكناً.