سلطة رام الله.. نحو دور يتعدى التنسيق الأمني..!!
سلطة رام الله.. نحو دور يتعدى التنسيق الأمني..!!
سليم الزريعي
ربما يبدو سؤال التوصيف السياسي والقانوني والفكري وحتى الأخلاقي للاعتقالات التي تنفذها أجهزة السلطة في رام الله سؤالا مفارقا لدى فريق أوسلو، وحاضنته الحزبية وذوي المصلحة وأصحاب الولاء المالي. كونهم يعتبرون أن الاعتقالات هي لحفظ أمن ونظام مشروع أوسلو.
وأنا اتفق معهم في الشكل لكن من موقع الخندق الفكري الآخر، وبسؤال آخر إذا كانت الاعتقالات لحفظ الأمن والنظام؛ فهي في الجوهر لحفظ أمن منْ؟ هل هي لحفظ أمن ونظام الشعب الفلسطيني في مواجهة التغول الفاشي لجيش الاحتلال وأجهزته الأمنية التي تمارس عدوانا يوميا على الشعب الفلسطيني؟ أم هي من أجل تهيئة كل الظروف المناسبة لجيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه للعمل في الضفة دون معوقات، من قبل قوى المقاومة والشعب المشتبك عبر حملات اعتقال الناشطين والمقاومين؟. لأن حفظ أمن الشعب الفلسطيني هو في حمايتهم من العدوان الصهيوني، ذلك أنه لا يمر يوم دون سقوط شهداء وجرحى واعتقالات تنفذها قوات المحتل، وتطال كل شرائح المجتمع.
لكن للأسف يمكن القول إن الاعتقالات في الجانب الفلسطيني هي بمثابة حرب تشنها أجهزة أمن السلطة على مناضلي الشعب الفلسطيني، في إطار دورها الوظيفي عبر اتفاق أوسلو، ونحن هنا لا نحلل وإنما نستند إلى معطيات ما يجري في الضفة في إطار دور يتعدى التنسيق الأمني إلى دور متصاعد نحو المشاركة في الحرب على المقاومة، وهو ما أكَّدته فصائل وقوى المقاومة في مخيم جنين، مساء الاثنين 18 سبتمبر ، التي أعلنت “رفضها لكل الممارسات التي تقوم بها أجهزة أمن السلطة من ملاحقة واعتقال للمقاومين، وخاصة عقب معركة “بأس جنين” التي نجحت فيها المقاومة بصد عدوان الاحتلال وإفشال مخططه في مخيم جنين”.
ولذلك وصفت فصائل المقاومة في جنين سياسة الاعتقالات من قبل أجهزة أمن السلطة أنه سلوك غير قانوني وغير أخلاقي ويتساوق مع الاحتلال”. هذا التساوق أكدته مجموعة “محامون من أجل العدالة”، إحدى المجموعات الحقوقية النشطة في مجال الحريات بالضفة الغربية المحتلة، التي وثّقت أن الأجهزة الأمنية لسلطة رام الله نفذت خلال عام 2022 قرابة 1272 حالة اعتقال سياسي، في الوقت الذي وثّقت فيه تنفيذ ما يزيد عن 800 إلى 850 حالة اعتقال سياسي منذ بداية عام 2023.
لكن الملاحظة المثيرة التي طرحتها المجموعة، هي أن الاعتقالات السياسية شهدت تمددًا لتطال تنظيمات فلسطينية أخرى غير حماس، من ضمنها الجهاد الإسلامي أو بعض كوادر فتح والجبهتَين الشعبية والديمقراطية.
وهي تستهدف بدرجة أساسية المقاومين الفاعلين في المجموعات والخلايا المسلحة، فضلًا عن الأسرى المحررين من السجون الإسرائيلية، إلى جانب طلبة الجامعات الفلسطينية بالضفة على خلفية النشاطات الطلابية التي تجري في الجامعات.
إن أي قراءة في المعطيات الراهنة وما استجد مؤخرا من تصعيد أمني وترافقه مع تسلم السلطة شحنة من الأسلحة من الولايات المتحدة بموافقة الكيان الصهيوني بشروط محددة وخاصة، بأن تستخدم في مواجهة المقاومة. تمثلت في عدة مركبات مصفّحة، كما تضمّنت الشحنة ما لا يقل عن 1500 قطعة سلاح بعضها بنادق إم-16 موجهة بالليزر وبعضها كلاشينكوف، حيث نقلت المعدّات من القواعد الأميركية في الأردن، ومرت عبر معبر اللنبي بموافقة إسرائيلية كاملة. تشير إلى أن هناك دورا جديدا للسلطةـ
هذا الدور يكشف عنه هذا المتغير اللافت وهو ذو دلالة خطيرة عبر حديث الرئيس محمود عباس الذي ترأس حسب مصادر فلسطينية مطلعة سلسلة اجتماعات أمنية موسعة في مقر الرئاسة برام الله، خلال الأسبوعين الأخيرين، طلب فيها من تلك الأجهزة الضرب بيد من حديد ضد كل الخلايا المسلحة التي تعمل برأيه على هدم المشروع الوطني وإضعاف السلطة وإظهارها أمام الجانبين الأميركي والأوروبي بأنها عاجزة. وبما قاله رئيس السلطة عندما زار جنين بأن سلطته لن تقبل إلا بأمن واحد وسلطة واحدة وسلاح واحد، وهذا يعني تبني الموقف الصهيوني من المقاومة وسلاحها.
ونظن أن محمود عباس سيعمل على أن يثبت من خلال هذه الأسلحة للولايات المتحدة وأوروبا والكيان الصهيوني أن سلطة أوسلو ليست ضعيفة، مما يجعلنا نتوقع تطور دور السلطة من التساوق إلى المشاركة المفضوحة مع الاحتلال في مواجهة قوى المقاومة والشعب المشتبك مع الاحتلال في الضفة ، وهو ما يؤكد ما قالته الاستخبارات الإسرائيلية، من أن السلطة في رام الله موجودة للقيام بالأعمال القذرة نيابةً عن الاحتلال.
هذه الأعمال القذرة كانت السلطة تقوم بها، سابقا تحت لافتة التنسيق الأمني والآن بعد تصاعد منسوب الكفاح المسلح في الضفة الغربية من خلال تشكيلات الكتائب المسلحة المختلفة، فإن دور السلطة سيكون ربما عبر مشاركة الاحتلال في الحرب على الشعب باستهداف مقاومته المسلحة وناشطيه تحت لافتة منع المقاومة من ما يسميه رئيس السلطة “هدم المشروع الوطني وإضعاف السلطة”.
المؤسف الذي لا علاج له هو أن سلطة رام الله بات وجودها مصلحة صهيونية بامتياز، وإصرارها على التمسك بمشروع أوسلو الذي دفن من زمن محل سؤال وطني، ومن ثم فإن استمرار وجودها كـ”دور” تحت لافتة أوسلو هو في مصلحة الكيان، وهو ما أكدته أحد لجان الكنيست، ونتنياهو الذي قال إنه سيمنع انهيار السلطة “الدور”. لأن السؤال عندها، إذا ما انهارت السلطة من سيقوم بالأعمال القذرة ؟!!
وخلاصة القول.. إن ترتيبات السلطة من تسلم سلاح أمريكي بموافقة صهيونية، وحديث الرئيس عباس بالضرب بيد من جديد ضد كل الخلايا المسلحة التي تدافع عن الشعب في مواجهة الاحتلال، تشير إلى أن سلطة رام الله تستعد لدور جديد في مواجهة الخلايا المسلحة ربما يتعدى التنسيق الأمني..!!